الأحد 12 كانون الأول (ديسمبر) 2010

الولايات المتحدة والتغطية على البرنامج النووي «الاسرائيلي»

الأحد 12 كانون الأول (ديسمبر) 2010 par علي بدوان

بتأثير مباشر من الموقف الأميركي المساند لإسرائيل، فشلت المساعي الدولية التي بذلت خلال يومي 23- 24/9/2010، في مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالعاصمة النمساوية فيينا، للتقريب بين وجهتي نظر المجموعة العربية ومعها دول عدم الانحياز من جهة، والولايات المتحدة ومعها مجموعة الدول الغربية من جهة ثانية، وذلك على ضوء الاقتراح العربي المقدم بشأن استصدار قرار يتعلق بالملف النووي الإسرائيلي، وإجبار إسرائيل الصهيونية على الانضمام إلى معاهدة الحد من الانتشار النووي، وإخضاع منشآتها النووية للتفتيش.

وهذه ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها الولايات المتحدة مواقف تغطي فيها على الملف النووي الإسرائيلي، فقد سبق أن اتخذت مواقف مشابهة عبر أكثر من محطة مؤتمريه دولية تناولت منع انتشار السلاح النووي، ومنها مؤتمر المراجعة الذي عقد في نيويورك في أيار الماضي ودعا بإجماع الدول الأعضاء إلى انضمام «إسرائيل» لمعاهدة حظر الانتشار النووي.

إن الولايات المتحدة ومعها معظم دول غرب أوروبا تستند في مواقفها إياها إلى ذرائع شتى، منها الحديث عن «ضرورة تجنب أي قرارات تضر بعملية السلام في الشرق الأوسط»، وهو ما عبر عنه سفير الولايات المتحدة لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية غلين ديفيز في الاجتماع الأخير للوكالة، الذي طالب الدول العربية بـ«سحب مشروع قرار يدعو إسرائيل إلى توقيع معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، محذراً من أن مشروع القرار يوجه إشارة سلبية إلى محادثات السلام في الشرق الأوسط».

ويلحظ أن الادعاء الأميركي المشار إليه أعلاه، فارغ يخفي ما وراءه من انحياز فاقع لمصلحة إسرائيل الصهيونية، ويدل على المواقف غير المتوازنة التي تحكم الرؤية الأميركية للقضايا الدولية بشكل عام. وللأسف فإن معظم دول أوروبا الغربية انحازت وانساقت تلقائياً لهذه الرؤية.

وفي هذا الإطار، تقدمت الفلبين في الاجتماع الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بمشروع قرار توفيقي لجسر الهوة بين الموقف الأول الذي تمثله المجموعة العربية ومعها دول عدم الانحياز، والموقف الثاني الذي تمثله الولايات المتحدة ومعها معظم دول أوروبا الغربية، والذي وافقت عليه المجموعة العربية ومجموعة دول عدم الانحياز، رغبة في التوافق وتفادياً للمواجهة داخل المؤتمر العام، إلا أن الولايات المتحدة رفضته، وانتهى الأمر على أن يتم طرح الموضوع في الدورة القادمة من اجتماعات الوكالة، بعد أن أخفق مشروع القرار الذي طرحته الدول العربية في الاجتماع في الحصول على التأييد بهدف إلزام إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي. حيث فشلت الجمعية العامة للوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تضم (151) دولة، في تمرير القرار الذي رفضته (51) دولة وأيدته (46) دولة وامتنعت (23) دولة عن التصويت عليه.

في هذا السياق، شكلت التفاهمات الجديدة التي أعلن عنها بين واشنطن وتل أبيب بعد الاجتماع الذي عقد قبل عدة أشهر في الولايات المتحدة بين بنيامين نتنياهو والرئيس باراك أوباما، والمتعلقة بالملف النووي الإسرائيلي، والتي أعلن عنها عبر تصريح علني للرئيس أوباما بعد انتهاء اجتماعه مع نتنياهو وضمن بيان خاص صدر عن البيت الأبيض، شكلت خطوة كبيرة في مجال التستير والحماية الأميركية لـ(الغموض النووي الإسرائيلي) وللبرنامج النووي لتل أبيب الذي مازال حتى الآن يتمتع بصفة وميزة «طي الكتمان الشديد» منذ أن تم العمل على إقامته في خمسينيات القرن الماضي بإشراف فرنسي مالبث أن تحول إلى إشراف أميركي خالص.

وقد برزت فجاجة الموقف الأميركي واضحة وصارخة في التفاهمات الأخيرة، عبر إعلان واشنطن التزامها بإحباط أي مشروع قرار دولي يلزم «إسرائيل» بالموافقة على مراقبة دولية على ملفها ومنشآتها النووية في منطقة ديمونا في صحراء النقب، وفي باقي مناطق فلسطين المحتلة عام 1948، فضلاً عن إقرار توسيع رقعة التعاون الأميركي مع «إسرائيل» في المجال النووي المدني وفقاً للمصادر الأميركية ذاتها، ومساعدة إسرائيل على إنتاج طاقة ذرية رغم رفضها التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي.

والأنكى من ذلك، أن الإدارة الأميركية تعهدت لنتنياهو باتخاذ موقف حازم إذا تم عقد مؤتمر دولي لنزع السلاح النووي وتحييده عن منطقة الشرق الأوسط بإبعاد «إسرائيل» عن الموضوع، إضافة لإدراج الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والصواريخ البالستية البعيدة المدى على جدول أعماله في إشارة لاستهداف بعض الدول العربية وعلى رأسها سورية.

ووفقاً لما قيل بشكل شبه مؤكد فإن لقاء أوباما نتنياهو الأخير في واشنطن، أسفر أيضاً عن اتفاق يلزم الولايات المتحدة بالعمل على ضم «إسرائيل» إلى الهيئة الدولية للدول التي تتاجر بالمواد النووية على الرغم من عدم انضمام «إسرائيل» إلى المعاهدة الدولية للحد من الأسلحة النووية، وهو ما سيتيح لـ«إسرائيل» الفرصة لتطوير مشاريع نووية مختلفة، كما أن ذلك يعبر عن ثقة الولايات المتحدة في السياسة النووية الإسرائيلية. كما وعد الرئيس الأميركي بتزويد إسرائيل بوقود نووي لاستخدامه للأغراض المدنية وذلك على الرغم من أن إسرائيل لم توقع على الميثاق الذي يحظر انتشار الأسلحة النووية. وعلّل الرئيس الأميركي قراره هذا بكون إسرائيل دولة منتظمة وجادة (لاحظوا أن دولة فوق القانون مثل إسرائيل أصبحت دولة منتظمة وجادة).

ويأتي نشر تفاصيل هذه التفاهمات الجديدة بين تل أبيب وواشنطن على خلفية أمرين اثنين: أولهما رغبة إدارة أوباما في تقديم طمأنات وأثمان لإسرائيل الصهيونية تغطية على دفعها للقبول بوقف جزئي للاستيطان في فلسطين، وتليين مواقفها في المفاوضات مع السلطة الفلسطينية بحدود معينة. وثانيهما تمييع قرار مؤتمر الدول الموقعة على معاهدة (الحد من انتشار الأسلحة النووية) قبل شهرين، الذي دعا إسرائيل إلى الموافقة على إخضاع منشآتها النووية للمراقبة الدولية، وقد اتخذ هذا القرار على الرغم من الاحتجاج الشديد الذي أعربت إسرائيل عنه للإدارة الأميركية. ومن المعروف والمعلوم أن التعاون والتفاهمات القائمة بين واشنطن وإسرائيل حول المجال النووي سارية منذ ستينيات القرن الماضي.

إن الإدارة الأميركية بسعيها لإسقاط مشروع القرار العربي المشترك مع مجموعة دول عدم الانحياز، وسعيها لاستنفار كل نفوذها لدى دول العالم، بما فيها لدى دول «ميكروسكوبية» صغيرة للتصويت ضده، لم تنجح إلا في جمع (52) صوتاً مقابل (46) وامتناع (23) دولة عن التصويت في إشارة واضحة إلى ازدياد التململ العالمي من تسلّط الإدارة الأميركية ومن إمعانها في سياسة المعايير المزدوجة.

فالعالم عموماً، والعالم العربي والإسلامي خصوصاً، لم يعد يقبل بأن تكون مهمة واشنطن حماية ترسانة نووية صهيونية في منطقة خالية من السلاح النووي من جهة، ومن ثم مطاردة أي دولة عربية وإسلامية تسعى لتطوير قدراتها النووية لأغراض سلمية، فتلاحقها بالعقوبات وتهددها بالحرب، كما الحال مع إيران اليوم، أو كما جرى مع العراق عام 1980 حين نجحت الطائرات الصهيونية بغطاء أميركي وغربي بتدمير مفاعل تموز النووي. ولقد بات الرأي العام الدولي يدرك أكثر من أي وقت مضى أن المصدر الحقيقي للتوتر وعدم الاستقرار في العالم، والبيئة الحقيقية لنمو التطرف والغلو بكل أشكالهما، إنما تعود كلها إلى هذا الإمعان الأميركي خصوصاً، والغربي عموماً، في انتهاج سياسة الكيل بمكيالين في العديد من قضايا العالم ولاسيّما قضايا العرب والمسلمين.

وعليه، إن الولايات المتحدة تحاول الآن (الاستمرار والاستمراء) في سياسة التغطية على الملف والبرنامج النووي الإسرائيلي، والادعاء بأن «إسرائيل» تعيش «حالة أمنية فريدة» من نوعها، وأن لها الحق في تقرير حاجاتها الأمنية (طبعاً لا يوجد حاجات أمنية للشعب الفلسطيني المحاصر من وجهة نظر واشنطن) في إشارة واضحة إلى أن الولايات المتحدة تؤيد إستراتيجية إسرائيل النووية. وزاد الرئيس أوباما ذلك بتعهد عنوانه: «السماح لإسرائيل بالاحتفاظ بحق الردع الذي يعني احتفاظها بقدرات إستراتيجية رادعة بحيث سيشكل أي غطاء دفاعي أميركي استكمالا لقدرة الردع الإسرائيلية ولن يحل محلها».

أخيراً، من الأهمية الاستمرار في تعبئة الرأي العام العالمي ضد السلاح النووي الصهيوني بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك تشكيل «خلية أزمة» في جامعة الدول العربية تواصل هذه التعبئة، وتستقطب دولاً جديدة لمصلحة الموقف العربي لتغيير نتائج التصويت في مرات قادمة، وبما في ذلك عقد «ملتقى عربي إسلامي عالمي» يدعم الموقف العربي الداعي إلى «منطقة شرق أوسط خالية من السلاح النووي».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165243

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165243 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010