الخميس 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

استراتيجية «تعطيل قوة العدو»

الخميس 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 par د. أمين محمد حطيط

عندما ارست «اسرائيل» كيانها العدواني في فلسطين، لم تكن لتستعيد حقاً، ولم تستند الى شرعية اخلاقية او قانونية تبرر فعلها، بل استعاضت عن الامرين بمنطق القوة المادية، وبشرعية المنتصرين في الحربين الاولى والثانية. وبهذين العنصرين استطاعت ان تحقق الحلم الصهيوني وترسي دعائم «الدولة»، وكان اعداؤها يتراجعون في معظمهم امامها بعد ان يئسوا من تحصيل قوة يضاهون بها القوة العسكرية «الاسرائيلية»، وبعد قنوطهم من «عدالة دولية» وهمية، قام بينها وبين العدل جفاء وعداء حتى بات مجلس الامن مقبرة للحقوق العربية، وحائط ذل وبكاء للضعفاء.

وقد توالت عقود والعرب يتقهقـرون امام « قوة «اسرائيل» وشرعيتها المزيفة»، رغم ان بعضهم ابدى من الشجاعة في المواجهة في الميدان احياناً وحقق الانتصارات في معارك معينة، ما لا يمكن نسيانه، لكن النتيجة في النهاية لم تكن الا لصالح «اسرائيل» في خطها الصاعد المستند الى عنصري وجودها. وهنا كانت محاولة شعبية لكسر هذه الحلقة التي كلما ازداد الدوران فيها ازدادت الخسائر تفاقماً، فكانت المقاومة الفلسطينية التي اعتبرها البعض عملاً سخيفاً غير مجدٍ في مواجهة من جعلته السياسة الدولية وعلى رأسها اميركا متفوقا استراتيجيا على كل العرب، وبالفعل لم تصل هذه المقاومة الى ما صبت اليه. وبشكل موضوعي نقول ان المقاومة ضد «اسرائيل» وفي انطلاقتها الثانية من لبنان كانت مثقلة، بنتائج المقاومة الاولى التي انتهت في العام 1982 بشكل دراماتيكي، تمثل في مشهد جماعات المقاومين الفلسطنيين المجبرين على الرحيل من الميدان حيث حل لبنانيون مكانهم، وانطلقت المقاومة اللبنانية ضد «اسرائيل» متعددة المنطلقات الفكرية ومتوحدة على هدف اساس : قتال العدو لتحرير الارض.

مقاومة لبنان بوجه «اسرائيل» انطلقت من الصفر تقريبا، بحجر وزيت مغلي، وبعض ما صودف من اسلحة نارية خفيفة، لكنها تطورت الى ان اقتنت البندقية والرشاش والمدفع والصاروخ والاجهزة الالكترونية وارست منظومة قيادة وسيطرة، عجز العدو عن خرقها، فحازت بذلك القوة التي لا نقول بانها تعادل القوة العسكرية «الاسرائيلية»، بل انها القوة التي تنال منها فتؤلمها، وتوقظ الوعي لدى العدو بان في الميدان من يتحرك في مواجهته، وانه قادر على ان يجعله يصرخ. ونجحت المقاومة في استراتيجية الايقاظ ثم الايلام التي تطورت الى اشعاره بالثمن الباهظ والكلفة العالية التي تفرض عليه في احتلاله او في هجومه ان كان يريد احتلالاً جديداً، واستعيد المشهد في فلسطين في الداخل وكان النجاح. وبهذه الاستراتيجية كان تحرير جنوب لبنان ثم غزة، وكان الحؤول دون تحقيق اهداف «اسرائيل» في حربيها 2006 و2009. وبعدها تغير الامر حيث يرى البعض ان المقاومة وصلت الان الى الحائط المسدود، بعد ان غابت العمليات الاستشهادية التي زلزلت الامن «الاسرائيلي»، وارعبت جنود العدو، كما وتوقفت العمليات الميدانية في جنوب لبنان وعبره، وتراجعت في الضفة الغربية وغزة، ما يعني ان المقاومة تحولت الى اسم وفكرة في الاذهان وغابت افعالها المؤثرة في الميدان. الامر الذي قد يثير التساؤل حول جدوى المقاومة وبقاء سلاحها مع هذا الجمود العملاني.

على التساؤل لا تكون الاجابة موضوعية برأينا الا عبر الواقع وما يقدمه الميدان حيث نسجل :

(1) قبل المقاومة كانت «اسرائيل»، تقرر الحرب، ثم تذهب اليها وتعود بما ارادت من مكاسب، ثم تكرسها بقرارات من «مصنع الشرعية الدولية المزيفة»، لتحمي بها ما اغتصبت باستثناء حرب تشرين. اما اليوم فان الامر تغير وفقدت «اسرائيل» الحرية في قرار الحرب نظرا لعجزها عن تحقيق الانتصار على المقاومة في الميدان ولعجزها عن تأمين الامن لصهاينتها في الداخل بعد ان تصدع أمن «الجبهة الداخلية» بصواريخ المقاومة، وبعد ان وعت المقاومة زيف الشرعية الدولية فأحجمت عن الانصياع الاعمى لقرارات اميركا باسم «المجتمع الدولي». وما الصورة في جنوب لبنان وقبلها مع القرار 1559 ببعيدة عما نقول، وبموضوعية نرى ان المقاومة عطلت الآن قرار «اسرائيل» بالحرب وكشفت زيف الشرعية الدولية (عنصرا قوة «اسرائيل»).

(2) قبل المقاومة وسلاحها المتراكم اليوم، لم تكن «اسرائيل» لتعبأ كثيرا بقدرات الاعداء وصراخهم او تهديداتهم لانها كانت مطمئنة الى تفوقها عليهم جميعاً، لذلك كانت (خاصة بعد صلحها مع مصر) في امان وطمأنينة كلية لوجودها لان سبب وجودها فاعل في عنصريه (القوة والشرعية المزيفة) اما بوجود المقاومة فقد فقدت «اسرائيل» الامان النفسي.

(3) اما على الاتجاه الاميركي فقد ادت المقاومة وممارستها في المنطقة كفكرة ونهج الى منع اميركا من تحقيق مشروعها الكوني انطلاقا من «الشرق الاوسط»، فكسر العنفوان الاميركي وارغمت اميركا على التخلي عن استراتيجية القوة الصلبة، وحملت على اعتماد استراتيجية الانكفاء.

على ضوء ذلك نقول، رغم ان المقاومة بوجه «اسرائيل» جامدة الان نوعا ما، لكنها جمدت معها قدرة «اسرائيل» على الذهاب الى الحرب، ويكون التجميد والتعطيل متبادلين، حيث نجد مقاومة تملك اليسير من الاسلحة والعتاد، قد توصلت الى تعطيل استعمال الكثير المتطور بيد «اسرائيل» وافقدتها امنها النفسي وطمأنيتها الوجودية. وعلى الجبهة الاميركية، منعت المقاومة اميركا رغم ما تملك من سلاح وتقنية منعتها من تحقيق اهداف حروبها اولاً والزمتها بالعدول عن متابعة الحرب ثانياً، اي بكلمة اخرى حملتها على تجميد استعمال قدراتها العسكرية الفائقة والزمتها بوقف الحروب.

وهنا نرتد الى السؤال التالي : وهل ان في تعطيل قدرات الخصم نصرا؟ او امكانية استعادة حقوق؟ في العلم العسكري هناك قاعدة تقول : «ان استنقاذ المغتصب لا يكون الا بعمل هجومي»، ما يعني ان الحقوق المغتصبة لن تستنقذها السلبية والجمود المتبادل. وهذا يقود الى القول ظاهراً اننا في وضعنا الراهن لسنا في الطريق الى استعادة المغتصب من الحقوق سواء في فلسطين او جنوب لبنان او الجولان.

إذا كانت عناصر وجود «اسرائيل» وبقائها قد تعطلت (القوة والشرعية المزيفة)، وقوة اميركا الداعمة قد جمدت، ثم استمرت المقاومة في انتشارها وتراكم قوتها، لتنتقل من «استراتيجية تعطيل قوة العدو» الحالية، الى دفع العدو الى مزالق التآكل. إن الطمأنينة التي كانت لدى «اسرائيل»، تنتقل اليوم الى صفوف مقاوميها، وبهذا تكون المقاومة الطريق الاستراتجي الاكيد لتجميد العدوان الغربي الصهيوني على المنطقة ثم طرده. ومن هنا نفهم كيف تعمل اميركا و«اسرائيل» للتخلص من المقاومة وداعميها لانها الخطر الحقيقي على مشروعهم كله.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2181076

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2181076 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40