السبت 4 كانون الأول (ديسمبر) 2010

مذبحة السلام

السبت 4 كانون الأول (ديسمبر) 2010 par طلال عوكل

كالسراب في صحراء واسعة قاحلة تبدو عملية السلام التي يراهن الكثيرون على أن تصل بها قوة الدفع الأميركي إلى شطآن التحقق. الشك في إمكانية تحقيق السلام يحوم بالدرجة الأساسية حول الدور الأميركي، ذلك أن البحث عن ممكنات تحقيقه في السياسة الإسرائيلية لهو أمر يساوي ضربا في الرمل.

منذ اليوم الأول لدخوله البيت الأبيض، أبدى الرئيس باراك أوباما حماسة غير معهودة على أسلافه لتحقيق السلام، وكان ذلك استناداً إلى رؤيته لطبيعة المصالح والاستراتيجيات الأميركية كما يعترف الأميركيون، وليس لسواد عيون الفلسطينيين أو العرب.

كانت المراهنات الأميركية تذهب إلى حد أن صيف عام 2011 سيشهد قيام دولة فلسطينية، غير أن الناطق باسم البيت الأبيض فيليب كراولي، بدد هذا الرهان مؤخراً حين قال، إنه من غير المؤكد أن يحصل ذلك خلال الوقت الذي تحدث عنه الأميركيون وبني عليه الدكتور سلام فياض رئيس حكومة تصريف الأعمال خطة حكومته التي تتطلع إلى استكمال بناء مؤسسات الدولة التي يفترض أن ترى النور أواسط العام 2011. وخلال العامين الماضيين من عمر إدارة أوباما، أصيب الواهمون بخيبة أمل متلاحقة حيث افتقدت الإدارة الأميركية القدرة على المبادرة، وبالكاد تستطيع ملاحقة المبادرات الإسرائيلية التي تنقل الأميركيين والفلسطينيين والعرب من مطب إلى أخر.

بعد قضية الاستيطان التي تقدمت كعنوان رئيسي أدى رفض الحكومة الإسرائيلية تجميده إلى تعطيل المفاوضات، ألقى نتانياهو في مرمى الجميع كرة ساخنة أخرى هي اشتراطه موافقة الفلسطينيين على يهودية الدولة، ثم تتابعت الكرات الساخنة.

من الواضح أن الميل المتسارع للسياسة الإسرائيلية نحو العنصرية، قد أملى على حكومة نتانياهو، تقديم جملة من مشاريع القوانين لإقرارها في الكنيست، بما يستكمل ملامح إستراتيجية، لا تتفق مع ما هو أقل من الحد الأدنى الذي يتطلع إليه الفلسطينيون.

قانون قسم الولاء لإسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية، يقدم مؤشراً أكيداً على أن إسرائيل قد أهالت الكثير من التراب على حق عودة اللاجئين، بل وفتحت على الفلسطينيين أبواب جهنم حيث عليهم أن يتوقعوا أن سياسة إسرائيل تصل إلى حد طرد نحو مليون ونصف المليون فلسطيني المتمسكين في أرضهم المحتلة منذ عام 1948. قد لا يحصل هذا دفعةً واحدة، لكن دفعة أخرى من القوانين واللوائح والإجراءات تتبعها الحكومة الإسرائيلية، وإدارات الحكم المحلي، من شأنها أن تعمق سياسة التمييز والفصل العنصري بحق القرى والبلدات والمدن الفلسطينية ومواطني إسرائيل من الفلسطينيين والعرب.

بعد هذا القرار، صدر قرار بمنح القدس مكانة الأفضلية القومية، بما يعني تقديم عديد الحوافز، في السكن والتعليم والصحة، والخدمات، لتشجيع المستوطنين على الانتقال إلى القدس، ولتعميق الطابع اليهودي، وتغيير الميزان الديمغرافي لصالح اليهود.

أما القرار الأهم الذي يتوج ويلخص السياسة الإسرائيلية تجاه القدس، ويمنع ملفها من التداول في بورصة المفاوضات والمساومات، فهو الذي تقدمت به الحكومة إلى الكنيست خلال الشهر الماضي، ويقضي بإحالة أي تسوية بشأنها إلى الاستفتاء العام. هذا القرار يعني أن الإمكانية لأية تسوية تلبي طموحات وحقوق الفلسطينيين في مدينة القدس التي جرى توسيعها بأحزمة استيطانية حتى أصبحت تشكل 20% من أرض الضفة الغربية، بعد أن كانت نحو 16%، نقول إن القرار يسحب صلاحية كل الحكومات الإسرائيلية بما في ذلك الحالية، من التصرف بشأن القدس.

الغريب في الأمر أن الولايات المتحدة اعتبرت القرار شأناً داخلياً إسرائيلياً، متجاوزةً كونه مخالفا للقوانين والقرارات الدولية التي تحظر على دولة الاحتلال تغيير طابع المناطق التي تحتلها، وتلك القرارات تعتبر القدس الشرقية جزءاً لا يتجزأ من الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967.

على أن الأغرب من ذلك هو أن يكتفي الفلسطينيون والعرب، بإصدار تصريحات وبيانات الشجب والاستنكار والتحذير، إزاء أمر من شأنه أن يطيح بكل المراهنات على إمكانية تحقيق السلام سواء كان مع الفلسطينيين أو مع سوريا، حيث يشمل القرار الجولان المحتل.

إسرائيل كانت قد بادرت إلى ضم القدس بعد احتلالها مباشرةً، لكن المجتمع الدولي بما في ذلك الولايات المتحدة لم يعترف بالقرار الإسرائيلي وظل يعتبر القدس جزءاً لا يتجزأ من الأرض المحتلة عام 1967، والتي تشكل الميدان الواقعي لأية تسوية سياسية. في وقت لاحق لقرار رهن القدس والجولان لاستفتاء عام، أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها بصدد تقديم مشروع قانون للكنيست للارتفاع بمستوى التعامل مع القدس، إلى كونها العاصمة الأبدية الموحدة لإسرائيل.

في الواقع فإن كل هذه الإجراءات والقرارات والقوانين الإسرائيلية المتلاحقة، تفرض على الفلسطينيين أمراً واحداً، وهو مراجعة الخيار الذي يعتمدونه، ذلك أن المفاوضات وفق ما تعلنه وتقوم به إسرائيل، لا يمكن أن تؤدي إلى تسوية مقبولة، ولا يمكن أيضاً استمرار المراهنة على نزاهة الدور الأميركي الذي يتكيف في كل مرة مع السياسات والقرارات الإسرائيلية. لم يعد ثمة أي مجال للمفاوضات، ومن غير المنطقي ولا المقبول أن يظل البعض في السلطة الفلسطينية يتحدث عن تجميد الاستيطان كشرط لاستئناف المفاوضات، فحتى لو أن إسرائيل وافقت على الطلب الأميركي بوقف النشاطات الاستيطانية لثلاثة أشهر، فإن إسرائيل قد حددت مسبقاً طابع المفاوضات، والموقف العملي إزاء كل قضية من قضايا الحل الدائم.

لا حل لدى إسرائيل لموضوع القدس، ولا حل لدى إسرائيل لموضوع اللاجئين، بل إنها تتجه لطرد مواطنيها من الفلسطينيين، وإسرائيل لا توافق على رسم حدودها، وهي ستواصل توسعاتها الاستيطانية، ومنطقة غور الأردن التي تشكل ثلث مساحة الضفة، هي منطقة إستراتيجية لإسرائيل. إذا ما الذي تبقى من مفردات الحل، وما مغزى التفاوض، وما الذي يتوقعه الفلسطينيون في حال استؤنفت المفاوضات؟ لقد انتهت المهلة الأخيرة التي منحتها لجنة المتابعة العربية لواشنطن، دون أن تتمكن الإدارة الأميركية من تغيير الموقف الإسرائيلي، ولذلك بات على الفلسطينيين والعرب أن يراجعوا خياراتهم واعتماد خيارات أخرى تتجاوز حالة الضعف والتمزق والهوان التي تجعل إسرائيل تستبيح حقوقهم وكرامتهم وأمنهم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2165279

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165279 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010