السبت 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

“أمن إسرائيل” بلا حدود

السبت 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 par د. عصام نعمان

لا تعريف متفقاً عليه دولياً لمصطلح الإرهاب . الولايات المتحدة رفضت دائماً أن يكون له تعريف يحدد مفهومه وأبعاده ومظاهره . بذلك يبقى في وسعها اعتبار كل ما لا يروقها من أعمال العنف إرهاباً تجوز محاربته بكل وسائل العنف! فمقاومة الاحتلال، والدفاع عن النفس ضد عنف سلطة مستبدة، والتبرع بالمال والدعوة بالكلمة والصوت والصورة إلى مقاومة الاحتلال والاستبداد، كلها في عرفها أعمال إرهابية . حتى الإسلام في نظر جورج بوش الابن بات ديناً إرهابياً لأن القرآن يحضّ المؤمنين على الجهاد ضد الشرك والظلم والاستبداد . هكذا أصبحت محاربة الإرهاب، على طريقة بوش، بلا حدود .

قبل بوش وبعده رفضت حكومات الكيان الصهيوني المتعاقبة أن يكون لمصطلح “أمن إسرائيل” تعريف يحدد مفهومه وأبعاده ومتطلباته ومداه في الزمان والمكان . فكل ما يمكن أن يعتبره المسؤولون الصهاينة خطراً في الحاضر والمستقبل وفي أي ميدان من ميادين الحياة في فلسطين أو في جوارها الجغرافي أو في محيطها الإقليمي أو في العالم الأوسع، يدخل في مفهوم “أمن إسرائيل” . هكذا أصبح “أمن إسرائيل” بلا حدود .

تتبدى مركزية “أمن إسرائيل” في نظرة حكومة بنيامين نتنياهو إلى المفاوضات المباشرة التي تسعى إدارة أوباما إلى استئنافها بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية، فمحور المفاوضات، بحسب نتنياهو، ليس حقوق الفلسطينيين وما يتصل بها من مسائل الاستيطان والقدس والحدود واللاجئين إنما الضمانات التي يتوجب أن تقدمها الولايات المتحدة، بل الفلسطينيون أنفسهم، لأمن “إسرائيل” .

على أساس هذا المفهوم، ذهب نتنياهو إلى واشنطن أخيراً لمفاوضة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون حول ما يمكن أن تقدمه إدارة أوباما من ضمانات لأمن “إسرائيل” من حيث هي ثمن لا بد من دفعه لإغراء أركان حكومته العنصريين المتطرفين بالموافقة على معاودة المفاوضات . كلينتون وافقت على معظم طلباته وتوّجتها بتصريح لافت “أمن “إسرائيل” فوق كل اعتبار” .

رزمة الضمانات موضوع العرض الأمريكي تتضمن: عقد اتفاق بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” لمدة عشر سنوات يؤمن للكيان الصهيوني الحماية ضد الصواريخ، ويضمن له التفوق العسكري والتكنولوجي، والابقاء على وجودٍ للجيش “الإسرائيلي” في منطقة الأغوار لعشرات السنين لمنع المتسللين من الاردن، وضمان منع الفلسطينيين والعرب من تدويل موضوع الدولة الفلسطينية بطريق نقله إلى مجلس الأمن أو إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة .

فوق ذلك، تقدّم الولايات المتحدة إلى “إسرائيل” هدية وازنة: 20 طائرة من طراز “إف 35” (الشبح) تنضم إلى صفقة الطائرات العشرين من الطراز نفسه التي اتفق الجانبان عليها قبل شهرين . هذا بالإضافة إلى ضمانة سابقة كان الكونغرس قد صادق عليها في الشهر الماضي تقضي بزيادة حجم المعدات العسكرية التي تحتفظ بها الولايات المتحدة في مخازن الطوارئ الأمريكية في “إسرائيل” من 800 مليون دولار إلى مليار و200 مليون دولار ما يعني عملياً زيادة حجم المعدات والأسلحة التي توضع تحت تصرف “إسرائيل” في حالة الطوارئ بنسبة 50 في المئة . مع العلم أن العتاد الإضافي موضوع الزيادة المقررة يشمل قنابل ذكية وذخائر أخرى معقدة وبالغة الفعالية .

كل هذه الضمانات والتسهيلات والهدايا مقابل موافقة “إسرائيل” على تجميد الاستيطان لمدة 90 يوماً فقط، على أن لا يشمل القدس والكتل الاستيطانية الكبرى .

نتنياهو وافق على العرض الأمريكي، ودعا أعضاء حكومته إلى الموافقه عليه . صقور المتطرفين من الوزراء رفضوه . السبب؟ الضمانات المقدمة لا تستأهل في مقابلها تجميد الاستيطان! نتنياهو لم تزعجه معارضة الصقور . بالعكس، سيترسمل عليها لمطالبة واشنطن بتعديل العرض ليوفر المزيد من الضمانات . وهو لن يكتفي، بحسب ما ألمحت إليه صحيفة “هآرتس” (15/11/2010)، بالتحجج بمعارضة صقور حكومته للمطالبة بالمزيد من الضمانات بل سيقوم بابتزاز واشنطن من طريق التلويح باستعداد “إسرائيل” لضرب إيران بالانفراد دونما مساعدة أمريكا ولا حتى استئذانها . إدارة أوباما التي تعارض خيار الحرب ضد إيران في الوقت الحاضر تخشى عواقب المجازفة “الإسرائيلية” المحتملة، وستحاول إحباطها بوسيلتين: رشوة تل أبيب بمزيد من الضمانات من جهة والإصرار، من جهة أخرى، على “تقييد “إسرائيل” بألا تعمل وحدها في مواجهة المنشآت الذرية الإيرانية”، كما كشف الكاتب السياسي والاختصاصي في الشؤون الاستراتيجية عاموس هرئيل في “هآرتس” .

ماذا عن موقف السلطة الفلسطينية؟

ما الخيار البديل للسلطة الفلسطينية، إذاً؟

لقد كانت وما زالت وعود الولايات المتحدة . لكن، ألا تلاحظ السلطة أن إدارة أوباما أضحت أكثر ضعفاً بعد الانتخابات النصفية وبالتالي أكثر استعداداً لاستجابة طلبات “إسرائيل”؟ ألا تلاحظ أنه حتى لو وافق نتنياهو على تجميد الاستيطان في كل أرجاء فلسطين، بما فيها القدس، فإن ذلك لا يعني، في واقع الأمر، شيئاً؟ ألم يقرأوا في الصحف ويسمعوا من الإذاعات والتلفزيونات “الإسرائيلية” ما نقلته حول رأي إدارة أوباما بتجميد الاستيطان من حيث إنه “خطوة رمزية جداً وجد المستوطنون دائماً طرائق فعالة للالتفاف عليها”؟

لا تفسير لموقف السلطة من مسألة معاودة المفاوضات المباشرة ومسألة تجميد الاستيطان إلا في وجود قناعة راسخة لديها بأن لا ورقة بحوزتها، في ظل ميزان القوى الحالي في المنطقة، إلا “ورقة” واشنطن . إنها غير قادرة على ممارسة خيار المقاومة، بل غير مقتنعة به أصلاً كطريق للإسهام في تغيير ميزان القوى الحالي من جهة، ومعنية بالدرجة الأولى، من جهة أخرى، بضمان أمن بقائها وديمومة وصول الرواتب إلى نحو 200 ألف موظف عاملين في أجهزتها أو متقاعدين فيها .

من هنا تنبع سياسة السلطة الفلسطينية والحدود التي تقف عندها . فالوضع الراهن، على علاّته، يبقى في نظرها، افضل من العودة إلى خيار المقاومة المكلفة، باستيطان أو من دون استيطان . القناعة كنز لا يفنى ولو افنى العدو الوطن بقطعان المستوطنين والمهاجرين “الفالاشا” وبتهجير أصحاب البلاد على جانبي الخط الأخضر إلى الدولة الفلسطينية البديلة في . . الأردن .

هكذا نجد أن مقابل مفهوم “أمن إسرائيل” بلا حدود، يقوم مفهوم “أمن السلطة الفلسطينية وموظفيها” بلا حدود أيضاً .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2177738

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2177738 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40