السبت 5 شباط (فبراير) 2011

لماذا التنازلات في الصراع العربي - الصهيوني؟

السبت 5 شباط (فبراير) 2011 par عوني فرسخ

غداة إعلان اتفاق أوسلو في 13/9/1993 روجته اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتباره إنجازاً وطنياً، فيما غلب على المفكرين والمحللين السياسيين الفلسطينيين الذين تناولوه بالدرس والتحليل، وفي مقدمتهم الراحلان: برهان الدجاني وإدوارد سعيد، إدانته على أنه اتفاق إذعان انطوى على تنازلات مريعة بالاعتراف بحق “إسرائيل” في الوجود، وإرجائه قضايا اللاجئين والقدس والحدود والمستوطنات لمرحلة المفاوضات النهائية . وعلى مدى السنوات السبع عشرة الماضية تواصلت إدانة تنازلات فريق أوسلو فيما وقعوه من اتفاقيات لاحقة . وعليه لم يأت برنامج “كشف المستور” الذي بثته الجزيرة أخيراً، بجديد سوى توثيق ما كان معلوماً وإشاعته، وتعريف الرأي العام العربي بمدى التنازلات المجانية التي قدمت في مسلسل “المفاوضات” .

والسؤال الذي طرح غداة توقيع الاتفاق سيّئ الذكر، ولا يزال مطروحاً: لماذا الإفراط في تقديم التنازلات؟ وكان الجواب ماضياً وراهناً لا يختلف عما كتبه أحدهم مؤخراً من أن “المفاوضات مسألة تتصل بموازين القوى بمعناها الشامل، بما في ذلك الأوضاع الدولية والإقليمية والعربية، وهي موازين تختل بشكل واضح لمصلحة “إسرائيل” . وبالتالي فإن الفلسطينيين لن يحصلوا على تسوية إلا بما يساوي وزنهم على الأرض” . وهو قول يستدعي التساؤل إن كان ميزان القوى ولا يزال مختلاً فعلاً لمصلحة “إسرائيل”، وإن كان الشعب العربي الفلسطيني لا يملك أوراق قوة فاعلة في الصراع؟

وفي الإجابة، ألاحظ أنه في كل حركات التحرر الوطني على مدى القرن العشرين كانت موازين القوى العسكرية والسياسية مخلتة لمصلحة القوى الاستعمارية، وبرغم ذلك حققت الشعوب انتصارها برفض المساومة مهما كانت التضحيات، ما يعني أن ميزان القوى لا يعدّ مختلاً إلا عندما تنكسر إرادة المقاومة .

والثابت أنه على مدى عقود الصراع الممتدة لما تزل إرادة الممانعة الفلسطينية عصية على الاستلاب، ولما يزل أغلبية الفلسطينيين الساحقة حيثما وجدوا في الوطن المحتل من النهر إلى البحر والشتات العربي والدولي، شديدي الإصرار على عدم التفريط بأي من الثوابت الوطنية، وبالذات تلك التي أرجئت للمرحلة النهائية مما يسمونه “المفاوضات” . وحسبي التذكير بأن الإجماع على حق العودة تحطمت على صخرته كل مشروعات التوطين التي والت الإدارات الأمريكية طرحها منذ عام ،1949 برغم قسوة المعاناة في مخيمات اللجوء: وأن التمسك بالقدس هو ما أفشل مفاوضات كامب ديفيد العام ،2000 فضلاً عن الإجماع على عدم إقرار أي من التنازلات التي توالى تقديمها خلال سنوات أوسلو السبع عشرة العجاف الماضية .

ثم إن جميع القرارات الخاصة بالصراع العربي الصهيوني لم تصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن إلا بعد مفاوضات طويلة شاركت فيها الدول المختلفة، كما الأطراف العربية والصهيونية، بدءاً بقرار التقسيم، والقرار رقم 194 بعودة اللاجئين والتعويض عليهم، ووصولاً للقرارين 242 و338 بالانسحاب الكامل من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة . وبدلاً من الإصرار في مسلسل “المفاوضات” على تنفيذ القرارات الدولية واعتبارها أوراق قوة في الصراع، جرى التفريط بها بالدخول في “التفاوض” على ما تضمنته من حقوق، دون وعي بأن إعادة التفاوض على ما سبق إقراره إسقاط لما اكتسبه من حجية دولية .

وهل كان صناع القرار الصهيوني يدخلون في مباحثات أوسلو، ويعترفون بمنظمة التحرير الفلسطينية، بعد طول رفض، لو أن آلة حربهم فائقة القدرة قهرت إرادة اطفال انتفاضة الحجارة وفرضت الاستسلام على الصامدين في الضفة والقطاع المحتلين؟ إذ ليس من قوة استعمارية أقدمت على مفاوضة حركات التحرر الوطنية إلا عندما فشلت في قهر إرداتها . ذلك أن الفشل والشعور باحتمال الهزيمة هو الذي يضطر المحتل لمفاوضة المحتلة أرضه، لعله بذلك ينقذ ما يمكن إنقاذه من مصالحه المهددة بالزوال، وفي تجربة ديغول مع ثورة الجزائر مثال تاريخي . ومع أن المقاومة والممانعة العربية لما تصل بعد إلى فرض بروز “ديغول” “إسرائيلي”، إلا أن معطيات الواقع على أرض الصراع واضحة الدلالة على توالي فشل “إسرائيل” في كل حروبها منذ حرب الاستنزاف .

وبدلاً من أن تعمل السلطة على تفعيل قوى الممانعة الشعبية وفسح المجال للمقاومة، وتتصدى أجهزة أمنها لعدوان القوات الصهيونية وقطعان المستوطنين، وظّفتها في قمع نشطاء المقاومة دفاعاً عن أمن الصهاينة، فضلاً عن أن التنسيق الأمني معهم إنما هو تحالف غير معلن ضد القوى الرافضة الاحتلال الصهيوني على اختلاف انتماءاتها .

وفضلاً عن سقوط أساطير التفوق وقوة الردع الصهيونية في العدوان على لبنان صيف ،2006 وفشل استعادتها بالمحرقة في قطاع غزة، فإن صورة “إسرائيل” في تراجع لدى الرأي العام الأوروبي والأمريكي، وحتى في أوساط الجاليات اليهودية الأوروبية والأمريكية، ما يؤشر إلى أن الزمن لم يعد يعمل لمصلحة الصهاينة، وهذه أيضاً من أوراق القوة العربية التي لم تزل مهملة في جدل الصراع .

ومما تقدم يتضح أنه ليس من مبرر وطني لمسلسل التنازلات، وأن من أدمنوا تقديمها ليسوا أمناء على ما تبقى من ثوابت . وبالتالي غير مبرر القعود عن تشكيل جبهة إنقاذ وطني فلسطينية تأخذ على عاتقها فك سيطرة هذه الفئة على منظمة التحرير الفلسطينية واحتكارها صناعة قراراتها، وإعادة بناء المنظمة وكل مؤسسات العمل الوطني الفلسطينية . وهذا هو التحدي الذي يواجهه شعب فلسطين في وطنه المحتل والشتات .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165884

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

2165884 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010