الثلاثاء 18 كانون الثاني (يناير) 2011

لماذا كل هذا العناء؟

الثلاثاء 18 كانون الثاني (يناير) 2011 par عوني صادق

قبل أيام نقلت وكالة أنباء “أسوشيتدبرس” الأمريكية عن مسؤول فلسطيني قوله: إن الفلسطينيين يأملون بأن يجري في مجلس الأمن الدولي، الأسبوع المقبل، تصويت على مشروع قرار يطالب “إسرائيل” بوقف نشاطاتها الاستيطانية “بشكل كامل وفوري” . وتشدد مسودة المشروع على أن كل المستوطنات القائمة في الأراضي المحتلة منذ 1967 غير شرعية، وتشكل عقبة كبيرة أمام التوصل إلى “سلام عادل وشامل ودائم” .

من جانبها، قالت الناطقة باسم الوفد “الإسرائيلي” في مجلس الأمن، كاريان بيرتس، تعليقاً على المشروع: إن “الطريق الوحيد إلى السلام هو المفاوضات المباشرة”، واتهمت السلطة الفلسطينية بعرقلتها، أي أنه لا فائدة من محاولة كهذه . أما الولايات المتحدة، فهي وإن كانت تعلن دائماً أن المستوطنات وعمليات الاستيطان عقبة في طريق “عملية السلام”، إلا أنها عبّرت أيضاً عن معارضتها لمشروع القرار، على أساس أنه لن يجعل الطرفين أقرب إلى “حل الدولتين”، على حد زعمها، ولم يتضح بعد ما إذا كانت واشنطن ستقدم على استعمال حق النقض “الفيتو” عند التصويت على المشروع، أم ستمتنع عن التصويت .

ليس هناك من عاقل واحد يمكن أن يتخيل ولو للحظة واحدة أنه يمكن لمشروع ترفضه “إسرائيل” يعرض الآن على مجلس الأمن يمكن أن يحصل على أغلبية تقره . أما إذا حدثت معجزة وعرض المشروع، وتبين أنه سيحصل على الأغلبية المطلوبة لإقراره، فإن حق النقض “الفيتو” الأمريكي سيتصدى ولا شك لإسقاطه . هذه حقيقة يعرفها رئيس السلطة الفلسطينية وكذلك أجهل فلسطيني يمكن أن يوجد . هنا يصبح لا مفر من السؤال: لماذا، إذن، كل هذا العناء؟

منذ قبل الفلسطينيون المشاركة في مؤتمر مدريد في بداية تسعينات القرن الماضي، الذي دعا إليه ورعاه لأسباب كانت معروفة في حينه الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، أصبحت معروفة وواضحة مراهنات قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في عهد ياسر عرفات على “الحل السلمي” و”الشرعية الدولية” وأسلوب المفاوضات “وإن كانت المؤشرات قد بدأت تظهر تترى بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973” . ومع الإعلان عن “اتفاق أوسلو” في سبتمبر/ أيلول ،1993 لم يعد هناك من يجهل خيارات تلك القيادة لاسترداد ما تسميه الحقوق الوطنية و”إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين” . وبعد فشل (كامب ديفيد- 2) والانتفاضة الثانية العام ،2000 وما أقدمت عليه حكومة إيهود باراك، ثم إمساك أرييل شارون برأس الحكومة “الإسرائيلية”، ووصول جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض العام ،2001 ثم التخلص من ياسر عرفات، تخلت القيادة الفلسطينية الوارثة عن كل ما كان قد بقي من أوراقها للمساومة . وقبلت الولايات المتحدة وسيطاً وحكماً أوحد، مع أنها لا تفتأ تؤكد ليل نهار أنها - أي الولايات المتحدة - ليست وسيطاً نزيهاً ولا تصلح حكماً، بل تؤكد انحيازها لخصمها “الإسرائيلي”، لكنها لا تتخلى عما تسميه “عملية السلام” التي أعلنت أكثر من مرة أنها ماتت، ولا عن الوساطة الأمريكية التي تشكك فيها .

“الهجوم السلمي” للقيادة الفلسطينية قام في البداية على “قرارات الشرعية الدولية”، ثم جاء “اتفاق أوسلو” فألغى عملياً تلك القرارات . وعندما أمسكت الولايات المتحدة بدفة “عملية السلام” أصبح “الهجوم السلمي” للقيادة الفلسطينية يقوم على فرضية “أهمية القرارات الأمريكية”، وعبرها عقدت اتفاقات طابا وشرم الشيخ والخليل وواي ريفر، ومفاوضات عباس- أولمرت، ومفاوضات قريع- ليفني . . . إلخ، وعندما عاد نتنياهو متأبطاً ذراع ليبرمان جبّ كل ما قبله من “شرعيات” وقرارات وأسقط معها الوسيط الأمريكي ذاته، وبدا لقيادة السلطة أنه صار لزاماً العودة إلى “المجتمع الدولي”، أي للأمم المتحدة ومجلس الأمن والجمعية العامة . لكننا كلنا نعرف أن “المجتمع الدولي” اليوم ليس إلا تسمية ثانية للولايات المتحدة وبهذا تكون العودة إلى المكان نفسه باسم ثان . هذه العودة بقدر ما هي طبيعية، بقدر ما هي محاولة بائسة ويائسة للتغطية ليس فقط على فشل المراهنات التي دامت عقدين من الزمن، وحرقت معها أخضر القضية الفلسطينية ويابسها، بل للتغطية على الإفلاس التام للمراهنين حيث لا بدائل لديها إلا الحلقة المفرغة التي دارت فيها على مدى عقدين، وها هي تبدأ عقدها الثالث .

بعد عقدين من المراهنة الفاشلة على الولايات المتحدة و”الشرعية الدولية” و”المجتمع الدولي”، تعود القضية الفلسطينية إلى مجلس الأمن الدولي ليصدر قراراً لا أمل فيه أن يصدر عنه . ولكن حتى لو صدر، من يستطيع وضعه موضع التطبيق؟ كم هي القرارات التي صدرت في الستين عاماً الأخيرة عن الجمعية العامة، وعن مجلس الأمن نفسه، وعن محكمة لاهاي، وعن مجلس حقوق الإنسان، وكم قراراً منها تم تنفيذه؟

ويظل السؤال معلقاً: لماذا كل هذا العناء؟ ولماذا نتجشم عناء فعل نعرف أن لا طائل من ورائه؟ هل هو لمجرد ملء الفراغ، أم لنقول إننا ما زلنا “نناضل” ونعمل ؟ أم أنه من أجل ما هو أخطر؟ باختصار، إنه لتغييب الحقيقة الوحيدة في حياتنا وحياة قضيتنا الفلسطينية . لقد بدأ النضال الفلسطيني قبل أن تقوم “إسرائيل” بالمقاومة المسلحة . وظل التحرير والكفاح المسلح هما الشعاران المركزيان للثورة الفلسطينية المعاصرة بعد قيام “إسرائيل”، ثم كان “اتفاق أوسلو” فسقط بند التحرير وسقط معه شعار الكفاح المسلح . اليوم يبدو واضحاً للجميع أن البديل الوحيد لطريق المفاوضات الفاشلة هو طريق الكفاح المسلح، وليس طريق العودة إلى مجلس الأمن؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2165543

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165543 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010