الثلاثاء 20 نيسان (أبريل) 2010

منظمة التحرير: جبهة وطنية أم صنم للعبادة والتعاويذ؟

الثلاثاء 20 نيسان (أبريل) 2010 par خالد بركات

شاهدت صورة فوتوغرافية ، مشغولة بعناية فائقة على نظام “فوتو شوب” ، يقف في إطارها السيد ابو مازن رئيس السلطة الفلسطينية وهو يرفع يده ويحي أنصاره في رام الله . وقد حجب ساعده شعارات ثلاث كانت في الماضي تدل على منظمة التحرير الفلسطينية ، تقول : وحدة وطنية ، تعبئة قومية ، تحرير. وهذه الشعارات الثلاث غيبتها الصورة تماما ، بقصد او بدونه ، لا اعرف ، وليس مهما ، المهم انه لم يبقى من ذاك الشعار ، في الواقع ، او في الصورة ، غير اليافطة البائسة التي لا يكترث أحد لوجودها.

لقد حصل التخلي الفعلي والنهائي عن ثالوث الثورة الفلسطينية ، الوحدة والتعبئة والتحرير الى درجة سريالية ، فهذه الشعارات هي شروط الانتصار على العدو الصهيوني، لكنها الان باتت عناوين “للترّيقة” والتندر لامين سر اللجنة التنفيذية! الذي يقول لنا : أي وحدة وطنية وأي تعبئة قومية واي تحرير ؟ يقول لك الموظف الفلسطيني الكبير ، في المنظمة : نحن معنا خارطة الطريق ومعنا وعود أمريكا ومعنا اموال الدول المانحة ومعنا رضى دايتون. انت ماذا تملك يا أخ؟

الذين يشغلون مواقعهم ومناصبهم الكبيرة في اللجنة التنفيذية للمنظمة وفي المجلس المركزي الفلسطيني ومؤسسات السلطة ، هؤلاء لم ينتخبهم أحد ، لم ينتخبهم أحد داخل تنظيماتهم أولا ، باستثناء واحد او اثنان ربما. ولم ينتخبوا في اطر شرعية وحقيقية. لا هم ، ولا الاخوة خارج اطار المنظمة . واكاد أجزم بالقول أن معظم “الشباب” في تنظيماتهم ، لا يعرفوا عنهم شيئا ، عداك عن جماهير فلسطينية وعربية مليونية تحتار في فصائلنا ، ولسان حال الناس يقول : خسارة ! وتردد الناس ، مع الراحل الكبير محمود درويش : أنت ، واخوك ، أقل من واحد!

منظمة التحرير الفلسطينية بنى مداميكها الاولى مناضلون ومناضلات كثر، وشارك في تاسيسها ورفع لواءها عشرات الاف من الشباب الفلسطيني، شيدوا اتحاداتها ومؤسساتها الشعبية والنقابية والعسكرية ، وفيها ، ناضل الطلاب والعمال والمهندسين والاطباء والعسكريين وغيرهم ، ساهم في حفظ صورتها ومكانتها الطفل والمراة والرجل والشيخ الكهل. ودفع الشعب الفلسطيني دم قلبه وفلذات الاكباد ، لا من اجل المنظمة – المؤسسة ، بل من أجل ان تنتصر الثورة الفلسطينية على اعداؤها ، ويشهد شعبنا تحرير فلسطين واقعا بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية. ولم يبخل الشعب على نفسه. في الشتات تحديدا ، اعتبرت الجماهير الفلسطينية منظمة التحرير بيتا لها وملكا جماعيا ، وصارت بمثابة الوطن المؤقت ، في الثورة ، الى ان تعود!

بعد سنوات قليلة من اعادة تاسيسها على يد التنظيمات الفدائية، وتحديدا في العام 1974 ، صارت قيادة المنظمة ترى في الشعب اللاجئ عبئ عليها وتهرب من اوجاعه وأحلامه . تهرب من قلقه ومن سؤاله عن خط المقاومة والثورة وتساله عن أحوال الوحدة الوطنيه والمخيمات وعن العلاقة مع الانظمة . الجواب الوحيد ، في جعبة مسؤول المنظمة في الرد عليها كان ولا يزال “الدولة المستقلة” ، فيما الجماهير لا تساله عن دولة ، بل عن وطن حر سعيد ، تحرره وتعود اليه وتواصل بناؤه ، لم تساله عن دولة ولا عن سلطة هجينة وعاجزة.

لكن زلم الثورة ظلت تردد تلك اللازمة “هدفنا هو الدولة المستقلة” حتى تماهت الدولة مع الوطن والحرية ، ثم كبرت في راس المسؤول واضحت صنما من الوهم والخرافة يعبده ويعجنه ويشكله على هواه..

كان الشعب الفلسطيني يرى في منظمة التحرير هوية سياسية مقاتلة وجبهة وطنية موحدة في مواجهة العدو وفي رسم علاقات الثورة مع الحليف والصديق ولنصرة من ينتصر للعدالة في هذا الكون وتامل في منظمة تنتمي للامة العربية اولا ، لا لجامعة الانظمة وبرامجها، وعرف الشعب معنى شعار التعبئة القومية وضرورة حشد كل طاقات الامة في مواجهة عدو متفوق ومتغطرس وقوي . اعتبر انتماؤه للامة ضمانة للدفاع عنها والشرط الضروري لتحقيق الانتصار.

كان يذهب الفلسطيني للجماهير العربية ويدفع الثمن مرتين، اولا لانه أدرك بالفطرة والوعي مسؤوليته التاريخية عن قضية كبرى تعني كل الامة ، وثانيا لانه أدرك جوهر العلاقة بين قضيته الوطنيه وسؤال الديموقراطية والحرية في وطنه العربي الكبير ، وحين اعلن موقفه جهارا ولعن من تامروا عليه ، حاصرته الانظمة . فلجأ للجماهير الشعبية يطلب دعمها ومساندتها ووجدها مقيدة ومشلولة ، لكنه لم يفقد بصيرته وظل يرى فيها عمقه وخياره الاستراتيجي والطبيعي وخياره الوحيد.

قاتل واستشهد في مسيرة الثورة الفلسطينية ، المئات من الشباب العربي . جاؤوا من كل صوب وحدب لنصرة المقاومة . كان يرى هؤلاء الشباب صورة الفدائي الفلسطيني وهو يقاتل بباسلة في الصف الاول امام الحركة الصهيونية ويتمرد عليها . ونشر الفلسطيني ، دون قصد ربما ، عدوى السلاح ورائحة المقاومة والتمرد والثورة في كل ارجاء الوطن العربي والمعمورة. صارت ثورته مشروعا نقديا للواقع العربي وغياب العداله وملجئ كل المقهورين والمعذبين . وقيل في صحيفة كويتية ذات مرة “كل فلسطيني يحتاج لمئة شرطي يراقبه لكننا نحتاج لشرطي واحد لمراقبة مائة هندي او باكستاني”! وفي ميزان الربح والخسارة وحسابات النفط انتصر النفط ، وصار الفلسطيني عبئا على كاهل الانظمة ، تتاافف منه ، ولا تريده.

الانظمة التسلطية وجدت في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ، وليس المنظمة ، حلها السحري ورداءً تستر به عجزها وعوراتها امام جمهور يطلب الحرية ولم يمارس حقه في تقرير المصير . في بلدانها اولا ، ووجد النظام العربي الرسمي في شخص المرحوم ياسر عرفات وسيطا مع ( فلسطين) و( القدس) و( الاقصى ) وممثلا شرعيا ووحيدا ، يمكن احتمال ناره ، حتى لو بالدفع “كاش” وفي الحال!

تجرّفت م ت ف من الداخل ، والقلعة ، تؤخذ من الداخل. وكان لرحيل عرفات ما يشبه اعلانا نهائيا عن مرحلة سياسية كاملة والسقوط الماساوي لتجربة منظمة التحرير كما عرفها الشعب الفلسطيني" ، وهي مرحلة كاملة حملت السلبي والنبيل ايضا ، ويجب الاستفادة من دروسها ، خصوصا والشعب الفلسطيني يعيش حالة مركبة من الحصار والتفكيك، وقد شهد في رام الله وفي غزة كيف يكون الانقلاب بديلا عن الحوار والشرذمة بديلا عن الوحدة والعلاقات الوطنية والانسانية . وقد شاهد بأم العين كيف جرت عملية الانقلاب على ياسر عرفات وهو الانقلاب على الانقلاب في الثورة الفلسطينية المعاصرة.

تتحول منظمة التحرير الفلسطينية الى ملكية خاصة لدى من أدمنوا احتكار القرار والسلطة السياسية ، لانهم احتكروا المال والسلاح والحقيقة، والان يضاف لتلك “الشرعية” الكاذبة ، رضى امريكا وقبول او “انقسام” العدو الصهيوني حيالهم . هو نموذج فلسطيني سئ يتمثل مدرسة ساداتية ( نسبة لانور السادات ) في الفكر وفي السياسة والسلوك . وقد ترجمت كل شعاراتها وطقوسها الرثة داخل المؤسسة الفلسطينية الكبرى.

اليوم يتحالف “موظف” او “خبير مالي محترف” ، بروفيشينال ، مع “وطني سابق” للدفاع عن ( الدولة ) التي صارت مشروعا شخصيا للسيد سلام فياض . هذا منطق مثلوم يتبناه مثقف فلسطيني عاجز على شكل سلطته التي تحتضنه ، ويتشاطر على فقراء الشعب بالكلام عن العقلانية والواقعية السياسية وضرورة الالتزام بالاتفاقيات الدولية! فيما يعرف الناس ان العقل والواقع والقانون الدولي برئ منه.

يختار البعض طريق الدفاع عن قيادة هزيلة اكثر من دفاعهم عن الشعب وحق العودة وقوت البشر. ولم يتطاول السيد سلام فياض على حقوق اللاجئين او يتبرع بها لصحفية اسرائيلية الا بعد ان راى الركب “الوطني” الذاهب قبله الى الانحدار والهاوية . هذا المنظر ، تداعي المنظمة وتحولها الى مسخ ، يغريه اكثر ويفتح شهيته لممارسة دور الطالب النجيب لدى دوائر العدو كي يمنحه الاخير اوسمة الرضى. وحين يتشاطر اكثر ، ويسمع زفرة اللاجئين الغاضبة، يحتمي خلف جدار “المنظمة” والتي يمكنها ستر عوارات الجميع !.

السؤال الصعب هو هل يمكن استعادة (إعادة بناء ) منظمة التحرير الفلسطينية ؟ يشترط هذا الهدف تحرير المنظمة من الذين استوطنوا مؤسساتها وسلبوها قرارها ؟ فكرا وشخوصا ونهجا . اعادة بناء المنظمة عملية ممكنة بوصفها عملية نضالية طويلة وصعبة ، تتحقق في الممارسة الكفاحية اولا . اذ ليس المطلوب بناء صنم فلسطيني نسميه منظمة التحرير ، نعبده ونصلي له ، بل خلق حالة وطنيه وثورية تدفع نحو الوحدة على الارض وتنتج هيئات وطنيه شرعية ومنتخبة ، تشرف على ما يتصل بشؤون الشعب وتمثله امام الامة والعالم. جبهة وطنيه موحدة تضم كل القوى والشخصيات والهيئات الوطنيه دون انتظار الموافقة والشرعية من سلطة غير شرعية في رام الله.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 87 / 2165412

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165412 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010