الخميس 16 كانون الأول (ديسمبر) 2010

قراءة خليجية في تغيير وزير الخارجية الإيراني

الخميس 16 كانون الأول (ديسمبر) 2010 par ظافر العجمي

سلم وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي رسالة إلى الرئيس السنغالي عبدالله واد من الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وبعد ساعة واحدة بعث نجاد إلى متكي رسالة يعفيه فيها من منصبه ويختمها بالكلمات التالية: “آمل أن تنال جهودكم الجزاء من عند الله وأن تنجح في سائر حياتك في خدمة شعب الأمة الإسلامية”. فهل غامر الرئيس الإيراني بإعطاء أعداء بلاده مجالا وفرصة دعائية لترويج عدم استقرار السلطة في طهران دون أن تكون هناك مبررات كافية لإقالة متكي الذي كانت آخر أعماله الوطنية إدارة ظهره لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في منتدى المنامة قبل أيام. لم تشر وكالة الأنباء الإيرانية إلى أسباب الإقالة، لكن المراقب للشأن الإيراني يمكن إيجازها في النقاط التالية:

أولا: يرى البعض أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يحاول خلق ظرف سياسي يؤدي إلى تعطيل أو تأخير المباحثات النووية الإيرانية مع مجموعة 5+1، ولعل أكبر تأكيد على هذا الاحتمال هي مخاوف وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي الذي دعا طهران إلى الاستمرار في التفاوض مع القوى الكبرى بشأن برنامجها النووي المثير للجدل رغم إقالة منوشهر متكي.

ثانيا: نية نجاد أن تكون سياسة إيران الخارجية منصبة على موضوع طموحها النووي ويسند هذا التفسير اختيار مدير الوكالة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي ليكون وزيرا للخارجية ولو بشكل مؤقت قد يطول كما يشتهي نجاد.
ثالثا: الخلاف بين وزارة الخارجية ورئاسة الحكومة، وقد ظهرت الخلافات أكثر من مرة وعلى أكثر من صعيد، سواء كخلافات شخصية بين نجاد ومتكي والتي وصلت حد تفكير نجاد بإقالة متكي قبل عامين لولا نجاح وساطة بين الطرفين، أو بسبب خلافات عمل تمثلت في أن متكي قد عارض رغبة الرئيس الإيراني في قيام دبلوماسية موازية لوزارة الخارجية تسلم إلى مجموعة صغيرة من مستشاريه القريبين، بالإضافة إلى انزعاج متكي من تدخلات بعض المحيطين بنجاد في الخارجية، ثم التدخل السافر لنجاد في أعمال وزارة الخارجية وتعيينه مبعوثين خاصين له إلى بعض الدول من دون التنسيق مع الوزارة، خصوصا عندما أرسل نجاد نسيبه سفنديار رحيم مشائي إلى الأردن حاملا رسالة للملك عبدالله بن الحسين، وقد كانت هذه الحادثة وقودا لانتقاد حادّ تلقاه نجاد من أعضاء في البرلمان قبل أيام من إقالة متكي.

رابعا: الصراع بمعناه الواسع بين البراغماتية والأيديولوجية في تسيير السياسة الخارجية الإيرانية، حتى أنه قيل إن أسباب إقالة متكي تنحصر في تعامله اللطيف مع الشيطان الأكبر عندما وصف تصريح وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خلال منتدى المنامة حول إمكان السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم بشروط معينة بـ (خطوة إلى الأمام) يضاف إلى ذلك الخلاف بين الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وبين عدد من الوزراء في حكومته بشأن الاهتمام أكثر بالسياسة الداخلية على حساب السياسة الخارجية.

خامسا: الخلافات بين سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية والرئيس محمود أحمدي نجاد، فعندما أعلن نجاد في العام الماضي موافقته على إمكانية تبادل اليورانيوم، اعترض خامنئي على ذلك علانية، وكان متكي متحالفا مع خامنئي في هذا الشأن لذا أزاحه نجاد عن طريقه لتنفيذ ما يراه، أو هي رسالة لخامنئي مفادها: إنني سأزيل المقربين منك عن حكومتي.

سادسا: الخلافات بين رئاسة الحكومة والبرلمان الإيراني؛ حيث إن متكي قريب من علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى والمعارض لأحمدي نجاد. وقد ذهب متكي ضحية لنزاعات داخل المعسكر المحافظ.
لقد ذهب من يجهل السياسة الداخلية الإيرانية إلى القول إن نجاد قد فجر مفاجأة دبلوماسية بإقالة متكي، وفي ذلك قصور في متابعة الشأن الإيراني، وأسلوب عمل الرئيس نجاد الصارم، ففي منتصف عام 2007م عزل وزير نفطه كاظم وزير هامانه، في خطوة اعتبرها محللون محاولة للسيطرة على وزارة توفر أكبر جزء من الإيرادات الحكومية، كما أقال وزير الصناعة علي رضا طهمسبي.

وفي العام الماضي عزل نجاد أربعة وزراء دون إنذار مسبق، وهم وزراء الثقافة والإرشاد الإسلامي محمد حسين سفر حاراندي، والعمل والشؤون الاجتماعية محمد جهرومي، والصحة كامران باكيري لانكاريني، والاستخبارات غلام حسين محسني إجيي.

فأين نحن مما يجري في السياسة الخارجية لأكبر وأقرب وأخطر وأهم جار لنا في الخليج العربي؟
لقد ملأ الرجال العرب الدرجة المُقرّرة لهم في تاريخ وزارات الثورة الإيرانية كأسوأ من يتعامل مع إخوانهم العرب على الضفة الأخرى. وهذه النظرية قد تبدأ من فرضية هشة، فليس لدينا لإثباتها إلا وزير الدفاع السابق علي شمخاني، لكن يكفينا ما له من دور بارز في القضاء على الحركات العربية في الأحواز، ثم لقاؤه المشهور على قناة الجزيرة مع الأخ علي الظفيري؛ حيث بدأ اللقاء بكلمات عربية بلهجة أهوازية واضحة قال فيها “سلام عليكم مساكم الله بالخير” نافيا جهله بالعربية ليكمل حديثه لنا بالفارسية عن عمد رغم عدم تقلده آنذاك لمنصب يحتم عليه البروتوكول أن يتحدث بلغة بلاده، وليبشرنا بعدها قائلا: إن دول الخليج ستكون هدفا للصواريخ البالستية الإيرانية، وإن إيران لن تضرب القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة فحسب بل ستستهدف أيضا أهدافا استراتيجية لدول الخليج.

الدرجة المُقرّرة للعرب في تاريخ وزارات الثورة الإيرانية يشغلها الآن الدكتور علي أكبر صالحي، فقد عينه الرئيس نجاد وزيرا للخارجية، وهو من مواليد العاصمة العراقية بغداد من مدينة الكاظمية، وينتمي لأسرة عراقية هجّرها الطاغية صدام إلى إيران في سبعينيات القرن الماضي، وحصل صالحي على درجة البكالوريوس من الجامعة الأميركية في بيروت، وعلى درجة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية، من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة الأميركية.

وفي 2003م وقّع صالحي على البروتوكول الإضافي لاتفاق الضمانات، نيابة عن إيران. وفي 20 يناير 2004، تم ترشيح صالحي لمنصب المستشار العلمي لوزير الخارجية الإيراني، ثم الوكالة الذرية الإيرانية.

وفي 5 ديسمبر 2010م أعلن صالحي بلغة عربية سليمة لمندوب قناة العالم أن إيران قد أنتجت أول دفعة من مسحوق اليورانيوم المكثف المعروفة بالكعكة الصفراء.

ويبقى اختيار صالحي أفضل من المرشحين الآخرين وهم سعيد جليلي أو سفنديار رحيم مشائي نسيب نجاد ومستشاره ورئيس مكتب رئاسة الجمهورية فيما مضى، ونتمنى أن يكون تعيين صالحي إدراكا -ولو متأخرا- من نجاد بضرورة مد جسور الثقة مع دول الخليج العربي من خلال تعيين خريج للثقافة العربية في المرحلة الراهنة مع مطالبة دول مجلس التعاون أن تكون جزءا فاعلا من المفاوضات بين إيران والمجتمع الدولي حيال برنامجها النووي، يحتاج إلى أن يكون شاغل منصب وزير الخارجية على ألفة بالمصطلحات الخليجية التي تظهر اهتمامنا وقلقنا مما يجري على الضفة الأخرى من الخليج العربي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165277

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165277 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010