الأربعاء 5 كانون الثاني (يناير) 2011

بعد 50 عاماً مصير “حق” تقرير المصير

الأربعاء 5 كانون الثاني (يناير) 2011 par د. عبدالحسين شعبان

في قاعة قصر الأمم، التأم بالجزائر العاصمة شمل المؤتمر الدولي لمناسبة الاحتفال بالذكرى الخمسين لمنح الاستقلال للدول والشعوب المستعمَرة، وذلك بحضور زعامات تاريخية وشخصيات سياسية وفكرية وثقافية من أنحاء العالم كافة، لاسيما من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية .

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أصدرت في 14 ديسمبر/ كانون الأول العام 1960 إعلاناً صار اسمه ملازماً لتصفية الاستعمار (الكولونيالية) ورديفاً لحق تقرير المصير . واكتسب القرار رقم 1514 الذي صدر عن الدورة الخامسة عشرة للجمعية العامة أهمية خاصة، لاسيما أنه جاء تتويجاً لنضال شعوب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، الأمر الذي أعطاه رمزية كبيرة اقترنت بتحرر العديد من الشعوب والبلدان ونيلها استقلالها .

بدأ الرئيس كنيث كواندا عميد رؤساء الدول الإفريقية خطابه بأغنية راقصة، صفّق لها الحاضرون طويلاً، لاسيما إيقاعها وحركاتها، وبعدها وجّه كلامه الى الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بيلاّ الذي كان يجلس بمواجهة منصّة الخطابة، قائلاً: “نحن أسهمنا بتحرير إفريقيا”، وذلك بشيء من الحنين والكبرياء والرومانسية الثورية .

بدت جلسات المؤتمر غير تقليدية، فبدأت من المجتمع المدني خلافاً لما جرت عليه العادة، حيث البدء من الجهات الرسمية أو شبه الرسمية، لاسيما بحضور من يمثل الجهة المضيّفة، خصوصاً إذا كان هناك من ينوب عن رئيس الجمهورية أو الملك أو الأمير، الاّ أن جلسات المؤتمر هذه المرة تصدّرها الاستماع الى خطاب غير رسمي للمجتمع المدني لمناسبة يوم القضاء على الكولونيالية، حيث تحدث بيار غالون، وأعقبه دافيد أوتاوي ممثلاً عن وسائل الاعلام، ثم بدأ تاي بروك زرهون الأمين العام المساعد للشؤون السياسية ممثلاً عن الأمين العام للأمم المتحدة، وأعقبه عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية، تلاه جون بيينغ رئيس منظمة الوحدة الإفريقية ثم جاء دور نائبة رئيس جمهورية فيتنام سابقاً نيفين ثي بينه، وأعقبها تابو مبيكي الرئيس السابق لجمهورية جنوب إفريقيا، وكانت الكلمة الختامية لممثل رئيس الجمهورية الجزائرية عبدالعزيز بلخادم، علماً بأن رئاسة المؤتمر تولاّها أولوسيجون أوبسانجو الرئيس السابق لنيجيريا .

وبعد مناقشات دامت يومين 13 و14 ديسمبر/ كانون الأول 2010 صدر إعلان الجزائر، الذي ذكّر بالتضحيات التي تحملتها الشعوب المستعمَرة في سبيل حريتها وحقها في تقرير المصير والاستقلال، مع إشادة خاصة بدور النساء والشباب . كما نوّه إعلان الجزائر بالدور الذي لعبته الأمم المتحدة في تسريع مسار تحرير الشعوب المستعمَرة طبقاً للإعلان العالمي رقم 1514 (الدورة الخامسة عشرة) في العام 1960 .

وتوقّف المشاركون للإشادة بدور وسائل الإعلام والسينما في التوعية بجرائم الاستعمار وفي الدفاع عن الأهداف والمقاصد التي حددها الإعلان، مؤكدين أن الاستعمار بجميع أشكاله ومظاهره، يتعارض مع أهداف ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومع قواعد القانون الدولي . وفي الوقت الذي أعرب المشاركون عن فاعلية ووجاهة الإعلان العالمي، فقد أعلنوا عن تضامنهم مع الشعوب التي تناضل من أجل حقها في التحرر بموجب الإعلان، مشجعين الكتّاب والسينمائيين والصحفيين على مواصلة تكثيف نشاطاتهم في توعية وتعبئة الرأي العام العالمي حول عدالة طموحات الشعوب .

ومن الجدير بالذكر أن صدور الإعلان العالمي لتصفية الكولونيالية العام 1960 كان مناسبة تم استلهامها لاحقاً بصدور قرارات من الأمم المتحدة حول السيادة الدائمة للدول على مواردها الطبيعية، لاسيما القرار الصادر في 14 ديسمبر/ كانون الأول 1962 برقم 1803 (الدورة السابعة عشرة) والقرار رقم 3281 في 12 ديسمبر/ كانون الأول 1974 (الدورة التاسعة والعشرون) بخصوص حقوق وواجبات الدول الاقتصادية وغيرها .

وكان مؤتمر الجزائر بمناسبة الذكرى الخمسين لتصفية الكولونيالية ومنح الشعوب المستعمَرة حقها في الاستقلال والحرية فرصة لتأكيد أهمية التعاون بين دول (جنوب- جنوب)، بالإشارة الى الاندماج الإقليمي في ما بينها، للإسهام في الحفاظ على استقلال البلدان المستعمَرة سابقاً وتسهيل مشاركتها في الاقتصاد العالمي لاحقاً، ولعلها كانت دعوة لإقامة شراكات استراتيجيته بين دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية .

وعلى الرغم من صدور الإعلان العالمي منذ خمسة عقود من الزمان، فقد فشل المجتمع الدولي في التخلّص من هذه الظاهرة المشينة في عالمنا المعاصر، ولا يزال الاستعمار يعيش بين ظهرانينا، ولعل المثال الصارخ هو الاستعمار الاستيطاني الإجلائي في فلسطين، الأمر الذي يتطلب شحذ جميع القوى للتخلّص منه ووضع حد له واستعادة الشعب العربي الفلسطيني لوطنه وإقامة دولته المستقلة طبقاً لحق تقرير المصير، الذي هو حق غير قابل للتنازل أو للتصرّف، لاسيما هو قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي Jus cogens، كما أن حق تقرير المصير لا يسقط بالتقادم .

لقد كان استذكار صدور قرار الأمم المتحدة 1514 مناسبة لاستعادة دور الأمم المتحدة في الستينيات وما بعدها، خصوصاً في ظل توازن القوى الدولي وصعود نجم حركات ودول التحرر الوطني، التي كان من أبرز قادتها جمال عبد الناصر (مصر) وجواهر لال نهرو وأنديرا غاندي لاحقاً (الهند) وجوزيف بروز تيتو (يوغسلافيا)، وبانضمام ماوتسي تونغ وهوشي منه وكاسترو صعد دور حركة عدم الانحياز في العام ،1961 لاسيما بعد مؤتمر باندونغ التاريخي الذي انعقد في العام 1955 .

وكان لمقاومة الشعب الجزائري وجبهة التحرير الوطني التي قادت الثورة منذ العام 1954 ضد الاستعمار الفرنسي سبب مهم في إقرار الأمم المتحدة القرار ،1514 حيث حصلت الجزائر على استقلالها وحقها في تقرير مصيرها بعد توقيع اتفاقية إيفيان مع فرنسا وإعلان نتائج الاستفتاء العام 1962 .

ولا يمكن أن يستقيم الحديث عن القرار 1514 وتصفية الكولونيالية، من دون الإشارة الى دور الاتحاد السوفييتي السابق ووزير خارجيته أندريه غروميكو الذي كان في ظل قيادة نيكيتا خروشوف قد أسهم إسهاماً كبيراً في تعبئة الجهود في الأمم المتحدة وخارجها من أجل انعتاق الشعوب وتحررها وإحراز استقلالها وتمكينها من ممارسة حقها في تقرير مصيرها واختيار نظامها الاجتماعي وحقها في التصرّف بثرواتها الطبيعية .

لقد أسهم صدور القرار 1514 في تحريك الضمير العالمي، مثلما شكّل منعطفاً تاريخياً في تطوير الإطار القانوني لحق الشعوب في تقرير مصيرها، وإنْ كان هناك التباس وجدل بين مفهوم الشعب People ومفهوم الأمة Nation ومفهوم الدولة state وفيما إذا كانت الأقلية تشكّل شعباً، وهو الأمر الذي تم استدراكه بعد يوم واحد، فصدر قرار جديد من الجمعية العامة برقم 1514 في 15 ديسمبر/ كانون الأول 1960 الذي قدّم خيار الاتحاد الاختياري أو الارتباط بدولة مستقلة، للأقاليم غير المحكومة ذاتياً أو غير المستقلة، واستناداً الى القرار 1514 الذي اعتبر إعلان الاستقلال الطريقة الوحيدة لتحقيق حق تقرير المصير بصورة حتمية، الأمر الذي يجعل حق تقرير المصير يتجاوز الحالة الاستعمارية واستقلال البلدان التابعة والمستعمَرة، وهو ما جاءت تقنياته خصوصاً بصدور القرار 2625 في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني العام 1970 تحت عنوان “إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بعلاقات الصداقة والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة” وإعلان حقوق الأقليات العام 1992 وإعلان حقوق شعوب البلدان الأصلية العام 2007 .

ثم جاءت تطبيقاته لاحقاً بانهيار نظام القطبية الثنائية وتدخل “المجتمع الدولي” في ما يعدّ تجاوزاً أو انتهاكاً لقواعد القانون الدولي، وذلك تحت باب “التدخل الإنساني” أو وصول العيش المشترك الى طريق مسدود في الدول متعددة القوميات، وقد أفتت محكمة العدل الدولية بعد انفصال كوسوفو عن صربيا في 24 يوليو/ تموز 2010 بأن ذلك لا ينتهك قواعد القانون الدولي، الأمر الذي يشكل سابقة جديدة وخطرة على صعيد وحدة البلدان وحرمة حدودها، بالارتباط مع ديناميكية مبدأ حق تقرير المصير .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 111 / 2165586

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165586 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010