الخميس 16 كانون الأول (ديسمبر) 2010

وظيفة شاغرة :قيادة وطنية

الخميس 16 كانون الأول (ديسمبر) 2010 par إيهاب السيد

لا أذكر عاماً مضى منذ وعيت على الدنيا إلا وسمعت فيه عبارة “القضية تمر في مرحلة خطرة” أو “حساسة”. كانت هذه اللازمة التي تبرر اتخاذ الكثير من القرارات والمواقف المثيرة للجدل في أحسن الأحوال، والمضرة بالقضية في أغلب الأحوال. ومللنا تكرار هذه اللازمة وفقدت معناها عند الكثيرين من كثرة ما أسيء استخدامها.

إلا أنني أعتقد أن هذه قد تكون المرة الأولى التي يصدق فيها القول بأن القضية الفلسطينية تمر في إحدى أخطر مراحلها على الإطلاق. مرحلة التصفية النهائية للقضية بمكوناتها من شعب وأرض وتاريخ ونضال. فالخطوط الحمر لم تعد حمراء وإنما رمادية يتم تجاوزها إذا دفع ثمن مناسب (وهو دائماً شخصي وليس وطني) أو إذا مورس ضغط على الشخص المناسب في الوقت المناسب. والشعب الفلسطيني تم تقسيمه ليسهل التعامل معه، فالخارج مهمش بحجة أنه بعيد ولا يعرف ما يجري على الأرض ولا يتحمل معاناة أهل الداخل. وفي الضفة جرى تدجين الناس بثقافة الاستهلاك والعمالة وأموال الدول المانحة والمنظمات غير الحكومية الأجنبية (NGO). وفي غزة رأينا الحصار الأكبر والأسوأ في تاريخ البشرية أملاً في تطويع من صعب على التدجين وتمسك بالمقاومة. وقيل لنا إن الأهل في المناطق المحتلة عام 48 لهم خصوصيتهم ولن نتدخل في شؤونهم (وبالتالي ليس لهم أن يتدخلوا في شؤوننا). وطبعاً تم في كل هذه الساحات ملاحقة كل من يؤمن بفكر المقاومة، مقاومة المشروع الصهيوني القائم على تدمير الإنسان واغتصاب الأرض وسرقة التراث وتزوير التاريخ. وكان كل من يقاوم سواء في الملاحقة، إذ جرت ملاحقة من يقاوم بالفكر تماماً كمن يقاوم بالسلاح، وكان من يقاوم بالقلم والريشة سواء لديهم بمن يقاوم بالمدفع والرشاش.

عدونا الآن لا يسعى للتفاوض، مع عدم اتفاقنا مع مبدأ التفاوض القائم منذ أوسلو وحتى الآن، بل هو يسعى لفرض الاستسلام الكامل والنهائي مصحوباً بالتنازل عن كل الحقوق والاعتذار عن كل الازعاج الذي سببه الفلسطيني للمشروع الصهيوني منذ وصوله أرض فلسطين وحتى اليوم. أليس هذا ما يريده نتنياهو من وراء اصراره على إجراء المفاوضات في ظل اعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة وفي ظل استمرار الاستيطان والتنازل عن القدس وحق العودة وغير ذلك من الحقوق والثوابت الفلسطينية. وللأسف فإن هذا الموقف الصهيوني يستند إلى رضوخ تام من قبل الإدارة الأمريكية وصمت أوروبي يصل حد التواطؤ وموافقة عربية شبه جماعية. أما موازين القوى على الساحة الفلسطينية فتميل في الوقت الحاضر لصالح العدو الذي نجح في رعاية مجموعة من المتنفذين والقياديين المتعاونين معه في فلسطين ليحقق هدفه في ضرب الوحدة الوطنية وشق الصف وضرب الفلسطينيين ببعضهم البعض، فتحقق له الأمان في ربوع الضفة الغربية بعد أن قامت السلطة غير الوطنية هناك بالقضاء على كل من يفكر في المقاومة ومن كل الفصائل والتنظيمات، بدءاً بحركة فتح وانتهاء بحماس مروراً بالجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي. وكذلك استقر الوضع في غزة بهدنة غير معلنة فرضتها الظروف القاسية للحصار العربي الصهيوني الذي يستمر في عامه الرابع دون أن يحرك أحد ساكناً لفكه.

وبعد أن جرى تدجين الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية –إلا من رحم ربي- واشباعه بالثقافة الاستهلاكية التي ترافقت مع ضخ الأموال على مدى سنوات عبر قنوات السلطة والتضخم الوظيفي الذي عملته، وبعد أن تم التأكد من ضرب ثقافة المقاومة والوطنية الفلسطينية عاد الاحتلال الصهيوني إلى اتباع سياسة الافقار والتجويع سعياً لاجبار المواطنين على الهجرة بعد ذاقوا حلاوة الحياة وأصبحوا غير قادرين في مجملهم على تحمل حياة التقشف والقسوة، في ظل عدم وجود بنية تحتية اقتصادية حقيقية.

إنها فعلاً مرحلة خطرة ومفصلية تمر بها القضية الفلسطينية دون أن يتوفر للشعب الفلسطيني قيادة وطنية جامعة تستطيع أن تقوده وتعبر به إلى شاطئ الأمان. فقيادة السلطة وحركة فتح لم تعد تصنف في قائمة الوطنية من قبل قطاعات كبيرة من الشعب في الداخل والخارج. وقيادة حماس لم تستطع أن تحقق إجماعاً شعبياً طاغياً حولها ولم تنجح في إقناع جماهير الشعب في أن لديها برنامج سياسي واستراتيجية وطنية تغلب فيها المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية، رغم ما قدمته من بطولات وتضحيات وخصوصاً أثناء حصار غزة والحرب العداونية عليها وأضاعت الفرصة التاريخية التي أتاحها لها صمودها في غزة ولم تكن قادرة على استثمار الزخم والتعاطف الكبيرين أثناء وبعد انتهاء العدوان على غزة.

إننا اليوم وأكثر من أي يوم مضى بحاجة إلى إيجاد قيادة وطنية فلسطينية تجمع ولا تفرق، لتقود هذا الشعب العريق وتنقذه من ما يحاك له من مؤامرات تصفية. وهي قيادة يجب أن تكون مستقلة ذات رؤية استراتيجية، صلبة مع العدو، مرنة مع أبنائها، تضع الكفاءات في مكانها الصحيح وتبتعد عن المصالح الفئوية والحزبية وتشكل إطاراً جامعاً لكل القوى الوطنية الفلسطينية لأن مشوارنا طويل وصعب وشاق وخطير. وهي قيادة يجب أن تعمل على كافة المستويات، وأعني هنا الفكر والسياسة والإعلام والتربية والاجتماع لتصل إلى كافة فئات الشعب من شباب ونساء، طلاب وفلاحين ومهنيين في كافة أماكن تواجدهم. إن لدى شعبنا مخزون كبير من الشرفاء من الكوادر والكفاءات وأصحاب الخبرات والتاريخ النضالي الحقيقي، فهل هناك من يتصدى لهذه المهمة وهذا النداء؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 79 / 2165404

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165404 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010