الجمعة 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

بطاقة صفراء لامعة لأوباما

الجمعة 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

«امريكا» ليست مجرد جمهورية، نموذجا يقتدى للعالم، المدينة اللامعة على التلة كما رآها مؤسسوها. «امريكا» هي أيضا الصورة الذاتية الثقافية التي في مركزها القدرة على التجدد، الحرية وحرية الحركة والعمل وتحقيق كل شيء، ليكون المرء استثنائيا، لينجح حيث الامكانيات غير المحدودة لمن يعمل بكد، ويخاف الرب، وهو نزيه ويلعب حسب القواعد (وحتى لاولئك الذين لا يفعلون ذلك). «امريكا» هي مكان الامل والتفاؤل. انتخابات 2008 اراد الامريكيون ان يصدقوا بانهم عبروا عن ذلك. في انتخابات 2010 عبروا عن صحوة وعدم تسليم بالاتجاه. هذا ليس اوباما، يا غبي. هذا كله معا.

الغضب، الاحباط، المرارة، انعدام الامل، انعدام الثقة، انعدام الامان، النفور والاستياء. هذه مشاعر وجملة الاحاسيس التي رافقت الناخب الامريكي. للمرة الثالثة على التوالي، بعد 2006 و 2008 غير الناخب القيادة في واشنطن. حتى 1994 سيطر الديمقراطيون في الكونغرس لاربعين سنة. على مدى 12 سنة تمتع الديمقراطيون بالاغلبية، وعندها، في غضون أربع سنوات غير الجمهور السيطرة مرتين، وفي الطريق انتخب ديمقراطيا الى البيت الابيض وسرعان ما ساد عدم الرضى عنه.

لقد نفد الصبر لانه على محور الزمن تجمعت في ذات النقطة أزمات هائلة وشروخ واسعة وعميقة جدا، وفهمت أمريكا بان الساحة السياسية عديمة القدرة على التنفيذ. عقود من الحكم المتهالك، التسيب الاقتصادي، المواقف عديمة الكوابح في الساحة المالية، العربدة في صناعة السيارات، عجوزات هائلة بتعابير تاريخية، منظومات ائتمان تناطح السحاب، فوضى اجرامية في سوق قروض السكن وانعدام الفعل والعجز في الجهاز الصحي كلها فجأة وجدت تعبيرا متطرفا لها في آن واحد. حان اليوم التسديد وكان اوباما مطالبا بان يقدم اجابات.

تعرفوا على المفهوم الاكثر تردادا في أمريكا : (GRIDLOCK). اغلاق لكل المحاور والمفترقات في شبكة المواصلات لدرجة التوقف المطلق لحركة السير. في 730 يوما المتبقية حتى الانتخابات للرئاسة في 2012 هذا هو التعبير، هذه هي الكلمة وهذا هو الوصف للوضع في واشنطن. الرئيس سيجد صعوبة في سن التشريعات والتمويل للمواضيع الكبرى والمجلس الجمهوري سينشغل صبح مساء في محاولات اضعافه قبيل 2012.

الامريكيون الذين توجهوا الى التصويت فعلوا ذلك انطلاقا من الاحتجاج. الاحتجاج على الطريقة التي لا تؤدي دورها كما ينبغي، الشلل التام في التعاون بين الحزبين، انعدام الاستقرار، القطبية، التزلف للجمهور بنزعة يسارية غير واقعية وحيالها تزلف للجمهور يميني محافظ غريب الاطوار.

قبل تحليل المعاني السياسية للانتخابات يجدر الوقوف على المفارقة المذهلة التي عبر عنها الناخبون أول أمس. مفارقة «حكومة كبيرة ومتدخلة حيال حكومة ضعيفة تمنح حرية مطلقة للاسواق». ظاهرا، الحكمة الجماعية التي قصدها الاباء المؤسسون في «أوراق فيدرالية» وفي الدستور عملت جيدا : الناخب وازن، صد وكبح القوة في واشنطن. المدينة كانت بحزب واحد منذ 2008، كلها ملونة بالازرق الديمقراطي. نوازنها بمجلس نواب جمهوري، ونمنح الجمهوريين الانتصار الاكبر منذ 1938 : 61 مقعدا جديدا وسيطرة في مجلس النواب، وتقليص الاغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ من 59 الى 52 (في ولاية واشنطن لم تـُحصَ بعد كل الاصوات وتحتمل صراعات قضائية).

في النظرية هذا جميل. أما عمليا فتوجد هنا مفارقة فظيعة : الامريكيون يطلبون من الادارة ان تفعل أكثر ويصوتون للمرشحين الذين يقسمون بان يقلصوا قدر الامكان التدخل الحكومي. الامريكيون غاضبون لان اوباما لم يخلق أماكن عمل ولم يخلق الظروف الاقتصادية لضمان الامن التشغيلي والحفاظ على قدرة الانتاج والربح لدى الطبقة المتوسطة، اما عمليا فتوجهوا للتصويت لمن يروج بحماسة متزلفة للجمهور لنهج انكماش دور الادارة عندما ينكمش الاقتصاد.
تحالف اوباما 2008 تشقق. النساء، الطبقة الوسطى المتدنية البيضاء والمتقاعدون صوتوا ضد الحزب الديمقراطي وضد الواقع الاقتصادي ولكنهم أيضا أبرزوا بطاقة صفراء لامعة لاوباما : الرئيس، الشخصية، الاسلوب، السياسة، الاولويات. وهم لم يمنحوا تفويضا جارفا للجمهوريين ولكنهم وزعوا القوة. لنراكم تتوزعون المسؤولية. بقدر كبير هذا ما يحتاجه الرئيس اوباما. خصم أم عدو جمهوري انجرف الى مطارح متطرفة وسيسمح للجمهور بان يطل على المستقبل وربما أن يندم. كلينتون فقد في 1994 المجلسين، ولكن في 1996 سأل الامريكيين : هل افضل لكم الان أكثر مما كان قبل أربع سنوات؟ وانتخب بأغلبية هائلة. تحدي اوباما في 2012 سيكون الحصول على ذات الجواب.

رسالة واحدة لم ينقلها الجمهور لاوباما : السياسة الخارجية. يتبين ان تجميد المستوطنات لم يشغل بال الناخبين في اوهايو أو في نيوجيرسي. لا توجد في النتائج أي تأثيرات حقيقية على السياسة الخارجية. لم يكن اهتمام في الحروب المضرجة بالدماء في العراق وفي افغانستان. لم يطلبوا منه قصف ايران، ولكن ايضا لم يطلبوا منه الامتناع عن ذلك. جزء من الصورة الذاتية لامريكا الحديثة هو قوة عظمى مميزة جدا، تحمل حرية. الرئيس يبث قوة الولايات المتحدة هكذا ينبغي أن يكون. مجلس نواب جمهوري لا يوشك على الصدام مع الرئيس على «الشرق الاوسط» حتى لو كان في القدس من يعول على ذلك. ليس لمجلس النواب التفويض او الصلاحيات الدستورية للانشغال في بلورة وتصميم السياسة الخارجية الا من جانب الميزانية (والتي بحد ذاتها هي صلاحيات هائلة) ومن يعتقد انه يمكن في الواقع الحالي في امريكا لعب الالعاب في واشنطن بين الحزبين سيفرم بسرعة.

- [**الون بنكاس│«معاريف»│5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010.*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2177520

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177520 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40