الخميس 3 شباط (فبراير) 2011

يا ناكري الجميل: مبارك الوحيد الذي أتاح لشعبه فرصة الحُكم!!

الخميس 3 شباط (فبراير) 2011 par شريف عبدالغني

سيذكر التاريخ للرئيس المصري حسني مبارك أنه الوحيد من حكام مصر من أول مينا موحد القُطرين إلى مبارك موحد المتظاهرين، الذي حقق رغبة المصريين في أن يكونوا حكاما. ولو كان يملك إعلاما قويا يدافع عنه لأوضح هذه النقطة التي تنفى عنه صفة الديكتاتورية للرأي العام العالمي، ولأفحم جموع شباب الغضب الذين شغلوا الدنيا بمظاهراتهم واحتجاجاتهم المطالبة بتداول السلطة وإعطاء الشعب حق المشاركة في السلطة واتخاذ القرار.

مبارك لم يفعل هذا الأمر دون قصد، بل عامدا متعمدا وحرصا منه على أن يذوق الشعب «المعلم والقائد» الذي طالما وصفه بهذين الوصفين في خطاباته، مذاق السلطة والانتشاء بكأسها المُسكرة. أما كيف فعل ذلك، فعندما سحب وزير داخليته ومزوِّر انتخاباته ومعضد سلطاته وقامع شعبه وعصاه الغليظة السابق حبيب العادلي، جهازَ الشرطة بالكامل من الشوارع ليترك الشعب -الذي أقسم كلاهما بالله العظيم حينما أديا يمين منصبيهما بحماية مصالحه- يواجه مصيره بنفسه أمام عصابات الغوغاء التي عاثت في الأرض فسادا. لم يكتفِ حبيب العادلي (من المساخر أن اسمه مشتق من الحب والعدل) بهذا الأمر، بل أطلق في وقت واحد العنان لفرار عشرات آلاف المساجين من عدة سجون على مستوى الجمهورية ليساهم في انتشار الفوضى والهلع بين الناس، وليقول لهم «إذا كنتم يا أولاد..... تقولون إننا أوساخ فخذوا الأوسخ منا»!

لم يجد المصريون إزاء هذا الأمر، إلا أن يأخذوا زمام أمرهم بيدهم، وشكلوا فيما بينهم ما سمي بـ «اللجان الشعبية» لحفظ الأمن في المدن والقرى. ولأنه من قلب الجد يولد الهزل، فقد كشفت هذه اللجان جانبا من شخصية المصريين وما يسكن في دواخلهم فضلا عن خفة ظلهم التي اختفت طوال «العصر المبارك» نتيجة ضغوط الحياة وضغط الحاكم. لقد استغل كثيرون هذه اللجان لممارسة السلطة والحكم اللذين حُرموا منهما طوال عمر هذا الشعب الضارب بجذوره فعلا وحقيقة في جذور التاريخ. إنه أقدم شعب محكوم على ظهر الأرض، وحوّل حكامه على مر العصور مسالمتَه وطيبتَه إلى سلبية وصلت إلى حد الخنوع في كثير من الأوقات، حتى جاءت زهرة الأمل.. شباب 2011 الأنقياء الأبرياء الأقوياء ليعيدوا الصورة المثالية عن شعب ملأ الدنيا حضارة وازدهارا في فترات متعددة من التاريخ.

أدى المصريون دورا رائعا خلال اللجان الشعبية، وأثبتوا تكاتفهم وقدرتهم على ضبط الأمن ووصلوا الليل بالنهار لحماية شوارعهم ومنازلهم وأولادهم واستطاعوا بما تسلحوا به من عصيّ و «شوم» القبض على كثير من الخارجين عن القانون. لكنهم من جانب آخر أخرجوا عبر هذه اللجان الكبت الموجود بداخلهم نحو السلطة وما تفعله فيهم من تعسف، بأن مارسوها بشكل قد لا يقل تعسفا ولكن بخفة ظل تزيل بعض الهموم وسط هذه الفترة الحرجة التي نمر بها. إذا كنت مثلي من أصحاب الحظ العاثر الذين يعملون في مهنة كالصحافة تجبرك على التأخر في العمل إلى وقت ما بعد فرض حظر التجوال، ومررت في أي شارع بالقاهرة فستجد -ودون أدنى مبالغة هي من ضرورات الكتابة الساخرة- لجنة كل 20 مترا تقريبا. تقف مجبرا عندها، وستجد في وقت واحد مجموعة أشخاص مسلحين بما سبق وذكرته فضلا عن أن بعضهم يحمل سيوفا وخناجر يلتفون حولك وكأنهم حصلوا على غنيمة، يسألونك عن وجهتك ومن أين أتيت وسبب تأخرك، ثم الطلب الأهم والذي لا نقاش فيه أن تخرج لهم بطاقتك الشخصية إضافة إلى رخصة السيارة والقيادة إذا كنت تقود عربة. المضحك أنه بعد كل هذا الاستجواب وبعد أن تعطيهم الأوراق الرسمية المطلوبة فإنهم لا ينظرون فيها ولا يتحققون من شخصيتك، وإنما يعيدونها إليك فورا مع كلمة «اتفضل عدّي». إذن كل الهدف هو التلذذ بأن تستجيب للأوامر وتنفذ مطالبهم وكأنهم يعوضون ما كان يُطلب منهم إذا مروا بكمين شرطة، لكنهم طبعا لا يفعلون مثل كثير من عناصر الشرطة التي غالبا ما تساوم على تركك إذا قدمت لهم «الاصطباحة» أو «الشاي» وهما الاسم الحركي للرشاوى في عُرفهم!

ومثلما تشهد السلطة الحقيقية صراعات، فإنها تكرر أيضا في بعض اللجان حيث حاول كثيرون أن تكون لهم الكلمة العليا في السيطرة عليها وقيادتها، ونشبت بالفعل مشاجرات لهذا السبب أعقبها انسحابات ممن شعروا بتهميش دورهم. وأحيانا تندلع حرب أهلية بين اثنتين من اللجان، وهو ما حدث في اللجنتين اللتين شكلهما سكان عمارتين قريبتين مني، فقد تمنوا مقابلة أي عنصر من عصابات السرقة حتى يثبتوا له أنهم «رجالة» وأن أمه دعت عليه لأنه وقع في أيديهم، فضلا عن تقليد إحدى اللجان المجاورة التي قبضت على 8 أشخاص حاولوا نهب أحد المحلات، فاقتادتهم إلى أقرب تواجد للجيش فيما يشبه «الزفة» حيث تقدمتهم الكثير من الدراجات البخارية التي تطلق الكلاكسات عاليا كنوع من إثبات الذات والبطولة. استنفر سكان العمارتين كل قواهم خلال أول يومين من الأحداث، دون أن يقبضوا على أي عنصر وخرجت لجنة العمارة الأولى ليلا تستطلع الأمر وتنظر يمينا ويسارا عسى أن تقابل أحد «الهلّيبة» أو الهاربين من السجون، فرأتها لجنة العمارة الثانية التي كانت هي الأخرى تعيش نفس لحظة الترقب، فحدث أن ظنت كل لجنة أن الأخرى هي الصيد الثمين المنتظر فقامت المعركة التي أسفرت عن عدة جرحى، قبل أن تتضح الحقيقة ويتم عقد جلسة صلح سريعة بين الطرفين تقديرا لـ «الظرف الدقيق الذي نمر به» بحسب تعبير راعي الجلسة، ولاحظوا أنه نفس التعبير الذي استخدمه الرئيس مبارك في أول ظهور له عقب التظاهرات. واتفق الحضور على أن يضع عناصر كل لجنة شريطا مميزا على أذرعهم حتى يعرفوا بعضهم، وأن يتم النظر للجانب الإيجابي في المعركة باعتبارها تدريبا عمليا و «بروفة» لأي معركة حقيقية مقبلة. لكن الطرفين لم ينسوا في نهاية جلسة الصلح أن يهتفوا ضد مبارك، في حركة نكران جميل منهم، متناسين أنه لولاه ما استطاعوا ممارسة حُكم شوارعهم!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165924

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165924 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010