الأربعاء 15 كانون الأول (ديسمبر) 2010

عندما يستخف البرزاني بالعراقيين والعرب جميعاً

الأربعاء 15 كانون الأول (ديسمبر) 2010 par ياسر الزعاترة

لم يجد مسعود البرزاني حرجاً وهو يعلن بالفم الملآن للعراقيين والعرب جميعا أن من حق إقليم كردستان تقرير مصيره، وأن مدينة كركوك (المتنازع عليها) غير قابلة للتفاوض.

هذا التطور الجديد (القديم) يؤكد أن سياسة الاستخفاف بالعراقيين والعرب جميعا التي مارسها كل من جلال طالباني ومسعود برزاني بالعراقيين ليست في وارد التوقف في الأمد القريب، وقد أثبتت الأحداث أن سياسة حافة الهاوية والمغامرات بشتى أنواعها لم تغادر عقل الرجلين وسلوكهما السياسي.

منذ ملامح الاحتلال الأميركي للعراق وضع الزعيمان، على ما بينهما من تناقضات وحروب ودماء، وضعا نفسيهما في خدمة الأميركان، ليس في مضمار الغزو العسكري نفسه، ولكن تاليا في سائر الترتيبات السياسية التي صاغها المحتلون على أمل المساهمة في إنجاح مشروعهم.

طوال الوقت كان طالباني عراب الصفقات التي تتم بين الأميركان والمنخرطين في العملية السياسية، حيث وجد في القادمين على ظهر دبابة الاحتلال من زعماء بعض القوى الشيعية عونا له في تمرير اللعبة، وعندما كان الممثلون المفروضون على العرب السنة من الحزب الإسلامي وجبهة التوافق يتلكؤون في تمرير تلك الصفقات، كان طالباني يسوّقها عليهم تحت وابل من التحذير من خطورة التغول الشيعي، مذكرا بأنه سنّي أيضا، مع أنه رجل يعبد مصلحته، تماما كما هو شريكه اللدود مسعود برزاني.

وفيما نجح الرجلان في تثبيت وضع الإقليم الكردي كإقليم شبه منفصل يأخذ من حصة المركز أكبر من حقه، فإن شهيتهما للمزيد لم تتوقف في لحظة من اللحظات. وقد تمكنا من خلال ابتزاز القوى الشيعية بإمكانية انقلاب الأميركان عليها من الحصول على مكاسب كبيرة في حكومة المركز من دون التخلي عن وضع ما يشبه الاستقلال، لكن الموقف ما لبث أن أخذ يتغير عندما تمكنت تلك القوى من تثبيت وضعها الداخلي، بخاصة بعد تمكن نوري المالكي من السلطة.
خلال الأعوام الأخيرة بلغ الاستفزاز مداه، حيث بدأ الإقليم الكردي بضخ النفط مباشرة من دون الرجوع إلى المركز بعد اتفاق لم يكن للحكومة فيه دور يذكر، ما يعني شكلا من أشكال التمرد والابتزاز، لكن الموقف ما لبث أن تطور على نحو دراماتيكي عندما قام برلمان الإقليم الكردي بإقرار الدستور الجديد، واضعا فيه بنودا تستخف بالعراقيين الآخرين، في ذات الوقت الذي تستخف فيه بالجوار العربي والإسلامي، الأمر الذي يتبدى فيما يشبه الانفصال، وأقله التهيئة لانفصال لا يحتاج غير قرار هامشي سريع.

في الدستور الجديد بدأ استخفاف زعيمي الأكراد بالعراقيين والعرب من خلال الديباجة التي يعرف الجميع أنها بالغة الأهمية في الدساتير بتحديدها لروحيته العامة، حيث تضمنت نفي تبعية الإقليم الكردي تاريخيا للعراق أو العرب، وهو ما يعني التمهيد النفسي للانفصال.

أما الجانب الأكثر استفزازا في الدستور فيتعلق بمساحة الإقليم الكردي الذي أضيفت إليه ضعف مساحته الحالية بضمّ 15 منطقة جديدة تتبع محافظات نينوى وديالي وصلاح الدين، فضلا عن كركوك، المدينة المتنازع عليها بين العرب والأكراد والتركمان. بعد ذلك تحدث الدستور عن تقرير المصير، وعن صلاحيات لرئيسه وبرلمانه تتناقض مع صلاحيات الحكومة المركزية، وليكون في المحصلة أشبه بدولة أخرى، وليس مجرد إقليم داخل دولة فيدرالية.
لقد بات واضحا أن الزعيمين الكرديين يستخدمان التناقض مع العرب وسيلة لإخفاء مصائب سياساتهما داخل الإقليم الذي يديرانه كما لو كان مزرعة لهما، وليس إقليما لشعب دفع الكثير من التضحيات في صراعاته مع النظام والجوار، فضلا عن ضحايا بلا عدد دفعهم في صراعات الحزبين فيما بينهما.

من هنا آن الأوان لكي يقال لهما من دون مواربة إن عليهما التوقف عن استفزاز العراقيين والعرب، وإن بوسعهما الانفصال بإقليمهما إن أرادا ذلك، ولكن ضمن الحدود القائمة، وليس ضمن حدود جديدة، وأي محاولة للتمدد خارج إرادة العراقيين ستواجه بكل قوة.

نعم، بوسعهما أن ينفصلا بالإقليم، وأن يتحملا تبعا لذلك ما سيترتب على الموقف من ردود أفعال من قبل دول الجوار (سوريا وإيران وتركيا)، وجميعها ترفض الانفصال، أما البقاء في وضع استقلال عملي مع استفادة من المركز، معطوفا على طموحات جغرافية، فلا يمكن أن يكون وصفة للهدوء والتوافق بين العراقيين.

من الأفضل بالطبع أن يتحدث بعض العرب إلى عقلاء آخرين داخل الإقليم، ويذكرونهم وعموم الشعب الكردي بالروابط بينهم وبين العرب والمسلمين، وخطورة تحويل الإقليم إلى مرتع للموساد الإسرائيلي، وأفضلية العلاقة الطيبة مع إخوة الدين على لغة الاسخفاف والانفصال، فلعل ذلك يساهم بمرور الوقت في تقليم أظافر الزعيمين، ومن ثم استعادة الشعب لحريته وإرادته بدل المقامرة بدمائه في معارك جديدة معروفة النتائج، لكن ذلك سيبقى رهنا بخروج المحتلين واستعادة السيادة الكاملة، إلى جانب توافق عراقي داخلي سيكون صعب التحقيق في ظل الوضع الذي أنتجه الاحتلال، لكنه يغدو ممكنا في ظل تفاهم عربي إيراني تركي على صيغة معقولة لإدارة البلد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 58 / 2165551

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

32 من الزوار الآن

2165551 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 32


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010