السبت 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

شد الحبل في لبنان

السبت 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 par طلعت رميح

ما يجري الآن في لبنان، ليس مواجهة سياسية بين الأطراف اللبنانية بشأن شهود الزور أو حتى بشأن المحكمة الدولية فقط، بل هو خلاف سياسي داخلي متأجج وحالة صراع داخلي متجددة يستهدف من خلالها، طرفا الصراع، تعديل التوازنات وتغيير تركيبة السلطة السياسية في لبنان، انطلاقا من تلك الخلافات الجارية الآن، والتي لو لم تكن جارية بحد ذاتها، لكان هناك غيرها.

واقع الحال أن المتابع بدقة لما يجرى في هذا البلد، يكتشف أن الأساس أو السبب الذي يمنع الوصول إلى حلول توافقية حول مختلف القضايا العالقة بين الطرفين المتصارعين في لبنان –من محكمة دولية أو شهود زور أو غيرها-هو أن ثمة صراعا داخليا حقيقيا بين الأطراف اللبنانية، لأسباب تتعلق بمحاولة السيطرة على الدولة اللبنانية وتوجهات سياساتها وتحيزاتها الداخلية والعربية والإقليمية والدولية، إذ مشكلة الطائفية ليست انقساما في العقائد والأفكار والعادات فقط، وإنما في التطلعات للسيطرة على مراكز النفوذ في الدولة وعلى مؤسساتها وسياستها.

في المشهد المتواتر أمامنا في لبنان، تحاول جماعة 14 مارس إفقاد حزب الله وحركة أمل أحد أهم مقومات قوتهما وهو
امتلاك عنصر القوة العسكرية –سلاح المقاومة- باعتبار أن هذا السلاح هو ما يجعل الصراع الطائفي والسياسي الداخلي محسوما سلفا لمصلحة حزب الله وحركة أمل، بينما تستهدف مجموعة حزب الله وحركة أمل تغيير الدولة اللبنانية وتوجهاتها، لتكون في خدمة رؤاها الإستراتيجية أو مصالحها على اعتبار أنها تمتلك عنصر القوة الذي ترى ضرورة ترجمته في ميزان السيطرة على جهاز الدولة وسياساتها.

وفي المشهد المتواتر والمتوتر أمامنا، فنحن نتابع عملية مخططة لشد الحبل حول عنق جماعة 14 مارس، حتى تطلب الإفلات في مقابل رضوخها لشروط الطرف الآخر الذي يسعى إلى مقايضتها بين البقاء في السلطة أو الذهاب إلى المجهول الذي تتسع تفسيراته وتتعدد. بينما جماعة 14 مارس تحاول عدم الوصول إلى لحظة الاختيار بين الاختناق والاستسلام، من خلال شد الحبل الدولي حول عنق الجماعة الأخرى، لأسباب داخلية بالأساس وليس فقط لأسباب خارجية.

الآن يشدد حزب الله وحركة أمل على مطالبة تيار المستقبل وجماعة 14 مارس، بالاختيار بين المحكمة الدولية وتداعياتها من حسم بالعنف سيطال كل شيء وفي كل مكان وأي شخص، أو التنازل عن المحكمة والقبول بالعيش في هم فيه تحت سطوة القوة.بينما تسعى جماعة 14 مارس للتمسك بخيار المحكمة الدولية مع عدم الانجرار إلى لحظة حسم تبدو غير قادرة على مواجهتها بالمثل.

لكن الحديث عن المحكمة الدولية وغيرها لا يعني أن الصراع هو لمصلحة الخارج فقط، إذ يبقى الأساس هو أن الصراع داخلي ويجري للسيطرة على السلطة، وفى ذلك فإن كل طرف يسعى للسيطرة عليها وعلى القرار السياسي للدولة، وكل الخلافات وما يطرح من شعارات حول بقية القضايا المتفجرة ليس إلا أمور تتعلق بلحظات الاشتباك المتبدلة بين مرحلة وأخرى. لكل طرف مشروعه الداخلي ولكل طرف ارتباطه الخارجي، لكن القضية الأصل هي فكرة السلطة، وفي ذلك يستعين كل طرف بمن يستعين به في الخارج. ولذا فإن الخلاف والصراع لن يتوقف حتى وإن سيطر أحدهما على السلطة، إذ سيظل الصراع قائما في لبنان، طالما لم يستقر هذا البلد على مشروع للدولة يعتمد على فكرة المواطنة، وهو أمر يتحرك بعيدا طوال الوقت ولا يقترب يوم تحققه في لبنان.

سلاح حزب الله

تبدو مسألة سلاح حزب الله هي القضية الأساس في الصراع الراهن -لكنها ليست القضية النهائية –إذ لو انتهت تلك القضية ولو حتى تبخر السلاح في الهواء، لظل الصراع مستمرا في لبنان أيضا. الصراع على بقاء هذا السلاح يحمل عدة أبعاد أساسها ليس المواجهة مع إسرائيل فقط. هناك بعد يتعلق بدور هذا السلاح في مقاومة وهزيمة إسرائيل، وفى ذلك يبدو الأمر فعليا وعمليا، إذ ولد هذا السلاح وحصل على شرعيته خلال مواجهة إسرائيل وفي عملية إنهاء احتلالها للأراضي اللبنانية، وفي ذلك ينظر حزب الله لوجود السلاح باعتباره ضرورة وطنية لكنه ينظر إليه كضرورة حماية للمقاومة أيضا، إذ إن أي تخلى عن هذا السلاح لا يعني فقط افتقاد لبنان لقوة في مواجهة إسرائيل، بل هو يعني أيضاً أن حزب الله ومقاتليه أصبحوا تحت رحمة الكيان الصهيوني وخصوم حزب الله في داخل لبنان أيضا. ولهذا السلاح دور إقليمي وعربي أيضا، إذ إن مواجهة إسرائيل ليست أمرا يتعلق بمصالح لبنان فقط، بل هي عملية ترتبط بالتوازنات في الوطن العربي وفي الإقليم أيضا. فمن ناحية لا يمكن لسوريا استكمال منظومة المواجهة مع إسرائيل دون الاعتماد على دور سلاح حزب الله الذي يكاد يصبح جزءا من منظومة الأمن الوطني السوري في الظروف الراهنة. وهو جزء من التوازنات في الإقليم سواء بالنسبة لإيران أو على صعيد رؤية إسرائيل لهذا السلاح. وهناك بعد يتعلق بعلاقة هذا السلاح بالدولة اللبنانية سواء على الصعيد السياسي أو العسكري، لذا أثيرت قضية الضبط والدور السياسي للسلاح في مواجهة الدولة. وهنا تطرح توجهات مختلفة وتعددت لكل منها انتماء وبعد وهدف سياسي. غير أن البناء الوطني اللبناني على أساس الطائفية لا يجعل هذا السلاح بعيدا أبدا عن الوضع الطائفي سواء على صعيد نظرة الطوائف الأخرى أو حتى على صعيد الطائفة التي ينحدر منها حزب الله، إذ الحزب في مكونه البشرى هو حزب من طائفة واحدة، والدور الوطني لحزب الله وسلاحه ممزوج أيضاً بالوضع الطائفي. وفي ذلك وبعيد عن وجود رؤية طائفية لدى الحزب من عدمه فإن أحدا من الطوائف الأخرى لا يتصور أن سلاح حزب الله هو سلاح عابر للطوائف في لبنان أو أن دوره غير موجود في معادلات وتوازنات القوة الطائفية في بلد الطائفية فيه أساس الصراع السياسي والوجود المجتمعي وبناء الدولة. وهنا يبدو أن جماعة مارس تركز نظرها على هذا السلاح من الزاوية الطائفية أكثر مما تراه عابرا للطوائف وتطالب بنزعه لتعديل التوازن الطائفي، بينما يركز حزب الله على البعد والدور الوطني لهذا السلاح، ليس فقط لأن هذا السلاح ذو دور وطني ولكن أيضاً لأن تحويل هذا السلاح إلى حالة طائفية إنما يفقد هذا السلاح بريقه ودوره ويمثل دافعا للآخرين إلى التسلح على أساس الأرضية الطائفية، إذ ظهور هذا السلاح برؤية طائفية إنما يولد صراعا طائفيا ضده على صعيد الدور والمهام.

خطط الصراع

إذا أردنا معرفة خطط الصراع الجاري في لبنان، فيمكن اعتماد ذات الخريطة التي ذكرها أمين عام حزب الله بغض النظر عن التوجهات التي ذهب إليها في استخلاصاته ورؤيته لأسباب وأهداف الصراع، إذ هو ركز على البعد الخارجي للصراع وربط بين مراحل الصراع والخطط الصهيونية والأمريكية دون البعد الطائفي أو الداخلي للصراع.

في بداية الصراع الذي تفجر عقب اغتيال الحريري، ركزت جماعة 14 مارس على فكرة إخراج القوات السورية من لبنان لأسباب متعددة، منها أن تلك القوات كانت في صف من يملك السلاح في لبنان، كما هي مثلت ضمانة لاستمرار معادلة الدولة المسخرة لفكرة المقاومة وسلاحها من جهة ولفكرة استمرار دور جهاز الدولة في العمل كملحق لسلاح حزب الله، ولأن وجود تلك القوات يمنع تسلح الطوائف والقوى الأخرى، إذ هي دخلت لبنان باعتبارها قوة ردع لحركة الطوائف المسلحة.
وإذ تحقق الانسحاب السوري فقد تحولت قوى 14 مارس نحو ذات الرؤية التي تحدث عنها كثير من المحللين العرب بشأن جذب سوريا من إيران، لكن وفق صياغة لبنانية، إذ جرى التحرك نحو سوريا بهدف جذبها إلى علاقات مع 14 مارس، لتضييق الخناق على حزب الله بقطع شرايين أوردته عن طريق فصله عن سوريا من جهة أو عن طريق قطع طريق الصلة بينه وإيران -أي عبر سوريا –من جهة أخرى. لقد جرت محاولة للفصل بين المقاومة وسوريا، لتتفرغ جماعة 14 مارس للتركيز من بعد على فكرة سلاح المقاومة من زاوية وبعد طائفي، على اعتبار أن استمرار البقاء في السلطة لا يمكن أن يجري دون تغيير معادلة امتلاك القوة العسكرية.

وفي المقابل ركزت المقاومة على الدور الوطني لسلاح حزب الله من جهة وعلى التحالف الإستراتيجي بينها وسوريا من جهة أخرى. وحين خرجت القوات السورية من لبنان لم تضع وقتا بل وضعت خططا لملء الفراغ ولمواجهة احتمال اعتداء إسرائيلي، كما عملت على نسج علاقات داخلية وعقدت تحالفات أوسع لم يكن لها أن تقيمها في ظل وجود القوات السورية،
بما جعلها تسير خطوات أبعد لتغيير توازنات السلطة.

وحين تحركت جماعة 14 مارس لتمس منظومة المقاومة من باب شبكة الاتصالات الخاصة بها، تحرك حزب الله وحلفاؤه بهذا السلاح في الشأن الداخلي، وإذ اعتبرت جماعة 14 مارس ما جرى انتصارا على صعيد البعد الطائفي للسلاح، فإن هذا السلاح قد حسم المعركة وجعل الجماعة تقدم تنازلات متتالية والأهم أنه حولها إلى حالة الدفاع الدائم عن النفس.
والآن إذ يتواصل الصراع، تحت يافطة المحكمة الدولية، فكل عناصر القوة غيرت مكانها. لقد جرى تحول من اتهام سوريا ضمن إطار محاولة تركيز الهجوم على حزب الله وسلاحه، وترجم الأمر من بعد لاتهام حزب الله ذاته، بما أوصل الأمور حدة الاحتقان الحالية، لكن توازن القوى لم ظل على حاله بل تحرك كثيرا.

المرحلة الراهنة

في الوصول إلى المرحلة الراهنة، كانت قد جرت تغييرات كثيرة عنوانها وصول جماعة 14 مارس إلى وضع خطر، سواء بفعل التغييرات على الصعيد الداخلي أو بفعل الأوضاع المتغيرة في الإقليم. لقد تشكلت كتلة وسط أكبر مما كان متوقعا في لبنان، وكان ذلك أحد أهم مؤشرات التغيير الحادث في وضعية جماعة 14 مارس، إذ التغيير الذي جرى في وضعية وليد جنبلاط وتياره، لم يجر إلا على حساب قوة تلك الجماعة. وفي المقابل تقوى الطرف الآخر على صعيد قوته الذاتية وعلى صعيد نفوذه لدى السكان والرأي العام. وعلى الصعيد العربي، كان ما حدث من تعاظم لقدرات سوريا بفعل تطور علاقاتها مع تركيا وبسبب تآكل الحصار الغربي حولها قد صب عربيا وإقليميا في مصلحة حزب الله وحلفائه. وفي المقابل لم تتغير أوضاع القوى العربية الداعمة لجماعة 14 مارس، وإن كان البعض يراها تراجعت بحكم الصلف الإسرائيلي الذي جعل قوى الاعتدال تظهر بمظهر غير القادر على فعل شيء في المنطقة، بما يؤدي إلى تدعيم وضعيتها.

وعلى صعيد الإقليم، جرت تبدلات جعلت تحالف حزب الله وحركة أمل مرتكنتا إلى قوة متوسعة تفرض هيمنتها بشكل متصاعد على القرار السياسي الإقليمي، وهو ما ظهر جليا في الحالة العراقية إذ فرضت إيران من أرادت على السلطة السياسية في العراق المحتل أمريكيا. وفي المقابل تراجعت القوة الداعمة لجماعة 14 مارس. لقد تراجع الدور والنفوذ الأمريكي في الإقليم بما أضعف كل الحلفاء في الإقليم.

وهكذا وفقا للتوازنات صار حزب الله وحركة أمل في وضع داخلي وعربي وإقليمي يسمح بشد الحبل حول عنق جماعة 14 مارس، التي لم تجد أمامها سوى مراوحة مكانها والهجوم في لحظات استثنائية، واعتماد خطة “الدفاع المتحرك” كأفضل وضعية تتيحها لها توازنات القوة على الأرض.

في خطة الهجوم الراهن من قبل حزب الله ومن معه، فالهدف المباشر هو إخراج لبنان الرسمي من حالة مساندة القرار الظني والمحكمة الدولية، وفى دفاع 14 مارس، يجري العمل الدفاعي بهدف الوصول إلى تهدئة تسمح بتمرير صدور القرار ولجعل حزب الله وحلفائه في مواجهة الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، تحت مسمى المجتمع الدولي.

المعركة القادمة

في المعركة التي تطرق الأبواب، يتحدث حلفاء حزب الله عن 10 سيناريوهات للتعامل مع القرار الظني وتداعياته، وفي ذلك يميل غالب القول للتشديد على فكرة الحسم العسكري. وفي المقابل تبدو جماعة 14 مارس في موقف الصامد الذي يحاول القول بأنه لا يخاف التهديدات لكن الجماعة تحرص كليا على دفع المواجهة من مواجهة مباشرة معها إلى مواجهة بين حزب الله والخارج.

وهنا ورغم كل هذا البعد الخارجي، فإن أهم ما تبرزه الأحداث هو أن الصراع الداخلي هو الأصل والمحور، وأن سلاح حزب الله هو العامل الحاسم في تغيير التوازنات وتوجهات الدولة وسياساتها. الصراع في لبنان ليس له حل إلا إلغاء الطائفية، بغض النظر عن كل الأبعاد الأخرى!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2182152

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2182152 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40