الأزمة اللبنانية لا تزال في بدايتها . الجميع يعلم ذلك، وانتقالها إلى الشارع ليس إلا مسألة وقت ويترتب حسب ما ستصل إليه الأمور، أولاً في ما يتعلق بالاستشارات النيابية، في حال عدم تأجيلها مجدداً . وثانياً، في مرحلة لاحقة، حسب ما قد يخرج من لاهاي في ما يتعلق بالقرار الظني في اغتيال الرئيس رفيق الحريري .
بيروت قبل أيام كانت مسرحاً لشائعات منذ الصباح الباكر عن تحرّكات مرتقبة لفريق المعارضة، الساعي إلى تشكيل حكومة من لون واحد . إلا أن الشائعات تبخّرت في المساء مع الأنباء التي تشير إلى أن رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط قد اختار الاصطفاف في الاستشارات النيابية إلى جانب المعارضة، وهو ما أعلنه رسميّاً في اليوم التالي في مؤتمر صحافي حاشد .
غير أن إعلان جنبلاط بقي قاصراً، ولم يحسم وجهة الاستشارات التي من المفترض أن تتم غداً وبعد غد في العاصمة اللبنانية . كلمة عابرة مرّت في تصريح النائب اللبناني كفيلة بإضفاء غموض على الوضع . إذ إنه أشار إلى أن أصوات الحزبيين في الحزب التقدمي الاشتراكي، الذي يتزعمه ستصب لمصلحة مرشح المعارضة لتولي رئاسة الحكومة، وهو في الغالب الرئيس عمر كرامي . كلمة الحزبيين في هذا السياق تشير إلى 5 نواب على الأكثر من أصل نواب اللقاء الديمقراطي الأحد عشر . ومن المعلوم أن المعارضة بنوابها ال 57 بحاجة إلى 8 أصوات إضافية لتأمين أكثرية لمرشّحها . وبالتالي تحتاج إلى 7 أصوات من الحزب التقدمي على الأقل إضافة إلى صوت النائب نقولا فتوش الذي انشق عن قوى 14 آذار سابقاً .
لا شك أن إعلان جنبلاط أضفى شيئاً من الارتياح في الشارع اللبناني، الذي ضمن على الأقل تأجيل أي تحرّك على الأرض إلى حين انتهاء الاستشارات، وبالتالي حصول المعارضة على رئاسة الحكومة، هذا في حال صحّت الحسابات الرقميّة النيابية لقوى 8 آذار، التي ستصبح للمرة الأولى موالاة، فيما الطرف الآخر سيصبح معارضة .
وفق إطار هذه القواعد الديمقراطية، في حال تم العمل بها، من الممكن التعويل على هدوء مؤقت على الساحة، بانتظار مستجد آخر سيأتي من لاهاي، لتفتح بعده أبواب التوتر على مصراعيها . أبواب قد لا تنفع معها التسويات الداخلية ليدخل لبنان بشكل رسمي في لعبة التجاذب الإقليمية . هذا على الأقل ما تشي به المعطيات في ظل انغلاق أفق المساعي والوساطات بين الأطراف المتناحرة .