السبت 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

وعد بلفور فلسطيني

السبت 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 par صالح النعامي

“أنه وعد بلفور فلسـطيني”، هكذا وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) أي اعتراف فلسطيني رسمي بيهودية الكيان الصهيوني في المستقبل، عندما كان يهمس في أذن أحد نواب حزب (ليكود) الحاكم دون أن يلتفت لوجود لاقط الصوت الخاص بالتلفزيون الذي نقل هذا الهمس بالصوت والصورة!

توضح العبارة التي صدرت عن (نتنياهو) حجم الرهانات التي يُعلقها “القائد” الصهيوني على مطالبته للسلطة الفلسطينية بالاعتراف بالكيان كدولة يهودية. ويُطالب (نتنياهو) الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية الكيان مقابل فقط تجميد الاستيطان في الضفة الغربية وبشكل مؤقت لمدة شهرين. وقبل، وكما يقول نائب رئيس وزراء الكيان الصهيوني (سيلفان شالوم)، فإن موافقـة أي جهـة تُمثل الفلسـطينيين على يهوديـة الكيان يعني ببسـاطـة تسـليم وقبول هذه الجهـة بكل الخطوات والإجراءات وتقبل بكل المواقف التي تضمن تكريـس الطابع اليهودي لهذا الكيان. ومن خلال تصريحات المسؤولين الصهاينة يتبين أنه يترتب على الموافقة الفلسطينية على يهودية الدولة أربعة أبعاد كارثية على الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

1 ـ العامل الديموغرافي

فضمان الطابع اليهودي للكيان الصهيوني يعني أن يُحافظ اليهود على تفوق ديموغرافي كاسـح داخل الكيان، لذا فإن موافقة الفلسـطينيين على يهوديـة الدولـة تعني أن يتنازل ممثلو الفلسـطينيين عن أي طلب أو موقف يُهدد في الحاضر والمسـتقبل التفوق الديموغرافي اليهودي، وبالتالي فإن موافقـة الفلسـطينيين على يهوديـة الدولـة يعني تنازلهم الضمني عن حق العودة للاجئين، على اعتبار أن عودة اللاجئين سـتنسـف الواقع الديموغرافي داخل الكيان وتحوّل اليهود إلى أقليـة. من هنا فإن الاعتراف بيهودية الدولة يعني البحث في كل الحلول لقضية اللاجئين بإستثناء عودتهم للأراضي التي شُردوا منها خلال حرب 1948، مثل حلول التوطين. في نفس الوقت فإن الاعتراف بيهودية الدولة يعني أن يقبل ممثلو الفلسطينيين بالإجراءات التي يتخذها الكيان الصهيوني، والصيغ التي يطرحها للتخلص من العبء الديموغرافي الذي يمثله فلسطينيو 48 الذين يقطنون داخل الكيان ويحملون جنسيته، من هنا فإن فكرة تبادل السكان التي يُبدي وزير الخارجية الصهيوني (أفيغدور ليبرمان) حماساً منقطع النظير لها تصبح فكرة واقعية، مع العلم أن هذه الفكرة تدعو إلى أن يتم ضم منطقة المثلث التي يقطن فيها أغلبية فلسطينيي 48 إلى الدولة الفلسطينية على أن يتم ضم التجمعات الإستيطانية اليهودية في الضفة الغربية للكيان الصهيوني، مع العلم أن ما يطرحه (ليبرمان) يتجه ليُصبح أحد ركائز الإجماع الصهيوني.

2 ـ تشريع القوانين العنصرية

ويعني اعتراف الفلسـطينيين بيهوديـة الكيان الصهيوني القبول، أو على الأقل، التسـليم بالقوانين التي سـنّتها الكنيسـت في الماضي والحاضر والتي سـتسـنها في المسـتقبل من أجل ضمان تهويد الأرض الفلسـطينيـة؛ فالاعتراف بيهوديـة الدولـة يعني الاعتراف بالقوانين العنصريـة التي سـنها المشـرع، وضمنها “قانون العودة” الذي يُعطي لكل يهودي أينما كان “الحق” في الهجرة لأرض فلسـطين وأن يُصبح بشـكل تلقائي “مواطناً” في الكيان الصهيوني، وقانون المواطنة الذي يحرم فلسطينيي 48 من الحق في لمِّ شمل عائلاتهم إن كان أحد الزوجين يقطن الضفة الغربية أو قطاع غزة، وما ينطبق على قانوني “العودة” و“المواطنة” ينطبق على قانون “الولاء” الذي أقرته حكومة الكيان الصهيوني مؤخراً والذي يُلزم غير اليهود بإعلان الولاء للكيان الصهيوني كـ “دولة يهودية وديموقراطية”، علاوة على أن الاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة سيُشكل غطاءً لسنِ مزيد من القوانين العنصرية، مثل القانون الذي أعلن زعيم حركة (شاس) ووزير الداخلية الحاخام (إيلي يشاي) عزمه على تمريره الذي ينص على وجوب حرمان كل شخص يُتهم بارتكاب مخالفة أمنية من جنسية الكيان، والمفارقة أن (يشاي) اعتبر أن مشاركة النائب العربي في الكنيست “حنين الزعبي” في أسطول الحرية “جريمة” تُسوغ سحب الجنسية منها.

ومن نافلة القول أن الاعتراف بيهودية الدولة يعني إضفاء الشرعية على القوانين والنُظم التي تُضيّق الخناق على فلسطينيي 48، وعلى رأسها القانون الذي يحرمهم من الحق في شراء أراضي تتبع ما يعرف بـ “دائرة أرض (إسرائيل)”، وهي الأراضي التي سيطرت عليها العصابات الصهيونية عشية وخلال وبُعيد حرب عام 1948، علاوة على إن الكيان الصهيوني يرغب في أن يضفي الفلسطينيون شرعية على البنية القانونية التي تكرس غبن فلسطينيي 48، فقد سنّت الكنيست الإسرائيلي عدداً كبيراً من القوانين التي تحرم فلسطينيي 48 من الكثير من المزايا الاقتصادية بحجة أنهم لا يؤدون الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال، مثل حرمانهم من مخصصات الأطفال والمنح الجامعية، وغيرها.

3 ـ تهويد الذاكرة الفلسطينية

بالنسـبـة للنُخب الحاكمـة في الكيان الصهيوني فإن الاعتراف الفلسـطيني بيهوديـة الدولـة يعني قبل كل شـيئ تهويد الذاكرة الجمعيـة الفلسـطينيـة بكل ما تعني الكلمـة. وحتى لا يكون هناك مجال للبس، فإنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى ما قاله وزير التعليم الصهيوني (جدعون ساعر) عندما تحدث عن المضامين الثقافية لاعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، حيث حدد (ساعر) في مقابلة مع تلفزيون الكيان هذه المضامين في بندين أساسيين، وهي:

ـ أولاً: إعادة صياغـة مناهج التدريـس الفلسـطينيـة بما يتوائم مع جوهر الاعتراف الفلسـطيني بيهوديـة الكيان، سـيما مناهج الجغرافيا والتاريخ والتربيـة الدينيـة!!! صحيح أن (ساعر) لم يُقدم تفاصيل كثيرة حول مطالبه على صعيد تغيير هذه المناهج، لكن ما يقصده معروف وواضح؛ فبعد الاعتراف بيهودية “الدولة” فإنه يتوجب على وزارة التعليم الفلسطينية طرح كتب جغرافيا جديدة تتضمن خريطة مختلفة، تظهر فيها (إسرائيل) إلى جانب الدولة الفلسطينية، وسيكون لزاماً الإشارة للمدن الفلسطينية بالأسماء العبرية؛ فبئر السبع ستُصبح “بير شيفع” وصفد ستُصبح “تسفات” وبيسان “بيت شآن”، وعسقلان “أشكلون”...، وهكذا دواليك. أما على صعيد مناهج مادة التاريخ فإن الكيان الصهيوني يتوقع أن يتوقف النـشء الفلسـطيني عن تعلم الروايـة الفلسـطينيـة للصراع؛ فالاعتراف بيهوديـة الدولـة يعني أن يتم تربيـة الطلاب الفلسـطينيين على أن هذه الأرض هي “أرض الميعاد لليهود”، وأن الفلسـطينيين هم مجرد مجموعـة بشـريـة “تصادف وجودها” على هذه الأرض!!! أما على صعيد مناهج التربية الدينية التي يُبدي (ساعر) اهتماماً بنسفها، فإن المرء يُمكنه أن يتوقع ما يريده بالضبط، فالاعتراف بيهوديـة الدولـة يعني التوقف عن التعرض لآيات القران التي لا تروق لليهود.

ـ ثانياً: يرى (ساعر) أن الاعتراف بيهودية الدولة يعني أن تفرض الدولة الفلسطينية رقابة مشددة على دور العبادة ووسائل الإعلام الفلسطينية، بحيث يتوقف ما يصفه بـ “التحريض” على الكيان الصهيوني.

أن (ساعر) المعني بوقف التحريض على الكيان الصهيوني في دور العبادة ووسائل الإعلام الفلسطينية هو الذي كان يحرص على زيارة الحاخام (مردخاي إلياهو) أحد أهم مرجعيات الإفتاء في الكيان الصهيوني قبل موته والحصول على “تبريكاته”، مع العلم أن (إلياهو) صاحب الفتوى التي تُبيح ذبح نساء وأطفال وشيخوخ الفلسطينيين وحتى بهائمهم. أن الوزارة التي يُديرها (ساعر) هي التي تدفع سنوياً مبلغ 200 ألف دولار للمدرسة الصغيرة التي يُديرها الحاخام (إسحاق شابيرا) الذي أصدر مؤخراً كتاب “دين الملك” الذي طرح فيه “التأصيل الفقهي” الذي يُسوغ قتل الأطفال الفلسطينيين، مع العلم أن تحقيقاً صحافياً نشره الصحافي الصهيوني في صحيفة “هآرتس” أثبت فيه أن إدارة الرئيس (أوباما) تُقدم أيضاً الدعم المالي لمدرسة (شابير) عبر إعفاء تبرعات عدد من اليهود الأمريكيين لهذه المدرسة من الضرائب.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 64 / 2165367

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165367 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010