الأحد 16 كانون الثاني (يناير) 2011

«صديقنا الجنرال».. أما سمعت عن الشابي؟

الأحد 16 كانون الثاني (يناير) 2011 par نورالدين قلالة

ليس غريبا أبداً عن الرئيس التونسي (السابق) زين العابدين بن علي الذي طُرد من المدرسة، ولا يحمل أي مؤهل علمي، أن يجهل ما قاله الشاعر التونسي الكبير أبو القاسم الشابي:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر

ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر

ما حدث في تونس يدل -بما لا يدع مجالا للشك- أن أي شعب في العالم مهما ساير قائده، ومهما صبر على استبداد سلطته، وسكت عن تجاوزات أجهزته البوليسية والاستخبارية، سيأتي اليوم الذي ينتقم فيه منه، ويرد له الصاع صاعين، ليعيد الأمور إلى نصابها، وليسترد كل ما أخذ منه بالقوة.. الأمثلة كثيرة، والديكتاتوريات التي سقطت لا تعد ولا تحصى، وحجم الظلم الذي وقع ولا يزال في العديد من البلدان، خاصة بلداننا العربية، يأخذنا إلى الاعتقاد بأن دوام الحال من المحال، وبأنه آن الأوان للأنظمة العربية الفاسدة التي تحمل التبن في أحشائها، أن تخاف من نار شعوبها التي ملت هذا البؤس والظلم والفساد والاستبداد..

كان واضحاً عندما وصف بن علي الذين شاركوا في الاحتجاجات التي اجتاحت المدن التونسية بـ «الإرهابيين»، أن نهاية الرئيس قد اقتربت.. الرجل يحمل رتبة جنرال ولا يعرف ماهية كلمة «إرهاب»، ربما لأنه لم يلاقِ إرهابياً وجهاً لوجه في حياته، ولم تتعرض بلاده لعمليات يمكن أن نصفها بـ «الإرهابية»، ولم تتعود قنواته ووسائل إعلامه نشر وبث سلوكيات لتنظيمات تمارس الإرهاب.. فلم يشعر بن علي بأي حرج أو خجل وهو يطلق من على شاشة تلفزيونه العمومي، أن الذين يطالبون بالحق في العمل، والحق في حياة كريمة «إرهابيون».

إطلاق صفة الإرهاب على هؤلاء كان -في نظري- نقطة التحول الكبيرة في تونس، فتحولت المطالب الشعبية من مطالب اجتماعية مشروعة إلى مطالب سياسية هدفها الأول رحيل الجنرال، وهو جنرال لم يحارب، ولا يحق له الحديث عن الخطط الحربية ولا حتى الخطط الديمقراطية، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، رغم كل بوادر سياسة «العصا والجزرة» التي مارسها نظامه منذ اندلاع انتفاضة تونس الأخيرة.. بدءا بالتعهد بتوفير 300 ألف منصب عمل، ثم إقالة وزير الداخلية وبعده الحكومة كلها، وحل البرلمان والإعلان عن انتخابات مبكرة.. إلى الإقرار بحرية الإعلام والتعهد بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في 2014 والإقرار بأنه «لا رئاسة مدى الحياة».

هذه التنازلات المخجلة والمخزية لجنرال قوي حكم تونس بيد من حديد طيلة 23 سنة، توحي بشكل أو بآخر، أن هذه الأنظمة ليست قوية كما يهيأ للبعض أنها كذلك، وأنها مجرد مجموعة من المرتزقة تود البقاء في الحكم أطول مدة ممكنة لتستفيد من ثروات البلد، وإلا كيف يمكن لجنرال أن يستجدي شعبه البقاء في السلطة أربع سنوات أخرى!!
ولكن مع كل تلك «الجزرات» إلا أن التونسيين لم يتذكروا إلا «العصي» التي كانت تنهال على رؤوسهم كلما فكروا، مجرد التفكير، في السياسة، وهم يدركون أكثر من غيرهم، أن نظام بن علي واحد بين أسوأ عشرة أنظمة في العالم.
وفي النهاية هرب الجنرال بفساده وبـ «أمواله»، وظلت طائرته تحوم في الأجواء الدولية تبحث عن الحماية واللجوء السياسي، من مالطا إلى الإمارات إلى فرنسا.. خذلته أقرب الأنظمة المقربة منه، لأن اللعبة انتهت ووقته نفد، ولم يعد له أي دور. وقبل فراره ردد كلمة ديغول المشهورة عندما أراد التخلص من عبء الثورة الجزائرية «لقد فهمتكم».. لكن يبدو لي أن بن علي لم يفهم شيئا بعد 23 سنة من الحكم، فثورة تونس كانت ثورة مدنية لا دينية، وهي سابقة في الوطن العربي أن لا يقف الإسلاميون أو الشيوعيون أو العسكر وراء مثل هذا التغيير الذي اجتث النظام من جذوره الأساسية، ولم يقبل حتى بالوزير الأول رئيسا مؤقتا، بحكم مخالفة الدستور، ليتم فرض رئيس البرلمان بضغط من الشارع، وليس بتدخلات خارجية أو إملاءات من أية جهة كانت.

يجب أن نعترف أن الشعب التونسي تعامل مع الأحداث بذكاء وفكر وبقوة أيضا، إذ لا يمكن التغيير بدون القوة، والذين يتشدقون بالحوار والوسائل الحضارية ليسوا من أبناء الثورات ولا يؤمنون بالثورات.. لقد سئم الجميع هذه العبارة «لماذا لم تعتمدوا الحوار للمطالبة بحقوقكم؟» فكلما انفجر غضب اجتماعي أو نزل المواطنون إلى شارع، نسمع هذا النوع من الأسئلة. أين كان الحوار عندما طالب التونسيون بالحق في العمل والسكن والحرية، وأين كانت الدبلوماسية عندما أحرق شباب تونس أنفسهم احتجاجا على الأوضاع المهينة التي كانوا يعيشونها.

لقد تشكلت في أذهاننا صورة خاطئة عن تونس على مدار العقود الماضية، بأن شعبها الطيب المسالم «العاقل» لن يجرؤ يوما على قول ’لا’ لنظامه. هكذا، قررنا في تصورنا بأن الخوف تمكن منهم. وكنت أعتقد -كجزائري- أن تونس تكاد تضاهي دول الخليج في توفير الأمن وراحة البال لمواطنيها ولسوّاحها الذين يترددون عليها سنويا بالملايين، لكن تبين لي أن بناء «دولة آمنة» لم يكن ليتم إلا بتسليط «كرباج الأمن» على ظهر المواطن «الغلبان» لينعم بالأمان المقنع الذي كان يطرح السؤال يوميا: تونس.. دولة الأمن أم أمن الدولة؟

لم يكن الكثيرون يتحدثون عن النظام التونسي وعن بن علي كما يتحدثون عنه اليوم، عامل الخوف يسيطر على المجتمعات العربية بشكل مريع.. الأحزاب والصحف والقنوات، فقد كانت الانتقادات تأتي كلها من الخارج، وبالضبط من باريس كلما تعلق الأمر بالمغرب العربي، ولعل أهم كتاب قام بـ «تشخيص» حقيقي للفساد الذي ينخر النظام السياسي في تونس هو كتاب «حاكمة قرطاج» للصحافيين الفرنسيين نيكولا بو وكاترين كراسيه.. الذي جاء على غرار كتاب «صديقنا الملك» لجيل بيرو، الذي كشف عن الإمبراطورية المرعبة للعاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، و«الملك الأخير» عن الملك محمد السادس، و«بوتفليقة: أكذوبة جزائرية» عن الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، ثم كتاب «صديقنا الجنرال» عن زين العابدين بن علي.

هكذا هو المشهد في تونس وفي المغرب العربي عموما.. فهل يمكن لكرة الثلج أن تكبر وتتدحرج.. أم أنها ستذوب بمجرد اصطدامها بحدود المشرق المهدد باللبننة والصوملة والأفغنة... ولكن ماذا عن التونسة؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2165427

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165427 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010