ستة عقود مضت، وهذا سابعها، ودموعنا تذرف ودماؤنا تنزف. ذكريات كلها أليمة وعصيبة. احتلال الوطن، مذابح جماعية وحشية على أيدي العصابات الصهيونية العنصرية النازية، شهيد تلو الشهيد، ودمار بعد دمار، ومحرقة تتبع محرقة، وحياة بائسة مريرة قاسية. مخيمات منتشرة هنا وهناك، الكثير منها محاصر، برد صاقع لاذع وحر ساطع حارق، ذل وإهانة وإذلال، فقر وجوع وحرمان. كل فلسطيني مشتبه بالإرهاب أو تمويله، رغم أنه الضحية الأولى لهذا الإرهاب، النغمة الجديدة التي ابتذلها أعداء الأمة العربية والإسلامية جمعاء لمطاردة وملاحقة وترويع الشرفاء والأحرار من شعبنا الصامد المقاوم، وإغلاق المؤسسات الخيرية والتعاونية منها، إلى التعليمية والإعلامية، تكوين أركيسترا أسلحة الدمار الشامل، تزييف واختلاق لضرب وتدمير أية دولة عربية أو إسلامية تدافع عن عدالة وحق الشعب الفلسطيني في المقاومة لاستعادة وطنه وإعادة بناء دولته الحضارية العصرية الديمقراطية. هكذا دمروا العراق وعروبته وهم في طريقهم إلى تقسيمه. وهذه وثائق ويكليكس تفضح الإجرام البربري الوحشي المذهبي المتطرف والحاقد والمتعطش للدماء، والذي جعلنا ننسى اليوم اسم طاغية عراقي سابق هو نوري السعيد، فقد حل مكانه آخر أكثر منه تعطشاً للدماء والانتقام.
باسم الإنسانية والبكاء عليها وهم أبعد الناس عنها، يحاربون السودان لتقويضه وتقسيمه ليكون الجنوب خنجراً في خاصرة الشمال، ووكراً للموساد والاستخبارات الأمريكية والبريطانية. وهكذا الصومال، حيث صدّروا إليه الإرهابيين وأغدقوا عليهم السلاح والمال لتدمير بنيته التحتية ووحدته. ومنه سهّلوا عبور الإرهابيين إلى اليمن لتفتيت وحدته وإشعال النزاع والصراع القبلي وتروية روح الثأر والانتقام، وتغذية الفرقة والطلاق العشائري، مما أدى إلى المواجهة العنيفة بين النظام والقبائل.
سماؤه الأزرق العربي تلوثه النفاثات الشبحية ويُقلق هدوءه رعود الطائرات المتطورة الفتاكة، الحائمة لتزرع الموت فوق قمم جباله الشامخة وسفوحها، وتُلحِق الدمار بكل بيت وكهف ومأوى وكافة مقومات الحياة، حارقة الأخضر واليابس لتليها بعد ذلك أسراب النسور، فرحةً مزغردةً، لتحط فوق الجثامين وتمزقها بمناقيرها الفولاذية، ملتهمةً إياها، ثم الغربان لتنعق على أطلالها. إننا نرفض الإرهاب رفضاً قاطعاً أينما كان، بجميع ألوانة، فهو العامل الأساسي لزعزعة الاستقرار العالمي وتهديد أمن وسلامة الشعوب البريئة، واعتبار كل فرد منها مشبوهاً حين انتقاله من دولة إلى أخرى من أجل العمل أو الدراسة أو السياحة. كما ندين بشدة الإرهاب الرسمي وتجار الأسلحة والدول المصنعة لها، فهم الذين يغذون ويزودون هذه الفئات المجرمة الحاقدة المريضة. فمن الأولى عليهم أن يراقبو مصانعهم الحربية ويمنعوا تسرب الأسلحة إلى العصابات السوداء المهربة للسلاح.
كل ما يحدث على ساحة الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، والإسلامي، هو نتيجة لما حدث ويحدث في فلسطين العربية وهو نتيجة التآلف الإمبريالي الصهيوني من أجل تمكين استمرارية الاحتلال والقضاء على المقاومة والصمود في فلسطين، وتطويع سوريا العروبة، الداعمة للمقاومة، والصامدة الرافضة لكل الإملاءات والتهديدات. وكذلك للمحافظة على السلطة ودعمها بعد ترويضها وتحويلها إلى فئة فاسدة مستسلمة منهزمة، متعاملة ومتعاونة مع العدو المحتل لتحمي قطعان مستوطنيه وأمن كيانه بعد أن أدرات ظهرها للشعب البريء منها اليوم، وأشرقت بوجهها المبتسم إلى حفنة القادة الصهاينة المجرمة والعنصرية لتدع لها المجال لتسرق وتنهب وتبيع الأرض والعرض، وتُقسِّم أرض الوطن، وأغرقت بالألم والقهر البشر والشجر والحجر، وأحيت الصراع الفصائلي الدموي الساخن.
هذه صورة مصغرة عابرة للبانوراما العربية، وبصورة خاصة الفلسطينية، التي غدا جزء كبير من ساحتها، الواقع تحت الاحتلال الصهيوني، والمغلوب على أمره تحت إدارة السلطة، أشبه بالغابة، تعمها الفوضى وتملأها الوحوش وتحكمها شريعة الغاب، لا نسمع فيها إلا زمجرة الضباع وفحيح الأفاعي إلى صئي العقاري وصرير الفئران وضحك القردة ومواء القطط إلى نباح الكلاب المهجورة وزمار النعامات وضغيب الأرانب وشحيج البغال ونعيق البوم وضباح الثعالب وأزيز الذباب ونهيق الحمير ومأمأة الخرفان وقباع الخنازير وعرير الصراصير وطنين البعوض. إنها لوحة رمادية خريفية قاتمة سيعصف بها سونامي الحرية، آجلاً أم عاجلاً.
أما نحن أبناء فلسطين في الشتات وإخوتنا من الأحرار والشرفاء والنبلاء في الوطن، فلا نسمع إلا صقاع الديوك تؤذن بطلوع فجر جديد، وزئير الأسود وصهيل الخيول وقعقعة الصقور ونزيب الظبى وسليل الغزلان تنادي بعضها للسير معاً إلى قدسنا الشريف وفلسطيننا التاريخية.
RLS
