الأحد 16 كانون الثاني (يناير) 2011

حماية الاحتلال “الإسرائيلي”

الأحد 16 كانون الثاني (يناير) 2011 par الياس سحاب

يبدو أن “الحرد” الذي أعلنته واشنطن في إطار المفاوضات “الإسرائيلية” الفلسطينية، كحد أقصى للغضب إزاء التعنت “الإسرائيلي” في موضوع المستوطنات، قد أغرى وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، السيدة أشتون، لزيارة المنطقة، في محاولة للبحث عن دور أوروبي جديد، في الوقت الضائع .

والحقيقة أن هذا التناوب بين الأمريكيين والأوروبيين في إطار القضية الفلسطينية ما زال يحتل مسرح القضية منذ نكسة ،1967 بل منذ نكبة ،1948 لكن السنوات تمر عقداً بعد عقد، لتثبت أن توجهات الإدارات الأمريكية والأوروبية كانت تسير في طريق بعيد بل معاكس للحقائق الميدانية والسياسية للقضية، بل في طريق معاكس حتى للقرارات الدولية المتخذة بشأن القضية، منذ عام 1947 .

ولكن يمكننا أن نكتفي بتناقضات اللحظة الراهنة في القضية، لأنها تحوي تركيزاً مكثفاً لكل تناقضات العقود المتتالية السابقة .

لقد قامت “إسرائيل” في الأيام الأخيرة بالذات، بفعل فاضح في مجال الاحتلال، وتدعيم الاحتلال وتثبيته وتوسيعه، فعمدت في خطة مواصلة الاستيطان، المستشرية في كل أرجاء الضفة الغربية المحتلة (وعلى رأسها القدس الشرقية)، إلى هدم فندق “شبرد” في القدس لاستكمال إقامة حي يهودي في موقعه وحوله . وفندق “شبرد”، لمن لا يعلم، ليس مجرد معلم سياحي أساسي في القدس الشرقية، بل هو مقام أصلاً في المنزل التاريخي للحاج أمين الحسيني، أحد القادة التاريخيين للشعب الفلسطيني .

هذا في الإعمار، أما في السياسة، فقد حدث أثناء إحدى مقابلات السيدة أشتون، مع وزير خارجية “إسرائيل” أفيغدور ليبرمان، أن تباحث المسؤولان في قضية قطاع غزة والحصار الخانق الذي تقيمه “إسرائيل” حوله . فما كان من ليبرمان، إلا أن تقدم باقتراح حل، يؤدي إلى رفع الحصار الخانق، ولكن بشرط واحد، هو إقامة حاجز من القوات الدولية على الحدود المصرية الفلسطينية .

ماذا يعني هذان الحدثان عملياً؟

يعني أن الاحتلال “الإسرائيلي” المستمر منذ ثلاثة وأربعين عاماً، سيبقى مستمراً إلى ما لا نهاية . هذا أولاً، أما ثانياً فإن كل المناطق المحتلة هي عملياً، ومنذ عام 1967 (وليس الآن فقط) معرضة لعملية توسع استعماري صهيوني، لن ينتهي إلا بتهويدها تهويداً كاملاً .

لكن ليبرمان أضاف طموحاً “إسرائيلياً” ثالثاً إضافة إلى هذه الطموحات الموضوعة أصلاً قيد التنفيذ، أمام سمع وبصر الإدارات الأوروبية والأمريكية المتعاقبة منذ أربعة عقود ونيف، هو أن استمرار الاحتلال المتمادي، وتوسعه المستمر، لا بد أن يكونا محميين بقوات دولية بين مصر وفلسطين، تحمي الاحتلال “الإسرائيلي” (واستمراره وتوسعه) من أي احتمال مقاومة فلسطينية .

وليبرمان، صاحب هذا الاقتراح الطموح، ليس وزيراً عادياً في الحكومة “الإسرائيلية”، ولا رجل سياسة عادياً في “إسرائيل”، إنه أقوى وزراء الحكومة الحالية، لأنه أفصح المعبرين عن الميل التاريخي للمجتمع “الإسرائيلي” إلى اليمين العنصري المتشدد، وهو بهذه الصفة يمثل مصدر احراج دائم لرئيس وزرائه نتنياهو، ومصدر ضغط مستمر عليه، رغباته أوامر، خشية من انفراط التحالف الحكومي، المحكوم بأكثر وزرائه تطرفاً .

هذا في التحالف الحكومي، أما في التعبير عن المجتمع “الإسرائيلي”، داخل الكنيست وخارجه، فليبرمان على رأس حزب “إسرائيل بيتنا” المستند بشكل رئيس إلى جحافل المهاجرين الروس لفلسطين المحتلة، هو أقوى من نتنياهو (على رأس ليكود)، وباراك (على رأس العمل) وليفني (على رأس كاديما) .

لدينا إذن كل ما يسمح لنا بألا نعتبر طموح إحاطة الاحتلال “الإسرائيلي” (المستمر والمتوسع) بمزيد من الحماية الدولية، والدلال الدولي، في مواجهة أي احتمال لأي مقاومة فلسطينية للاحتلال، مجرد رأي عابر لوزير خارجية “إسرائيل”، إنه حتماً تعبير يحمل من المعاني ما يجعله تعبيراً عن مسيرة المجتمع “الإسرائيلي” بأسره، ومسيرة الحكومة “الإسرائيلية” بكامل وزرائها في ذروة تشدده وتطرفه، بما يحيط القضية الفلسطينية من عجز عربي، يصل في بعض الأحيان إلى التواطؤ المباشر .

لكن هذا لا يكفي التطرف “الإسرائيلي”، المطلوب حماية الاحتلال، وحماية استمراره وتوسعه، إلى حد خنق كامل للشعب الفلسطيني، بإغلاق أي نافذة يمكن أن يتسرب منها الهواء لتنفس هذا الشعب .

إنه صلف “إسرائيلي” ليس له من حدود، إلا حدود العجز العربي واللامبالاة العربية، وهي حدود مترامية الأطراف للأسف الشديد .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165274

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2165274 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010