السبت 11 كانون الأول (ديسمبر) 2010

وماذا لو حلت السلطة نفسها؟

السبت 11 كانون الأول (ديسمبر) 2010 par حسين العودات

نوه ا«لرئيس» محمود عباس في مقابلة أجراها معه التلفزيون الفلسطيني الأسبوع الماضي، إلى إمكانية حل السلطة الفلسطينية نفسها، إذا بقي السلوك الإسرائيلي (بتطرفه وصلفه) كما هو، واستمر الدعم الأميركي له على حاله، وإذا استمر الموقف الأميركي من الحقوق الفلسطينية ممالئاً لإسرائيل تجاه التسوية المحتملة.

ويبرز في هذا الإطار سؤال مشروع (ولو كان حذراً) وهو: ماذا لو تراجعت السلطة الوطنية الفلسطينية عن اتفاقيات أوسلو، والاتفاقيات التالية لها، وحلت نفسها، ووضعت الاحتلال الإسرائيلي أمام مسؤولياته؟ بمعنى أن يتحمل مسؤولية كل شيء في الأراضي المحتلة شأن أي احتلال، ليعود احتلالاً مباشراً تقليدياً بكل ما عليه من واجبات، ولتنتهي مزاعم الحكم الذاتي، والمناطق (أ، ب، ج) والستمئة حاجز التي تقطع أوصال الضفة الغربية، وتفصل المناطق عن بعضها، بل والقرى بعضها عن البعض الآخر، وربما تفصل الأحياء في المدن والبلدات عن الأحياء المجاورة.

عندما ناقشت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية مشروع اتفاق أوسلو عام 1993، قدمه المرحوم الزعيم ياسر عرفات على أنه اتفاق مرحلي يمهد لانسحاب شامل من الأراضي المحتلة، سرعان ما تتحول سلطة الحكم الذاتي الواردة فيه إلى حكومة دولة مستقلة، وبالتالي يهيئ المناخ للاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية العتيدة، وفي ضوء ذلك وافق أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير على المشروع (باستثناء الراحلين شفيق الحوت ومحمود درويش وعبد الله الحوراني، الذين رفضوا الموافقة واستقالوا)، واعترفت اللجنة بإسرائيل، واعتقد الجميع أن مرحلة السلام ابتدأت فعلياً وجدياً، وأن الطرفين دخلاها بمسؤولية وشجاعة.

قبل أوسلو كان الاحتلال الإسرائيلي حسب منطوق الاتفاقات الدولية ومقتضياتها، ومنها اتفاقيات جنيف والاتفاقية الرابعة على وجه الخصوص، مسؤولاً عن السكان تحت الاحتلال وعن مختلف شؤونهم واحتياجاتهم، فهو مسؤول عن التعليم والصحة والعمل والبنية التحتية، بكامل متطلباتها وتفرعاتها وتدبير شؤون السكان. وكان ذلك يشكل عبئاً حقيقياً وثقيلاً على الاحتلال الإسرائيلي، فليس أمراً سهلاً تحمل المسؤولية الكاملة عن حياة وشؤون حوالي ثلاثة ملايين نسمة، هم سكان الضفة وغزة.

وبعد أوسلو ألقيت هذه المسؤوليات بكاملها على السلطة الوطنية، ولأن هذه السلطة بدون موارد كافية، ولا حتى شبه كافية، تحولت المسؤولية إلى الدول المانحة (وأهمها الدول الأوروبية واليابان والولايات المتحدة)، وهكذا تخلص المحتل الإسرائيلي من أعباء الاحتلال، وصار احتلاله بدون تكلفة، بل رابحاً، لأن قسماً كبيراً من «المنح» يعود لإسرائيل على شكل بدل كهرباء ومياه تزود بها الأراضي المحتلة، وكانت قبل أوسلو ملزمة بأن تقدمها على حسابها أو تتحمل بعض تكاليفها، فضلاً عن تسرب قسم من هذه المنح لإسرائيل بدل استيراد بضائع منها، كالأغذية والأدوية واحتياجات الزراعة والصناعة، وتجهيزات متعددة الجوانب وغير ذلك. وفي النهاية تحول العبء الإسرائيلي إلى مرابح، والنفقات التي كانت مسؤولة عنها إلى موارد، في الوقت الذي ضبطت السلطة الفلسطينية الأمن بدلاً من القوات الإسرائيلية ووفرت عليها أعباء ضبطه، وصار الاحتلال الإسرائيلي أقل كلفة من أي احتلال في التاريخ!

لم تعد صلاحيات الحكم الذاتي الذي أُوكل للسلطة الفلسطينية بموجب اتفاقيات أوسلو، كما كانت عند إبرام الاتفاق، فلم يعد للسلطة إلا حفظ الأمن وبعض المهمات الأخرى الثانوية، وما زالت إسرائيل متواجدة من خلال الحواجز، وأعطت لنفسها الحق في مداهمة أية مدينة او قرية أو بيت في الأراضي المحتلة، بما في ذلك مداهمة بيوت ومواقع في (العاصمة) رام الله (لقد اعتقلت المناضل مروان البرغوثي في الساحة الرئيسية للمدينة). وهي ـ إن أرادت ـ تمنع السكان من مغادرة قراهم حتى إلى القرى المجاورة، وبالطبع تمنع مغادرتهم إلى خارج الأراضي المحتلة، وتخضع لها واقعياً المعابر والتواصل والاتصالات والشؤون كلها، وما زال الاستيطان مستمراً وقضم الأراضي متنامياً.

منذ توقيع اتفاقية أوسلو قبل سبعة عشر عاماً وحتى الآن، ما زالت إسرائيل تضيق الخناق على السلطة الفلسطينية، فهي ترفض أن تأخذ السلطة صلاحياتها التي نصت عليها الاتفاقية، بل وتجردها من الصلاحيات التي أخذتها في المراحل الأولى، حتى غدت السلطة عارية بدون صلاحيات ولا مهمات ولا وظائف، لا وطنية ولا إدارية، إضافة إلى أن إسرائيل تحاول أن تأخذ من السلطة اعترافاً بمشروعية الاحتلال والاستيطان، وترفض التراجع عن الاستيطان مقابل العودة للمفاوضات، مع أن انسحاب المحتل أمر بديهي ولا يحتاج لمفاوضات، ولا يحق للمحتل الإسرائيلي أن يفوز بغنيمة ضم الأرض، تحت أي مبرر قانوني أو أخلاقي، خاصة وأن القرارات الدولية كانت واضحة وصارمة تجاه انسحاب المحتل، كما أن استئناف المفاوضات لا يعني شيئاً، ولا يحل مشكلة، ولا يحتاج كل هذه التنازلات الفلسطينية المطلوبة، والمنح الأميركية لإسرائيل.

في ضوء هذا الواقع، يكون تنويه الرئيس عباس بإمكانية حل السلطة، ليس فقط أمرا مشروعاً، بل مجدياً وفعالاً، ويستحق أن تدرسه اللجنة التنفيذية والسلطة والفصائل الفلسطينية الأخرى، فلتعد إسرائيل لاحتلالها، ولتتحمل مسؤولياته المادية والسياسية، الإقليمية والدولية، ولتنتظر عندها على الأغلب، وحسب منطق الأمور وسيرورة التاريخ، انتفاضة ثالثة، بدلاً من أن تبقى السلطة الفلسطينية غطاء لاحتلال فعلي مضمر، وحكم ذاتي نظري، سائرة في طريق لا نهاية لها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165497

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165497 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010