السبت 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

في سر الرؤساء ...

تأليف: فانسون نوزيل / ترجمة وإعداد: بشير البكر
السبت 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

الكتب التي تكشف الفضائح والدسائس لا تتوقف هذه الأيام عن الصدور، ولعل آخرها، كتاب الصحفي والكاتب الفرنسي فانسون نوزيل “في سر الرؤساء” الصادر عن دار “فايار”، والذي يتعرض لثلاثة رؤساء فرنسيين: فرانسوا ميتران، وجاك شيراك ونيكولا ساركوزي، وهو كتاب يتناول مواضيع وكالة الاستخبارات الأمريكية والبيت الأبيض والإليزيه (الوثائق السرية 1981- 2010) .

ما يريده المؤلف من هذه الأسرار، أكد عليه في التقديم حين كتب: “لم تنته الجمهورية الخامسة من تسليم أسرارها . إذ خلف التصريحات الرسمية، وبعيداً عن الإعلانات المتفق عليها، في غرف الانتظار بالإليزيه، تُعزف بعضُ المقطوعات التي لا تشاهدها سوى قبضة من الناس . الرئيس الفرنسي يُحكّم ويقرر ويرسل

مبعوثين وجنوداً من دون أن يكشف كل ما يُنسَج في هذا القصر . وما بين الرؤساء الأمريكيين والفرنسيين يعتبر مسرح الأشباح هذا مثيراً . لأن المشهد ليس له علاقة كبيرة مع ما يحدث في الكواليس . ليس للفاعلين الوجه نفسه . الحوارات هي أحياناً على نقيض الرواية التي يتم تقديمها للرأي العام” .

وبما أن الشجن اللبناني هو الذي يحرك العالم العربي الآن، فسنركز على المستجدات وبعض الاعترافات التي تخص لبنان، خصوصاً بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، وأيضاً، في ظل استمرار الأزمة اللبنانية -اللبنانية بكل تعقيداتها، وبالتالي سنركز على دور فرنسا-شيراك (الصديق لأمريكا والمعجب بثقافتها و”مطبخها!”) في فترة حرجة من تاريخ لبنان، وتداخلاته مع الهيمنة الأمريكية على منطقتنا العربية .

يرى المؤلف في الفصل العاشر من الكتاب أن الرئيس شيراك يعتبر من الديغوليين النادرين الموالين للولايات المتحدة . ويقول إن شيراك في زيارته الأولى كرئيس للجمهورية الفرنسية، أحبّ أن يُذكّر مضيّفيه أنه عاش فترة من الزمن في بلدهم، وأنه يحبه، وأنه “عاش قسماً من هذا “الحلم الأمريكي”” .

نكتشف أن الرئيس شيراك، كان في بداياته، من الديغوليين القلائل الموالين للولايات المتحدة . صحيح أنه في مراهقته كان يميل للحزب الشيوعي الفرنسي، ولكنه سرعان ما مال للحلم الأمريكي . في 16 تشرين الأول ،1967 وُجِّهَت دعوة غداء لدى السفير الأمريكي شارلز بوهلن، برفقة مسؤولين ديغوليين آخرين . ولم يبخل الدبلوماسي الأمريكي في إسباغ المدائح على هذا الضيف، الذي شكّل “اكتشاف السهرة” وقد وجده: “ذكياً ودينامياً ودافئاً وأصيلاً ومُقنِعاً” .

ويظهر الأمر في حديث شيراك الحماسي عن “سفرياته إلى الولايات المتحدة وعن إعجابه بنمط العيش الأمريكي”، بدل أن يُحيل إلى الجنرال ديغول، الذي لم يتلفظ حتى باسمه . وقال السفير ملخصاً بكثير من الجذل: “بدا لي أمريكيّاً وليس فقط موالياً للولايات المتحدة - مثل كثير من الأمريكيين” . وأضاف: “إنه يحب جمال وشساعة المناظر الأمريكية، ويعبر عن إعجابه بنظام الحدائق الوطنية ومعجب بالطبخ الأمريكي . وأشار إلى أنه أتى، من حين لآخر، بصفة سرية، إلى مطبخ السفارة خلال السنوات العشر الأخيرة، لأنه المكان الوحيد في المدينة الذي يمكن أن يعثر فيه على الطعام الأمريكي” .

وكانت الولايات المتحدة تتابع باهتمام السياسة الفرنسية الداخلية والصراع بين قطبي اليمين الفرنسي: جاك شيراك وفاليري جيسكار ديستان، “وكانت الولايات المتحدة ترى بعين الرضى إلى التنافس المتصاعد بين شيراك وديستان”، إذ من وجهة نظر المصالح الأمريكية، من المهم جداً أن يحافظ شيراك على وضعيته في المشهد السياسي، باعتباره بديلاً في حال تفكك ديستان من الآن إلى 1981 أو ما بعد هذا التاريخ . وسيكون من المحزن أن يكون ميتران البديل الوحيد” .

ابتداء من سنة 1981 أصبح شيراك الزعيم الحقيقي للمعارضة . ويرى المؤلف أنه حافظ على علاقات جيدة مع كل من رونالد ريغان وجورج بوش (الأب) .

ويستعرض المؤلف الكثير من الأمثلة التي تثبت أن شيراك كان المفضل لدى الأمريكيين، ومن بينها زيارته إلى الولايات المتحدة في مارس/ آذار ،1987 وكان حينها رئيس وزراء للرئيس فرانسوا ميتران: “وبما أنه كان يمتلك صورة المرشح للرئاسيات الفرنسية الأكثر موالاة للولايات المتحدة، وبما أنه يعشق الحديث عن مروره على هارفارد سنة ،1953 جرى كل شيء على أفضل حال . كان شيراك سعيداً . تناول الغداء، في جو ودي جداً، مع بوش، نائب الرئيس، كما تحادث مطوَّلاً مع الرئيس ريغان . وقد أعدّ له البيت الأبيض بروتوكولاً مخصصاً لرؤساء الدول . وقد أثار هذا الاستقبال حنق الرئيس ميتران، لأن هذا يبين أن شيراك يحظى بدعم الأمريكيين” .

ومع مجيء بيل كلينتون إلى البيت الأبيض حرص شيراك على فتح قنوات معه . وكانت اللقاءات الأولى بين الرجلين واعدة، “ولأول مرة يتسنى لشيراك أن يتحدث، بشكل مفتوح، عن السياسة الخارجية التي سيقودها في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية . وكان الرئيس الأمريكي ينصت بانتباه شديد إلى هذا الديغولي الجديد، وهو يعلن له أن فرنسا تستطيع أن تقترب أكثر من حلف الأطلسي أو اتخاذ موقف أكثر اندفاعاً في البوسنة، وهما موضوعان كان الرئيس ميتران متحفّظاً جداً فيهما، خلال السنوات الأخيرة . ومثل خطيب أبدي eternal fiancé جاء جاك شيراك ليقدم بعض الوعود للولايات المتحدة . وتلتقط له مرة أخرى صورة في البيت الأبيض . وإذا ما وصل شيراك إلى الإليزيه فليس مستحيلاً أن الولايات المتحدة يمكن تعبر عن غبطتها . وبعد كل شيء، فإن شخصاً يلتهم الهامبورغر بشهية طيبة ويتحدث عن الجاز في نوفيل أورليان بِرَجَفان في الصوت، في نظر كلينتون، لا يمكن أن يكون، في الجوهر، شخصاً سيئاً” .

بيل وجاك في القارب نفسه

يصل جاك شيراك إلى السلطة ويجد نفسه مع بيل كلينتون في القارب نفسه، مع اشتداد الحرب البوسنية . ونقرأ رد فعل الرئيس القاسي، عقب اعتقال القوات الصربية للعديد من القوات الدولية (القبعات الزرق)، ومن بينهم مئة وثلاثة من الجنود الفرنسيين، حيث صرح أمام رئيس الأركان الفرنسي: “العسكريون جبناء! يجب إعطاء الأمر للقبعات الزرق الفرنسية بالدفاع عن النفس ببنادقهم الآلية . عليهم أن يقاتلوا!” .

تتوالى التجارب في البوسنة ولا نرى تحققاً لغضبات شيراك المُضَرية . فقد كانت سيبرينتشا، مثالاً على الجبن، القريب من التواطؤ، أو “العجز” الأطلسي إزاء الجريمة والإبادة . ويرى المؤلف أن شيراك عبّر عن غضبه ولكنه ظل عاجزاً . وكان الأمر ورد الفعل دليلاً على “انهيار جديد للمجتمع الدولي قاد إلى مأساة كان يخشاها الكثيرون” . وإذا كان المجرمون الكبار غير مجهولين ومن بينهم ملاديتش وكراديتش، فالحقيقة تقول إنه لم يكن يريد أحد إيقافهم “وفي الحقيقة، وعلى الرغم من التصريحات الرسمية المخالفة، فإنه لا الأمريكيون ولا الفرنسيون أبْدَوا حماساً كبيراً في اعتقال رئيس صرب البوسنة كراديتش”، رغم انه مطلوب للمحكمة الدولية، وقد افْتُضِحت اتصالات فرنسية مع كراديتش(الذي لم يتم توقيفه سوى في يوليو/ تموز سنة 2008 من قبل الاستخبارات الصربية)، برّرها الفرنسيون برغبتهم في “إقناع الزعيم الصربي البوسني بتسليم نفسه” .

ويستطرد الكاتب، مرّت العلاقات بين شيراك كلينتون بمراحل مختلفة من الحميمية إلى برودة . فقد عبر كلينتون عن شكره للموقف الفرنسي من إظهار إرادته في تقوية حلف الأطلسي، وأيضاً لبْرَلة التجارة العالمية والعمل مع الاتحاد الأوروبي في كل المواضيع الممكنة . ولكن ابتداء من خريف 1995 بدأت البرودة تنتاب العلاقة، حين طلب كلينتون من شيراك تقديم مساعدة اقتصادية إلى الأردن، أو تشديد العقوبات على الجماهيرية الليبية .

وإذا كانت البرودة هنا، فإن تنازلات قدمتها فرنسا في موضوع العودة الفرنسية إلى القيادة العسكرية لحلف الأطلسي . لقد قبلت فرنسا، في حقيقة الأمر، ومن دون شروط، أن تقوم بالخطوة الأولى نحو اندماج كامل، مستعيدة مكانها في أحضان مجلس وزراء الدفاع واللجنة العسكرية لرؤساء أركان حلف الأطلسي . ولمْ يَعد يتبقى لها إلا القيادة المندمجة ولجنة التخطيطات كي تندمج بشكل نهائي في المنظمة (الأطلسي) . هذه المراحل الأخيرة، الرمزية، لا يمكن للإليزيه أن يقدم عليها إلاّ إذا تم إرضاء طلباتها، أي إصلاح الحِلف بما يتيح انبثاق “ركن أوروبي” .

ويقول الكاتب إنه لم تَبْق العلاقات بين الرئيسين الفرنسي والأمريكي حسنة، على الرغم مما يحاول الطرفان إظهاره من اتفاق وانسجام . “عبّر كلينتون عن رغبته في رؤية “تعاون وثيق” مع الفرنسيين”، حول المشكلات الاقتصادية للفلسطينيين أو حول تقديم المساعدة للبنان “وهي طريقة مقبولة للطلب من جاك شيراك ألا يتدخل في قضايا أخرى” . ويرسم الكاتب صورة مثيرة للشفقة عن رئيس فرنسي لا يتوقف عن اقتراح دعمه وعرض خدماته على الأمريكيين، وهم يتمنعون في قبولها “ما الذي يمكن أن يفعله شيراك أكثر من هذا؟ بالتحديد، جاك شيراك، لم يعد له من حظ على المستوى الدولي” .

ويذهب المؤلف إلى وصف الحالة الضعيفة والمهزوزة لشيراك، ويقدم مثلاً: “فشل الرئيس الفرنسي في تمديد ولاية صديقه بطرس بطرس- غالي في منصب الأمين العام للأمم المتحدة (بسبب الفيتو الأمريكي!) . ولم يتوقف عن النضال من أجل التمديد له”، “وفي يوم 16 كانون الأول/ديسمبر ،1996 نجح البيت الأبيض في فرض مرشحه المُفضّل، الغاني كوفي أنان، الذي ساند المواقف الأمريكية في البوسنة أو في هايتي” .

وزاد الأمريكيون في إغاظة الفرنسيين، في رسالة وقحة أرسلها كلينتون إلى شيراك، تقول ضمن ما تقول: “عزيزي شيراك، أود أن أشكرك على مساهمتك في إنجاز إجماع مبكر حول كوفي عنان كأمين عام للأمم المتحدة” .

“السخريّة قاسية . شيراك، الحانق، تحمَّل الإهانة على مضض . إهانة أخرى . وهو ليس في نهاية خيباته . . عزيزي جورج، لِنَعُدْ، من جديد، أصدقاءَ . . .” .

بعد احتلال العراق من قبل القوات الأمريكية والبريطانية، جاءت الرغبة الأمريكية في قولبة الشرق الأوسط . وظهر مشروع شرق أوسطي “كبير”، اقترحته يوم 30 يناير/ كانون الثاني 2004 وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس على المستشارين الدبلوماسيين الأوروبيين . وقد بدأت بعض الردود السلبية على المشروع الشرق الأوسطي الجديد، من قبل بعض زعماء المنطقة من العرب . “إن الدعوات إلى “تغيير الأنظمة” لم تتلق صدى حماسياً لا في القاهرة ولا في الرياض” .

لم يتأخر الموقف الفرنسي إزاء المشروع الأمريكي . وعلى الرغم من الطابع الرسمي والدبلوماسي للرد، فإن شيراك عبّر، بأدب، عن ملاحظاته على فكرة بوش الأخيرة: “أنا أوافق على المبادرة الأمريكية حول الشرق الأوسط الكبير، ولكن يجب أن نكون على وعي من أن مفتاح السلام والاستقرار الإقليمي هو إيجاد حل للصراع “الإسرائيلي” الفلسطيني . ولن يكون سلام من دون مفاوضات، ولا يمكن فرض السلام من الخارج . إن مبادرة الشرق الأوسط الكبير اصطدمت بهذه القضية” .

هذا ما كان في العلن، أمّا في الكواليس، “فلم يكتفِ الإليزيه بهذه الانتقادات الحذرة، بل يتعلق الأمرُ بإفشال سري لمشروع البيت الأبيض”، وفي نهاية شباط/فبراير 2004 سربت فرنسا وألمانيا نصاً معنوناً “شراكة استراتيجية من أجل مستقبل مشترك مع الشرق الأوسط” والغرض منه مواجهة النص الأمريكي . وفي بداية مارس/ آذار أرسلت فرنسا مبعوثين إلى العواصم العربية من أجل تسليم خطابات إنذار وقياس ردود الفعل . وجاءت ظروف وصدف متعددة أفشلت المشروع الأمريكي وأطلقت عليه رصاصة الرحمة . ومن بينها ما يكتبه المؤلف في هذه الفقرة المكثفة: “أحداث إبريل/ نيسان ،2004 ستزعزع الماكينة الأمريكية الثقيلة . المعارك شرسة في العراق بين القوات الأمريكية والمسلحين في مدينة الفلوجة كذّبت كل التصريحات المُطَمْئِنَة عن استتباب الأمن . كما أن الصحافة كشفت عن ممارسات تعذيب في سجن أبو غريب العراقي . وكشفت أشرطة الفيديو الاتهامية عن كذب اللازمة الأمريكية عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط . وقد قامت الصحافة العربية بإدانة “النفاق”، الأمريكي، ورأت في فضيحة التعذيب إضافة “فشل أخلاقي” إلى الورطة العسكرية الأمريكية في العراق . وأخيراً دعم جورج بوش القوي لأرييل شارون . . .” .

وأخيراً جاء الفشل الأمريكي في فرض هذا الشرق الأوسط الجديد واضحاً في البيان الختامي لمجموعة الثماني، الذي “اكتفى بإعلان بسيط للنوايا داعياً إلى إصلاحات وإلى احترام التنوع . كما أن غداء بوش الذي جمعه يوم الأربعاء 9 حزيران/يونيو 2004 مع رؤساء دول عربية وإسلامية سيكون نصف فشل: إذ لن يحضر سوى الرئيس الأفغاني قرضاي، والرئيس الجزائري بوتفليقة، وملك البحرين، والملك الأردني عبدالله، ورئيس الوزراء التركي أردوغان، والرئيس اليمني علي صالح . في حين أن الملكين المغربي والسعودي ورئيسي مصر وتونس لم يلبوا الدعوة . . .” .

وجاءت فترة مصالحة بين الرئيسين بوش وشيراك، في 5 حزيران/يونيو ،2004 حين حضر الرئيس بوش احتفالات مرور ستين سنة على الإنزال الأمريكي في النورماندي . صحيح أن الخلافات بين الطرفين كثيرة، ولكنهما استطاعا في النهاية أن يتفقا على موضوع واحد: “هذا العشاء للمصالحة انتهى بثيمة وحّدت الطرفين وشكلت إنذاراً لبوش ولشيراك: الهيمنة السورية على لبنان” .

الوجود السوري في لبنان

ويكشف الكاتب أنه “اشتغل التعاون الأمريكي الفرنسي، بصفة سرية، حول هذا الملف” . واستعان الرئيس الفرنسي بصداقته الحميمة مع رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، “الذي كان يلتقيه بانتظام مع زوجته، نازك”، ويرى المؤلف ان “الحريري راهن على ورقة التعاون مع القوة السورية المجاورة، باحثاً عن دعم وحماية . ولكن الحضور الدائم للقوات السورية وممارسات الاستخبارات السورية والضغوط تسبب في حدوث طلاق بين الحريري والسوريين”، ومن هذه اللحظة “وضع نفسه في موضع المدافع الشرس عن استقلالية لبنان . وكان “صديقه جاك” يساعده بكل الوسائل” .

ويضيف الكاتب، لقد تصوّر شيراك بعيد وفاة الرئيس حافظ الأسد أن الرئيس الشاب بشار، الذي التقى به قُبَيل وصوله إلى الرئاسية السورية، “من أنصار الإصلاحات، التي لم يَقُم بها أبوه حافظ، الذي كان معروفاً عنه بأنه لا يتزحزح حتى وفاته يونيو/ حزيران 2000” .

لا شيء ثابتاً في السياسة، فنحن نعلم أن الرئيس الفرنسي زار سوريا ثلاث مرات، أكتوبر/ تشرين الأول 1996 ويونيو/ حزيران 2000 وأكتوبر/ تشرين الأول ،2002 وأنه بذل قصارى جهوده من أجل التقرب من الرئيس السوري . وهنا يقول أحد المستشارين السابقين في الإليزيه: “حين تولى بشار السلطة، تصور الرئيس الفرنسي أن بإمكانه أن يضعه تحت سيطرته . بذل كثيراً من الجهد من أجل مساعدته وتدليله وحاول إقناعه بتليين مواقفه . وقد نجح في الحصول من سوريا على الموافقة على التصويت على القرار الأممي حول عودة المفتشين إلى العراق في نوفمبر/ تشرين الثاني 2004” .

ويقول المؤلف “حاول الفرنسيون والألمان والروس تغيير المواقف السورية، ولكنهم لم يحصلوا منه على ما يريدون . وأدت هذه الخيبة الفرنسية، إضافة إلى شعور الحريري المتكرر بالإهانة في دمشق، وأن الوزراء اللبنانيين المقرّبين من سوريا يهيمنون على الحكومة اللبنانية، إلى اقتناع الرئيس شيراك بأن نظام الأسد غير قابل للانثناء، اللهم إلا إذا مورست عليه الضغوط” .

ويستطرد الكاتب، عوامل التوتر الأمريكية - السورية عديدة، ولعل أهمها اعتبارها منذ سنة 2002 عضواً في “محور الشرّ”، وزاد الغضب الأمريكي مما تعتبره تهاوناً من سوريا في مراقبة حدودها مع العراق، حيث تتسلل خلايا القاعدة . إضافة إلى استيلاء سوريا على حسابات مالية عراقية . وإلى ما ذكر يأتي دعم سوريا لحزب الله اللبناني وللحركات الفلسطينية الراديكالية، مثل حماس والجهاد الإسلامي، عدوّتي “إسرائيل” اللدودتين ليُعقِّدَ الأمر . وقد كانت الوقاحة الأمريكية واضحة في الرسائل المُوجَّهَة للقيادة السورية . “أرسل البيت الأبيض عدة رسائل إلى الرئيس السوري للتعبير عن غضبه في ما يخص هذه المواضيع جميعاً . لكن من دون نتيجة . وقد أسرّ بوش، غاضباً، للرئيس الفرنسي في سبتمبر/ أيلول ،2003 أثناء لقاء على هامش الاجتماع العام للأمم المتحدة، “قُلْ لبشار الأسد إني شرير أحادي الجانب”” .

ووسط هذا العداء المتصاعد للقيادة السورية من قبل الفرنسيين والأمريكيين انضاف الكونغرس الأمريكي إلى قائمة الأعداء الجدد، وذلك من خلال تبني عقوبات اقتصادية ضد النظام السوري، المُتَّهَم بدعم الإرهاب وبالحفاظ على وجوده العسكري في لبنان . وقد أبدى بعض الدبلوماسيين الفرنسيين قلقهم من العقوبات الأمريكية . ورأى البعض منهم في الأمر: “أن مشكل الإدارة الأمريكية يكمُنُ في شيطنتها للنظام السوري القائم، وإذاً فهي عاجزةٌ عن تصور سياسة أكثر شمولاً ودينامية، تجمع ما بين العصا والجزرة، وهي بسبب عدم اقتراحها أي شيء على مُحاوَريها، فإنها تَدُلُّ من تفاعليّتهم” .

بعد أفغانستان والعراق، أصبحت سوريا تحت العين الأمريكية، وبالتالي جاء وقت المصالحة الفرنسية - الأمريكية . ونقرأ تصريحات لشيراك تذهب في هذا الاتجاه، خصوصاً حين يُصرّح أمام وفد من مجلس الشيوخ الأمريكي: “لنكن واقعيين، إننا لن نُسهِم في تقدّم الديمقراطية إلاّ بتعزيزها حيث توجد أصلاً، حتى وإن كانت بطريقة غير كاملة، كما هو الشأن في لبنان . يجب مساعدة هذا البلد على التحرر من الوصاية السورية” . ويضيف في هجوم كاسح على السوريين لا يمكن سوى أن يعجب الأمريكيين: “سيبحث السوريون، ربما، في التمديد للرئيس الحالي إميل لحود، من خلال تغيير الدستور . [ . . . ] لنعمل سويّة” .

يصف هوارد ليتش، السفير الأمريكي السابق في باريس، الوضعية المستجدة من العلاقات الفرنسية - الأمريكية، بالقول: “لا يريد شيراك أن يصرخ فوق الأسطح بأنه يبحث، بأي ثمن، أن يتصالح مع جورج بوش، الذي نزلت شعبيته في فرنسا إلى الحضيض، ولكن بسبب عدم الإنصات إليه في ما يخص العراق والصراع “الإسرائيلي” العربي، وجد في لبنان ثيمة للمصالحة التي ستعيده إلى الحلبة . صديقه رفيق الحريري مبتهج”، والثمرة من هذه الاتصالات ومن هذا التوافق الفرنسي - الأمريكي مع رفيق الحريري هو قرار أممي جديد . ويكشف المؤلف أن هذا القرار تمت قراءته وإعادة قراءته في يخت الحريري بحضور موفد شيراك الذي التقى كوندوليزا رايس ومسؤولين آخرين في 19 و20 أغسطس/ آب ،2004 قبل أن يتجه إلى سردينيا، المقر الصيفي لرفيق الحريري، في الوقت الذي لم يتوقف فيه غضب شيراك الشديد على السوريين .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2177915

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع خبر  متابعة نشاط الموقع إصدارات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2177915 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40