السبت 1 كانون الثاني (يناير) 2011

صفحات مطوية من تاريخ حركة فتح

السبت 1 كانون الثاني (يناير) 2011 par علي بدوان

لعبت الساحة السورية دوراً رئيسياً في تهيئة ميدان العمل لانطلاقة الرصاصات الأولى لقوات العاصفة. حيث زار دمشق أول وفد رسمي من حركة فتح في 7/5/1963 الذي ضم سبعة أعضاء، استقبلهم وزير الدفاع السوري اللواء حمد عبيد، وأعطى في حينها توجيهاته بالموافقة على استخدام الأراضي السورية في الاعداد العسكري للعمل الفدائي الفلسطيني المسلح. وشهدت الفترة إياها تعاوناً بين القيادة السورية وحركة فتح توصل إليه كل من اللواء أحمد سويداني من هيئة أركان الجيش العربي السوري والشهيد الرئيس ياسرعرفات، وبموجبه تم رفد حركة فتح بالكفاءات العسكرية ممثلة بمجموعة من الكادر العسكري على رأسهم قائد الحرس القومي والقائد الحالي للجيش الشعبي في سوريا اللواء محمد إبراهيم العلي (أبوندى) وبالكفاءات العسكرية الفلسطينية المنضوية في إطار الكتيبة الخاصة التي حملت اسم الكتيبة 68 في الجيش العربي السوري التي التحق منها 30 كادراً في قوات العاصفة قبل وفور صدور بيانها الأول وفق الباحث يزيد صايغ ( [1])، ومن الفلسطينيين المنضوين في اطار الكتيبة (20 الحرس الوطني) التي رابطت بعناصرها على امتداد خط الجبهة بين سوريا ودولة الاحتلال من عرب اللهيب والتلاوية وغيرهم، خصوصاً، في المناطق المطلة على بحيرة طبريا من الجانب السوري كمناطق البطيحة والنقيب وكفر حارب والتوافيق … [2]
وتم اعتماد أول مكتب علني لحركة فتح وسط دمشق / شارع الباكستان، ومكتب أخر تم اهداءه من الحرس القومي السوري في منطقة دمر الواقعة شمال غرب دمشق، حيث قام النقيب موسى العلي بتدريب مجموعات حركة فتح على رمي القنابل الدفاعية والهجومية، وتحمس رئيس الجمهورية في سوريا آنذاك الفريق أمين الحافظ، ورئيس الأركان اللواء صلاح جديد لموضوع العمل الفدائي، وعليه تم انشاء معسكر للتدريب في منطقة حرستا باشراف اللواء محمد ابراهيم العلي (أبو ندى)، وفيه خضع المتدربون لتدريبات على الرمي بالمسدسات والبنادق الآلية وقواذف ب 2، وتم احداث معسكر أخر في يبرود / منطقة القلمون، وبلدة مصياف. وفي هذا السياق تم ترتيب اسناد قوات العاصفة بصفقة السلاح الجزائري المعروفة عن طريق العقيد الطاهر الزبيري رئيس أركان الجيش الجزائري بحضور مسؤول مكتب حركة فتح محمد أبو ميزر (أبو حاتم). حيث أرسلت المعدات باسم الحرس القومي في سوريا وكانت بوزن (12) طن من مسدسات شارلينغ البريطانية مع ذخيرتها، ومسدسات طاحونة بلجيكية وفرنسية مع ذخيرتها، وقنابل يدوية هجومية ودفاعية، وألغام مضادة للأفراد والآليات، ودخلت الصفقة الجزائرية الى سوريا بطائرتي أنطونوف، وهبطتا في مطار المزة القريب من دمشق في أذار/ مارس 1965، وأفرغت الحمولة في سيارات (زيل 157) عسكرية سورية روسية الصنع [3]، حيث نقلت الحمولة الى مستودعات الحرس القومي ثم سلمت لحركة فتح، وقسم من العتاد تم تخزينه في مخيم اليرموك، وقسم الى منـزل الشهيد خليل الوزير، وقسم الى معسكر لحركة فتح في غوطة دمشق [4]

وعملياً، فقد تم على الأرض السورية افتتاح أولى القواعد الفدائية العسكرية الفلسطينية في تاريخ الثورة الفلسطينية واستلام قوات العاصفة لأول شحنة سلاح من الجزائرعبر مطار المزة بدمشق. وكانت قاعدة فتح العسكرية الأولى في منطقة قريبة من مخيم اليرموك [5]، مالبث أن تم نقلها إلى موقع معسكر “الهامة” وألحق بها معسكر مجاور هو معسكر “ميسلون” على الطريق من دمشق إلى بيروت، لتصبح مقر القيادة ومركز التدريب الرئيسي بقيادة الشهيد أبو علي أياد (وليد العقاب) [6] وهي القاعدة التي خرجت المئات من قادة حركة فتح العسكريين المتواجدين حالياً داخل فلسطين. وقصفت هذه القاعدة ثلاث مرات من خلال غارات الطيران الإسرائيلي : المرة الأولى عام 1968، والثانية عام 1969، والثالثة عام 1972. وتم إغلاق هذه القاعدة بعد حرب تشرين أول /أكتوبر1973 لأسباب تتعلق بقربها من دمشق من مواقع الاصطياف والسياحة وتعرضها المتكرر للقصف الجوي الإسرائيلي [7] وأفتتحت بعدها العديد من القواعد العسكرية الفدائية في سوريا، خاصة في منطقة دمشق. وتم تخريج أول دورة للمقاتلين الفدائيين بدمشق في 3/5/1965 وبحضور الرئيس السوري الفريق أمين الحافظ [8]

إلا أن المرحلة القاسية بين قوات العاصفة والقيادة السورية، وقعت بين الطرفين مع وفاة كل من النقيب يوسف عرابي والملازم الأول محمد حشمة داخل إحدى مقرات حركة فتح في حي الشعلان بدمشق في حادث تطول تفاصيله. وعندها تم اعتقال الشهيد ياسرعرفات وعدد أخر من قيادات حركة فتح بلغ عددهم احدى عشر كادراً (خليل الوزير، ممدوح صيدم، أبوعلي أياد، مختار بعباع، زكريا عبد الرحيم، أبو العبد العكلوك، المرحوم عبد المجيد زغموت ..) [9] وزج بهم في معتقل الشرطة العسكرية القديم قرب جامعة دمشق [10] ومن ثم إلى سجن المزة العسكري، وبعد ذلك الى معتقل مطار الضمير العسكري شرقي دمشق / على الطريق الى بغداد، إلى أن تمت تسوية الموضوع بعد احدى وخمسين يوماً من الاعتقال، وفي هذه الأثناء كانت انتصار الوزير وفاروق القدومي ذي الأصول البعثية، وكمال عدوان وصلاح خلف، والسيدة انتصار الوزير، يسيرون أمور حركة فتح وجناحها العسكري قوات العاصفة [11] وسبق وأن تم اعتقال ياسرعرفات في سورية نهاية العام 1965 اثر محاولة نسف خط نفط التابلاين المار في أراضي هضبة الجولان السورية، وأودع سجن المزة العسكري. كما اعتقل بداية العام 1966 في لبنان من قبل جهاز الأمن العام اثر محاولته التسلل الى داخل الأراضي المحتلة عند بلدة كفركلا اللبنانية المجاورة للحدود الفلسطينية، حيث دام الاعتقال ثلاثة أسابيع، بعد أن أحيل الى مخابرات المكتب الثاني اللبناني برئاسة الضابط سامي الخطيب. وتلى اطلاق سراحه، اعتقال عضوين من مجموعتين من قوات العاصفة لدى عودتهما الى جنوب لبنان من عمليتين فدائيتين شمال فلسطين المحتلة في منطقة الجليل، فخضع كل من الشهيد جلال كعوش من مخيم اليرموك، لعملية تعذيب قاسية، أستشهد جراءها داخل أقبية مخابرات المكتب الثاني اللبناني في منطقة الليرزة حيث مقر وزارة الدفاع اللبنانية، فكان شهيد فلسطين وقوات العاصفة الأول فوق الأرض اللبنانية بتاريخ 9/1/1966.

ملاحظة : (يرجى الاشارة للمصدر عند أي اقتباس أو نقل للمادة أو لأجزاء أو معلومات منها، والدراسة مأخوذة (مختصرة) من أحدى فصول كتاب (حركة فتح من العاصفة الى كتائب الأقصى) لمؤلفه علي بدوان والصادر عن دار صفحات بدمشق عام 2004 في طبعته الأولى والمنشور على شكل حلقات على صفحات جريدة البيان الاماراتية.

[1( ) ـ أنظر : صحيفة الحياة اللندنية، مقال وضاح شرارة، عدد يوم 23/11/2004.

[2(( ) ـ الكتيبة 68 في الجيش العربي السوري، كتيبة للاستطلاع الخارجي والعمل الفدائي في فلسطين على امتداد سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، أنشأت بقرار من العقيد عبد الحميد السراج مسؤول المكتب الثاني أثناء الوحدة المصرية السورية، حيث شكل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا قوامها الرئيسي بقيادة العقيد السوري أكرم الصفدي، والمقدم الهيثم الأيوبي، والعقيد أحمد حجو الموجود حالياً في قطاع غزة، وأتخذت الكتيبة من بساتين بلدة حرستا بضواحي دمشق مقرا ًلها، اضافة الى مقرات ومواقع ميدانية على جبهة الجولان وجنوب لبنان، وكلفت الكتيبة بادارة وتنفيذ عمليات الاستطلاع شمال فلسطين، واستشهد العديد من أعضاءها في الجليل وغور طبريا ( سبع السباعي، حسن ضاهر، أحمد عبد الهادي سويد، محمد أمين مراد، نايف شعبان، محمود عزيمة، سالم عيسى سالم،علي الوحش، علي النمر، مفلح السالم، سامي فلعور، كامل المعجل، جويد علي الصالح، محمد حسين المعجل، محمد علي المعجل، عبد الله حسين المعجل، عوض أحمد عوضعلي الخربوش، جلال كعوش، كمال كعوش، أبو علي الأخضر الذي استشهد في عملية عين يهيف في النقب عام 1970…) كما أعدم اثنا عشر فراداً من أعضاءها من الفلسطينيين رمياً بالرصاص في سجن المزة العسكري بدمشق يوم 18/7/1963 ( أحمد منصور، لطفي قادرية، سليمان حمادي الشاويش، عيسى محمود عيسى، أحمد ياسين مفلح، محمود الهندي،مصطفى ابراهيم حميد، يوسف محمد عطا الله، صالح شعبان محمود، علي أبو عيسى، محمد عبد الهادي عبد الكريم، عبد الله الأخضر) وفر أكثر من أربعين عنصراً من الكتيبة ذاتها الى مصر عبر لبنان، بعد أن ادانتهم المحكمة الميدانية العسكرية السورية برئاسة العميد صلاح الضلي في المشاركة بالحركة الانقلابية الفاشلة التي قادها العقيد جاسم علوان، وهدفت الى اعادة الوحدة مع مصر بقيادة جمال عبد الناصر. ومن أبرز أعضاءها الذين انضموا الى حركة فتح : الشهيد الفلسطيني الأول في لبنان جلال كعوش، الشهيد كمال كعوش، الشهيد الرائد الشرعان ( أبو جمال الشوف)، الشهيد يوسف أحمد عوض (أبو فالح)، العقيد أحمد حجو، والعقيد عارف خطاب الموجود في قطاع غزة، والذي سبق وأن كان قائداً لمدرسة القتال في قوات العاصفة في برج البراجنة، العقيد خليل جبرسحتوت … ومن الجبهة الشعبية الشهيد رفيق عساف، ومن (الجبهة الشعبية / القيادة العامة) الشهيد أبوعلي الأخضر بطل معركة عين يهيف، والشهيد خالد الأمين، وعاد معظم الفارين الى مصرمن الكتيبة ذاتها عام 1968 الى الأردن، وألتحقوا في صفوف الجبهة الشعبية، وحركة فتح، ومنظمة الصاعقة ...، أما الكتيبة (20 الحرس الوطني ) فضمت مقاتلين الفلسطينيين من المقيمين في مناطق الجولان بالقرب من بحيرة طبريا. ).

[3( ( ) ـ تسمى السيارات العسكرية الروسية من نوع ( زيل 157) العاملة في الجيش العربي السوري بـ “أم كامل”.)

[4(( ) ـ مذكرات قائد الحرس القومي والجيش الشعبي في سوريا ، اللواء محمد ابراهيم العلي (أبو ندى)، حياتي والاعدام / نشر خاص ، الجزء الثاني 2003، الفصل الرابع عشر، فلسطين في بيتي ص 327، ص 345. ).

[5( ( ) ـ أقيمت قاعدة فتح / قوات العاصفة العسكرية الأولى عام 1965 في منطقة البساتين الواقعة شرق مخيم اليرموك، في المنطقة المعروفة باسم “قناة ترانس”، وبعد فترة من الزمن حل مكان حركة فتح في المعسكر المشار اليه تنظيم عسكري فلسطيني أخر حمل اسم : جبهة التحرير الوطني الفلسطينية “ج ت ف” بقيادة حسن الصباريني ( أبو حلمي)، وهو تنظيم صغير اندمج عام 1971 بحركة فتح.)

[6(( ) ـ الشهيد أبو علي اياد (وليد أحمد نمر نصر الحسين) من مواليد قلقيلية في الضفة الغربية، من القيادات التاريخية المؤسسة لحركة فتح، عمل بسلك التعليم في الخليج العربي. وأصبح بعد الانطلاقة المسلحة أحد أعضاء القيادة العامة لقوات العاصفة وقائد معسكر الهامة. قاد القوات الفلسطينية التي حوصرت في أحراش جرش وعجلون عام 1971، وفقد هناك بعد أن اجتاح الجيش الأردني المناطق المذكورة، وتشير مصادر حركة فتح وقوات العاصفة بأن أخر برقية لاسلكية أرسلها من الحصار، حملت العبارة التالية : “نموت واقفين ولن نركع”. ).

[7(( ) ـ تعتبر قاعدة الهامة العسكرية ومعها معسكر ميسلون القريب منها، نقطة الانطلاق التي تدفق منها فدائيو قوات العاصفة أثناء التمدد الفلسطيني نحو اغوار الأردن وجبهة جنوب لبنان ، ومن قاعدة الهامة انطلق مقاتلوا معركة الكرامة في 21/3/1968، وفي قاعدة الهامة العسكرية كان الشهيد ياسرعرفات، وفي مراحل الانطلاقة الأولى، يقضي معظم أوقاته الى جانب القائد الأول للمعسكر الشهيد أبو علي اياد. وفي آخرعملية قصف جوي اسرائيلي “جنوني” تعرض لها معسكر الهامة عام 1973 استشهد 30 عنصراً، على رأسهم قائد المعسكر آنذاك الشهيد أبو الأدب، ومن شدة القصف الجوي تطايرت الأتربة والحجارة التي أغلقت طريق دمشق بيروت القديم لبضع الوقت. ).

[8(( ) ـ الحركة الوطنية الفلسطينية من النضال المسلح إلى دولة منزوعة السلاح ـ صقر أبو فخر ـ المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت / الطبعة الأولى 2003 ـ ص200. ).

[9(( ) – بقي من المعتقلين في السجن المرحوم عبد المجيد زغموت، وهو فلسطيني من مخيم اليرموك، ويعود في أصوله الى بلدة الصفصاف قضاء صفد، وتوفي في شباط / فبراير 2000 في سجن عدرا بدمشق، حيث أمضى فترة اعتقاله الطويلة دون حكم بحقه، وحصل خلال اعتقاله على شهادة البكالوريوس في الحقوق من جامعة دمشق. )

[10( ( ) - مقر وسجن الشرطة العسكرية السورية القديم حيث تم توقيف ياسرعرفات ومن معه، يقع مقابل المبنى الرئيسي لجامعة دمشق، في الموقع الحالي لمشفى التوليد الجامعي، ومن ثم تم نقل المعتقلين الى سجن المزة العسكري، وبعد ذلك الى سجن قاعدة الضمير الجوية شرق دمشق.)

[11(( ) ـ وجهت في حينها اللجنة المركزية لحركة فتح رسالة الى القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، طالبت فيها بالافراج عن المعتقلين حتى “لاندع لأعدائنا مجالاً ينفثون من خلاله أراجيفهم الرخيصة لجرنا نحو معارك جانبية، أحرص ما نكون عن الابتعاد عنها والانزلاق اليها”، وأضافت رسالة حركة فتح “عندما ظهر استعداد للقاء على أسس موضوعية مع البعث رحبنا بذلك … وأن الحادث المؤسف كان قضاءاً وقدراً ولم يكن من تدبير أحد”. وللاطلاع على النص الكامل للرسالة يمكن العودة الى كراس “فتح وأزماتها الداخلية 1965ـ 1973 الطبعة الأولى 1976ـ ص 155”. وللمزيد من التفاصيل يمكن العودة الى نص رسالة (ودية + معاتبة) وجهها مروان حبش الوزير السوري السابق وعضو القيادة القطرية (من تيارصلاح جديد) الى الرئيس ياسرعرفات بعد خروجه من السجن السوري بعد اعتقال دام 23 عاماً، والرسالة مؤرخة في 5/7/2002، ومن محفوظات المؤلفين، وفيها بعض التفاصيل بشأن الحادث المشار اليه، بما في ذلك “تجاوز الدقة في التحقيق” حسب مروان حبش ، لأن هدف التحرير “أسمى من أن تعكره حادثة”. ).



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 306 / 2166097

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2166097 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010