الخميس 6 كانون الثاني (يناير) 2011

“أرض الميعاد”: مظاهر سلبية.. أو.. تحولات معاكسة؟

الخميس 6 كانون الثاني (يناير) 2011 par د. أسعد عبد الرحمن

“أرض الميعاد”.. حلم كبير ظلت الحركة الصهيونية تسعى لإقناع يهود العالم، على مدار عقود، أنه مخطط قابل للتطبيق. إلا أنه، في الفترة الأخيرة، تلاشى هذا الحلم من أعين وقلوب عديد اليهود، فيما أدار آخرون ظهورهم له بعد أن تبين لهم استحالة تحقيقه. فالسنوات القليلة الماضية تظهر تراجع مؤشرات الهجرة إلى إسرائيل، وارتفاع معدلات الرحيل والهجرة المعاكسة منها، إلى بلدان أخرى أكثر أمنا ورفاهية. وفي يونيو الماضي، أعدت وكالة الأنباء الفرنسية تحقيقاً حول الهجرة اليهودية المعاكسة من إسرائيل وتحولاتها، فاعترف بعض مغادري إسرائيل إلى ألمانيا بتوديعهم “حلم أرض الميعاد” ووعوده إلى حيث الخدمات الحياتية التي تهيؤها لهم الحكومة الألمانية.

يقول البروفيسور (غابي شيفر) في مقال حديث نشرته “هآرتس” بعنوان “اصغوا ليهود الولايات المتحدة”: “يشعر كثير من اليهود بصلة عاطفية بـ (أرض إسرائيل) لكن لا بإسرائيل. أكثر اليهود مقتنعون بأن إسرائيل ليست مركز (الشعب اليهودي) وأنه لا حق لها البتة بالتدخل في شؤونهم وفي شؤون التربية اليهودية. وبحسب استطلاعات للرأي لا تُقتبس في إسرائيل، يكشف أكثر اليهود الذين اندمجوا تماما في المجتمع الأمريكي عن عدم اكتراث مطلق بما يقع في إسرائيل. ويشعر %30 فقط من يهود الولايات المتحدة باكتراث عميق بما يحدث هنا”. وفي 4/10/2010 كتب البروفيسور الفخري في جامعة حيفا (أرنون سوفير) مقالا في “هآرتس” بعنوان “الشيطان السكاني حي” بعد أن أعاد النظر في إحصاءات المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء، قال فيه: “ما الذي يبهج في معطيات المكتب المركزي للإحصاء سنة 2010؟! تبين لي أنه فيما يتعلق باليهود داخل إسرائيل فإنهم يمثلون 75.5% من السكان، وكانت تلك النسبة تصل إلى 79.2% في العام 1998 وإلى نسبة 81.7% في العام 1988. وبكلمة أخرى، فإن نسبة اليهود بين سكان إسرائيل تتضاءل باستمرار، رغم تدفق حوالي مليون مهاجر إليها على مدى العقدين الفائتين”. أما صحيفة “وول ستريت جورنال”، في تقرير لمراسلها في القدس المحتلة (توبياس باك) الذي أثار فيه مشكلة انخفاض أعداد المهاجرين اليهود إلى إسرائيل وهواجس احتمال تفوق الفلسطينيين على اليهود عدديا، فقالت إن انخفاض أعداد المهاجرين اليهود – خاصة من الولايات المتحدة وأوروبا- يشكل خيبة أمل لقادة إسرائيل الذين أوجدوا دولتهم على أساس عقيدة تقول إن على جميع اليهود أن يعيشوا في دولة خاصة بهم. وينقل على لسان رئيس “الوكالة اليهودية من أجل إسرائيل” (ناتان شارانسكي): “إن موضوع التركيبة السكانية في إسرائيل والحفاظ على اليهود كأغلبية سكانية سبب غير كاف لإقناع اليهود بالهجرة إلى إسرائيل، لذلك فإن على القادة اليهود الاعتراف والعيش مع حقيقة وجود الشتات اليهودي”. ويقول (اينات فيشباين) في مقال “صداع في رأس العلمانية الإسرائلية”: “تظهر الرسوم البيانيَّة مسار نمو إسرائيل وكيف كان ينبغي أن تكون بالمقارنة مع الدول الغربيَّة. وأين هي في الوقت الراهن، مبينة كيف كانت إسرائيل تنمو بشكلٍ مثير للإعجاب حتى السبعينيات. بل وتقترب من أمريكا، وفجأة بدأ المنحنى يهبط بقوة في الرسم البياني المعروف باسم”حرب يوم الغفران“. التي تبين لاحقًا أنه مثل الفيروس الذي لا يمكن لأحد علاجه، ومن حينها لم يعد الرسم البياني قادرًا على استعادة صعوده السابق”.

في مواجهة هذه المشكلة، أوردت “صحيفة يديعوت” أحرونوت في 13/8/2010 خبرا مفاده “أن نخب الحكم والسياسة في إسرائيل تضطلع بحملة لاستعادة زهاء 4500 من العلماء وأصحاب الخبرات المتميزة الذين غادروا”الدولة“خلال السنوات الأخيرة سعيا وراء الأموال والمناصب في الخارج”. وجاء في الخبر أنه “تم تدشين قاعدة بيانات تتضمن أسماء واختصاصات أعضاء هذه الشريحة الرفيعة بهدف الاتصال بهم وتقديم عروض مغرية لهم”. كما “تم إعداد خطة شخصية لكل واحد من هؤلاء العلماء تتناسب ووضعه الاجتماعي والعلمي، بهدف دمجه في الهيئة الأكاديمية الإسرائيلية بعد إزالة أسباب شكواه”. ورغم هذه الجهود وغيرها، يمكن الحديث عن فشل متنام للدوائر الصهيونية المسؤولة عن استقطاب يهود جدد. فالتطرف يجتاح المجتمع الإسرائيلي الذي بات يميل نحو أفكار اليمين الديني (والقومي) حتى باتت العقيدة الدينية الأكثر تأثيرا على توجهات الأحزاب والنخب السياسية في الدولة الصهيونية. وتؤكد استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي أن العقيدة اليهودية أضحت المحرك الأول لإسرائيل تليها المصالح السياسية، فترسخت بالتالي عقيدة ما بات يعرف بـ “أبدية الصراع مع العرب”، وهو الأمر البارز الذي أضعف الإغراء عند اليهود بأن إسرائيل هي الوطن القومي الآمن ليهود العالم، خاصة أن هؤلاء يعيشون برفاه في معظم دول العالم، ولم تعد مغريات إسرائيل الاقتصادية توازي ما يحققه اليهود داخل دولهم.

لقد قاد الخوف من فقدان الأغلبية اليهودية في إسرائيل (وسط محيط متزايد من العرب) إلى تكثيف محاولات إقناع يهود العالم بالهجرة إلى إسرائيل من جهة، وسن قوانين عنصرية من جهة أخرى تستهدف فلسطينيي 48 وتسعى إلى إجبارهم على الرحيل. فكل ما تخطط له القيادات الإسرائيلية، منذ تأكد تراجع الهجرة إلى إسرائيل وتعاظم الهجرة المعاكسة في 2008، هو عمليات استقطاب “يهود الخارج” لرفع منسوب اليهود داخل “إسرائيل” بفضل الأزمة الديمغرافية التي تؤرق أصحاب الحلم الصهيوني وتظهر مأزق الصهيونية ومشروعها في فلسطين تجاه هذه المسألة. لذلك، عملت “الوكالة اليهودية”، منذ عقود طويلة، على جلب أكبر عدد ممكن من يهود العالم إلى فلسطين لتحقيق التفوق العددي الذي تمت المراهنة عليه (عبر هجرة أو تهجير اليهود) باعتباره العمود الفقري الداعم لاستمرار المشروع الصهيوني المتجسد بالدولة الصهيونية. واليوم، فإن تراجع الهجرة الوافدة إلى “إسرائيل” وتعاظم الهجرة المعاكسة منها، تطوران يشكلان ضربة قاسية لأهم أسس الصهيونية. ومع تعاظمهما، يتزايد التشكيك اليهودي بجدوى المشروع الصهيوني وكذبة “أرض الميعاد”. بل إن ذلك التشكيك يتعزز بما جاء في تقرير “وول ستريت جورنال” على لسان (شارانسكي) نفسه من أن “أيام الهجرة الجماعية قد ولت”، الأمر الذي يفتح المجال على تغير مظاهر تقلص التفوق العددي من مجرد مظاهر.. إلى تحولات نوعية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 37 / 2165981

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165981 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010