الأربعاء 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

صراع قوى في شرق آسيا

الأربعاء 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

تشهد منطقة شرق آسيا حالياً توترات حول مناطق صيد وملكية جزر صغيرة متناثرة، ولكن كون هالينان، المحلل في معهد الدراسات السياسية في واشنطن يستشف صراع قوى كبرى خلف هذه التوترات التي قد تبدو ثانوية. وقد عرض تحليله في مقال بعنوان «صراع جبابرة الشرق الآسيوي» نشره في موقع «زي نت»، وقال فيه :

ظاهرياً، من الصعب تفسير لماذا تصاعد حادث تصادم ثانوي بين زورق صيد صيني ومركب خفر سواحل ياباني في أغسطس/آب الماضي، إلى درجة أن بكين وطوكيو كادتا تقطعان علاقاتهما. ولكن الحادث يعكس سياسات تعتبرها كل من الدولتين حيوية لمصالحها الخاصة. وهو مرتبط أيضاً بهجمة للولايات المتحدة دفاعاً عن قوتها التقليدية في المنطقة.

والنزاع حول ملكية جزر صغيرة مبعثرة في بحر الصين الشرقي تطالب بها كل من الصين واليابان وتايوان - وهي جزر سنكاكوس كما يسميها اليابانيون أو دياووس كما يسميها الصينيون - يدور حول مكامن طاقة محتملة تحت هذه الجزر أكثر منه حول صيد الأسماك، ولكن طوال أكثر من 30 سنة، كان كلا الجانبين يتجنب إلى حد بعيد نوع المواجهة الذي حدث يوم السابع من أغسطس/آب.

ومن وجهة نظر اليابان، فإن الحادث يعكس سعي الصين المتزايد لتأكيد وجودها في بحري شرق وجنوب الصين، اللذين تصفهما بكين بأنهما منطقة «القلب» بالنسبة لأمنها. ومن وجهة نظر الصين، فإن قيام اليابانيين باعتقال قبطان زورق الصيد الصيني كان عملاً استفزازياً يعكس عداء متزايداً تجاهها من قبل الحزب الديمقراطي الحاكم في اليابان. والصين مقتنعة بأن الأمريكيين وراء المشكلة برمتها.

ومن أحد الوجوه، يمكن اعتبار كلا الجانبين محقاً.

[**تطويق الصين*]

الحزب الديمقراطي الياباني فاز في الانتخابات على أساس برنامج يدعو إلى تحسين العلاقات مع الصين، والتفاوض حول اتفاق جديد بشأن القاعدة العسكرية الأمريكية في اوكيناوا، وإنهاء تبعية اليابان للسياسات الأمريكية، ولكن إدارة أوباما نسفت حكومة رئيس الوزراء الجديد يوكيو هاتوياما برفضها المساومة حول قاعدة اوكيناوا، وعندما انحنى هاتوياما تحت الضغط واستقال، حل محله رئيس الوزراء الموالي للأمريكيين ناوثو كان. ومن وجهة نظر الصين، فإن واشنطن دبرت انقلاباً، وهمشت جناح الاستقلاليين في الحزب الديمقراطي، واعادت اليابان تحت مظلة الولايات المتحدة.

وما أضاف الملح إلى الجرح، هو أن الولايات المتحدة أعلنت عن موعد لإجراء مناورات بحرية أمريكية - يابانية مشتركة بالقرب من الجزر المتنازع حولها، وعن مناورات عسكرية مع تايوان، الجزيرة التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها. وجاء الإعلان عن هذه المناورات بعد وقت قليل من مناورات بحرية على نطاق واسع زجرتها الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية في البحر الأصفر وبحر الصين الجنوبي، وهي مناورات قوبلت باحتجاج قوي من بكين، وكتب العميد البحري يانغ يي مقالاً في صحيفة «جيش التحرير الشعبي الصيني» قال فيه إن الولايات المتحدة «منخرطة في مشروع لفرض تطويق محكم حول الصين، وهي تتحدى على الدوام المصالح الأساسية للصين، ومن المؤكد أن واشنطن ستدفع ثمناً باهظاً لقرارها الملخبط».

وفي المقابل، فإن اليابان محقة في قراءتها التي ترى أن تياراً قومياً قوياً جعل الصين أكثر استعداداً لتحدي ميزان القوى التقليدي في آسيا. وطوال القرن الماضي، كانت القوى الأوروبية واليابان تتعدى على الأراضي الصينية بصورة روتينية، وتقتطع منها أقاليم، وتستغل الموارد الاقتصادية للصين التي لا تزال تكن ضغينة ازاء الغزو الياباني الوحشي خلال سنوات 1931 - 1945.

وهذه الإذلالات التاريخية تلعب دوراً في الأزمة الحالية، ولكن ما يحرك السياسة الخارجية للصين هو في الواقع ضرورة الوصول إلى الطاقة من أجل تغذية طفرة التصنيع الصينية، والجزء الأكبر من موارد البترول والغاز التي تشغل مصانع الصين يأتي عن طريق البحر، والصين تشعر بقلق متزايد إزاء رهافة شريان طاقتها الحيوي . فإذا ما اغلق مضيق ملقا بين سومطرة وشبه جزيرة الملايو، فإن تلك المصانع تتوقف عن العمل.

وبسبب ذلك، فإنه عندما تجري الولايات المتحدة وحليفتاها اليابان وكوريا الجنوبية مناورات حربية بحرية في المحيط الهندي والمياه القريبة من الصين، ترد بكين بتعزيز قواتها البحرية والدفاع بقوة عما تعتبره مجالها الاقتصادي الحيوي. وهذه الاجراءات بدورها تعطي الولايات المتحدة فرصة لبناء تحالفات في المنطقة والاستمرار في جهوزيتها.

[**محاور نزاعات*]

تطالب الصين أيضاً بملكية جزر سبارتلي وباراسيل، وهي عبارة عن مجموعتي جزر في بحر الصين الجنوبي، تطالب بها أيضاً فيتنام، وتايوان، وبروناي، وماليزيا والفلبين. وهذه الدول تريد التفاوض مع الصين ككتلة واحدة، ولكن الصين تصر على التعامل مع كل دولة على حدة بشأن هذا النزاع، وهذا المأزق أتاح للولايات المتحدة الدخول إلى الحلبة وعرض وساطتها حول المسألة. ومن وجهة نظر الصين، فإن الولايات المتحدة تستغل النزاع من أجل اقحام نفسها في واحدة من مناطق «القلب» الحيوية لأمنها، وجر فيتنام والدول الأخرى إلى تحالف ضد الصين. وهذه الدول المعنية تنظر إلى الصين كمستأسد، وترى أنه إذا كانت الولايات المتحدة تريد المساعدة، فهذا أمر مرحب به.

وهناك مسائل أخرى تثير نزاعات في المنطقة.

إن مستقبل امدادات المياه يثير قلق الصين. إذ إن جبال الهيمالايا تشكل مصدراً رئيسياً لمياهها، ولكن الأنهر الجليدية هناك تنحسر بسرعة نتيجة للتغير المناخي ويفترض بالبلدان المحاذية لسلسلة جبال الهيمالايا أن تجري مشاورات فيما بينهما، ولكن الصين منهمكة في بناء سدود من أجل حبس كميات كبيرة من المياه المتدفقة.

وهناك أيضاً توترات تاريخية في المنطقة. فالهند خسرت شريحة ضخمة من الأراضي لمصلحة الصين خلال الحرب الصينية - الهندية عام 1962، في حين أن بكين أخذت منذ العام 2005 تطلق اسم «جنوب التيبت» على منطقة اروناشال برادش الحدودية الخاضعة للسيطرة الهندية. وهناك أيضاً تقارير تفيد بأن الصين تحشد قوات عسكرية في هذه المنطقة. ورغم أن بعض القوى اليمينية في الهند تتحدث علانية عن خطورة الوضع، إلا أن نشوب نزاع مسلح مع الصين يبدو مستبعداً. ومع ذلك، فإن النزاع الحدودي أدى فعلياً إلى توثيق الروابط بين نيودلهي وواشنطن.

وتشكل تايوان منطقة «قلب» أخرى. والولايات المتحدة تبيع أسلحة لتايوان، وتجري مناورات بحرية مشتركة مع اليابان غايتها التصدي لغزو صيني للجزيرة. غير أن استطلاعات رأي حديثة العهد اجريت في تايوان أظهرت أن السكان ليسوا متخوفين عموماً من غزو، في حين أن تايوان والصين أجرتا مناورات مشتركة في مجال البحث والإنقاذ. والصين تتهم الولايات المتحدة باثارة المشكلات، ولكن رفض الصين التخلي عن خيار غزو تايوان في حال إعلان استقلالها من طرف واحد يتيح للولايات المتحدة موطئ قدم في المنطقة.

في هذه الاثناء، تعتبر الولايات المتحدة واليابان أن كوريا الشمالية دولة غير مستقرة وتشكل تهديداً نووياً خطيراً. ومن وجهة نظر الصين، فإن الولايات المتحدة وخلفاءها يريدون انهيار كوريا الشمالية، الأمر الذي لن يؤدي إلى طوفان لاجئين باتجاه الصين فحسب، وإنما سيضع أيضاً كوريا الجنوبية المتحالفة مع الولايات المتحدة على الحدود الجنوبية للصين.

[**آفاق حلول*]

من الواضح أن الولايات المتحدة تحاول تطويق الصين بقوات عسكرية ومنظومة تحالف معادية لما تعتبره بكين مصالحها الأساسية. وحاجة الصين إلى الطاقة والمياه والأمن دفعتها أيضاً إلى السعي لإثبات وجودها، وهو ما لم تفعله خلال زمن طويل.

غير أن أية من هذه التوترات لا تستعصي على حل. صحيح أن وجود قوات مسلحة أمريكية في الفناء الخلفي للصين يشكل تهديداً محتملاً، ولكن نزوع الصين للقتال في أماكن مثل جزر سبارتلي والتيبت يعطي الولايات المتحدة سبباً لابقاء قوتها العسكرية في آسيا. واحتياجات الطاقة أصبحت اليوم عالمية، وبالتالي ليس من الضروري أن تكون موضع تنافس. ومياه الهيمالايا ليست مشكلة بالنسبة للهند والصين فقط، وإنما أيضاً بالنسبة لآسيا الوسطى وجنوب آسيا، وجنوب شرق آسيا.

وهناك مؤشرات على أن الأطرف تحاول احتواء النيران. فالصين وافقت على استئناف اجتماعات وتبادل زيارات العسكريين مع الولايات المتحدة، في حين أن كلاً من بكين وطوكيو اظهرتا وداً تجاه بعضهما بعضاً خلال القمة الآسيوية - الأوروبية التي عقدت أخيراً في بروكسل. وفي الوقت ذاته، جرت مظاهرات احتجاج صغيرة ضد اليابان في مدينة ووهان الصينية، ولكن هذه المظاهرات بقيت حتى الآن موضعية ومن غير المحتمل أن تستمر من دون إيماءة من حكومة بكين.

ثم إن المشكلات الوطنية لها انعكاسات إقليمية، بينما المشكلات الإقليمية تتخذ أكثر فأكثر ابعاداً عالمية. ولهذا فإن تقوية الأمم المتحدة وتطوير ديمقراطيتها ضروريان من أجل حل هذه الازمات. أما البدائل - مثل تصاعد النزاعات وحتى نشوب حرب بين العملاقين في شرق آسيا، فهي مادة كوابيس.

- [**المصدر : صحيفة «الخليج» الاماراتية│ترجمة : صباح كنعان.*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2176747

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2176747 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 3


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40