الخميس 16 كانون الأول (ديسمبر) 2010

تفتيت الدولة القُطرية العربية

الخميس 16 كانون الأول (ديسمبر) 2010 par د. فايز رشيد

لم يكن الوضع العربي “أبأس” مما هو عليه الآن، ذلك أننا سنشهد في المرحلة القريبة القادمة، سايكس بيكو جديدة، بلباس عصري تسعى إلى تفكيك الدولة القطرية العربية. لقد سعت إسرائيل منذ قيامها ولا تزال وأعوانها وحلفاؤها إلى تفتيت وحدة النسيج الاجتماعي في كل دولة عربية. وللأسف لم تنتبه الدول العربية منذ البدايات إلى المؤامرات التي تستهدف وحدتها، لتعمل على حل كافة الإشكاليات المعنية، سواء كانت عرقية أم طائفية أو مذهبية. بالطبع يقول كثيرون: ما أسهل إلقاء المسائل على نظرية المؤامرة، وهم في جانب من قولهم محقون، فلولا العوامل الذاتية لكل دولة عربية والتي سمحت بطريقة أو بأخرى بشكل مباشر أو غير مباشر، لنمو مثل هذه التيارات الانقسامية، لما كان التهديد بالانقسام سهلاً.

الحلول في المراحل الأولى لم تكن صعبة. وتتمثل في جملة من الممارسات: الاعتراف بالأقليات القومية الموجودة في داخل الدولة، إعطاء هذه الأقليات حقوقها في صون خصوصياتها الثقافية، ولغاتها (إن كان ثمة لغة لكل منها). احترام عاداتها الاجتماعية ورموزها الوطنية، العمل على تعميق الوحدة الوطنية في النسيج الاجتماعي داخل الدولة، الحرص على تسييد الديمقراطية في التعامل داخل الدولة. وبين فئات المجتمع بمختلف مكوناته العرقية والدينية والطائفية والمذهبية.

نعم، لقد لعبت هذه الأقليات والجماعات مختلفة الانتماء دوراً مهماً في معركة استقلال الدولة العربية الحديثة، وفي بناء وحدتها وتأسيسها.

مناسبة القول: خطاب رئيس إقليم كردستان زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البرزاني في المؤتمر الثالث عشر للحزب، والذي حضر حفل افتتاحه كل الزعماء العراقيين (أو معظمهم). ومطالبته بحق تقرير المصير للأكراد. في اليوم التالي للخطاب، انضم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني، إلى دعوة البرزاني من خلال تصريح برهم صالح رئيس حكومة إقليم كردستان والذي طالب فيه (بحق الأكراد في تقرير مصيرهم).

الدعوة الكردية، هي مقدمة للمطالبة بالانفصال اللاحق، فلطالما حلُم الأكراد بدولتهم المستقلة ذات السيادة مثل باقي الدول، ما طالب به البرزاني أيضاً هو: ضم مدينة كركوك إلى إقليم كردستان وهو مطلب كردي عام.
الدعوة الكردية تعززت بالاحتلال الأمريكي- الغربي للعراق، فمنذ الأيام الأولى للعدوان، حرص الأكراد على ما يشبه الاستقلال بإقليمهم (الذي تم فرض الحظر الجوي عليه منذ العام1991 من قبل مجلس الأمن الدولي) وحرصوا فيما بعد على تضمين الدستور العراقي نصاً بإنشاء العراق الفيدرالي (بالطبع هذه كانت رغبة أمريكية)، ونصاً آخر على ضرورة إجراء استفتاء شعبي في مدينة كركوك لتقرير مصيرها.

المطلب الكردي لم يكن بعيداً عن الرغبة الأمريكية التي استهدفت من وراء عدوانها على العراق، تفتيته إلى دويلات اثنية وطائفية، دولة للأكراد في الشمال، ودولة للشيعة في الجنوب، وثالثة للسنة في الوسط، وذلك من أجل تقسيم العراق كدولة عمق إستراتيجي للدول العربية المجاورة، وكدولة تلعب دوراً كبيراً في الصراع العربي الصهيوني، ولذلك حرصت الولايات المتحدة على إنشاء قنصلية لها في أربيل، وكُتبت تحقيقات كثيرة عن الدور الإسرائيلي المتصاعد فيها في المجالات المختلفة، بما فيها: الجوانب الأمنية.

الأكراد يحتلون في العراق مواقع مهمة، فمنهم رئيس الجمهورية ووزير الخارجية وإقليم كردستان له دستوره المنفصل ورئيسه وحكومته المستقلان (بالمعنى الفعلي) وله ميلشيته (عملياً جيشه). وهو يعيش حكماً ذاتياً (منذ النظام العراقي السابق). تعزز هذا الحكم بعد الاحتلال الأمريكي- الغربي للعراق. لقد نّص الدستور العراقي أيضاً على حق إقليم كردستان بجزء من الثروات فيه، أي أن الإقليم أصبح شبه دولة، ولكن (اسمياً) في إطار العراق الواحد. الآن يسعى الأكراد لضم كركوك إلى الإقليم وإعلان دولتهم المستقلة كاملة السيادة، وإذا ما بقيت الأمور مثلما عليه الآن، وبخاصة التشظي السياسي العراقي، وعدم سيطرة الدولة على مقاليد الأمور في العراق، وارتفاع منسوب الاثنية والطائفية والمذهبية والدينية فيه، وانعدام الأمن ووجود الفوضى، ونهب ثرواته من المحتل الأمريكي، إضافة إلى انتشار الفساد (الذي تعلنه الحكومة العراقية ولا تخفيه). وتعدد الانتماءات، ووجود الميليشات المذهبية والطائفية، وانتشار عصابات الإجرام والسلب والنهب والاختطاف (وهذه كلها بركات التدخل الأمريكي!). كل هذه العوامل تسببت في هجرة ما يزيد على الخمسة ملايين من العراقيين خارج وطنهم، إذا ما بقي كل ذلك قائماً، فلن يمنع الأكراد شيء من الاستقلال بدولتهم، والعقبة الوحيدة أمام الإعلان: هي دول الجوار الإقليمي وتحديداً إيران وتركيا وسوريا، وكلها لا تؤيد إقامة مثل هذه الدولة نظراً لوجود أقليات كردية فيها خوفاً من امتدادات الدولة الكردية العتيدة إلى هذه البلدان، ومطالبة الأكراد فيها بالانفصال عن البلدان الأم والانضمام إلى الدولة الجديدة.

نقول عن مرحلة تفتيت الدولة القطرية العربية، ذلك أننا على أبواب انفصال الجنوب السوداني عن الوطن الأم، ففي التاسع من يناير القادم سيتم تنظيم استفتاء دولي للتصويت لصالح الانفصال أو البقاء مع السودان. الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان لا تخفي دعوتها لحث الجنوبيين على الانفصال. لذلك فإن الولايات المتحدة افتتحت مسبقاً سفارة لها في جوبا. إضافة إلى وجود فنصلية إسرائيلية. ووجود مخططات جاهزة للدولتين للتعاون مع الدولة الحديثة، والحركة الشعبية لم تنكر هذا الأمر، وأعلنت في وسائل الإعلام كافة استعداداتها الكبيرة للتعاون مع كل من أمريكا «وإسرائيل.»

في لبنان أيضاً توجد دعوات من فئات مختلفة لإنشاء كونفيدرالية لبنانية تعتمد التقسيم الديني والطائفي والمذهبي فيه، وإذا ما جاء قرار المحكمة الدولية المكلفة بإصدار الاتهام في حادثة اغتيال رفيق الحريري مسيساً، وهو على الأغلب سيكون كذلك فلربما سيؤدي هذا القرار إلى تفجير الوضع اللبناني، وعودة شبح الحرب الأهلية اللبنانية (لا سمح الله) مرة أخرى. في هذه الحالة ستتعزز الدعوات لإنشاء الكونفيدرالية اللبنانية، والتي يقُصد منها أولاً وأخيراً تفتيت لبنان، بإنشاء دويلات صغيرة على أرضه.

في اليمن، ليس الوضع بأفضل، فوجود قضية الحوثيين والحراك الجنوبي (الذي يعتبر الجنوب محتلاً من قبل الشمال) عاملان مهددان للوحدة اليمنية.

كثيرون ينادون بإنشاء دولة للأقباط في مصر، ودولة للأمازيغ في المغرب العربي، حتى أن أعمدة صحفية كثيرة وكتابات أمريكية (بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001) نادت بتفكيك المملكة العربية السعودية إلى دويلات. كما أن قضية الصحراء الغربية مع المغرب مهددة لوحدة الدولة العربية القطرية، والحبل على الجرار.
من الواضح أنه وإذا تم التصويت لصالح انفصال الجنوب عن السودان (وهو غالباً كذلك) وإذا ما تم انفصال الأكراد، فستعتبر الخطوتان سابقتين يمكن الاقتداء بهما! فهل تحس الدولة القطرية العربية بالخطر الذي يتهدد وحدتها؟

By: د.فايز رشيد



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165700

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165700 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010