السبت 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

لن تكون آخر الحروب

السبت 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par د. محمد السعيد ادريس

انقضى شهر اكتوبر/ تشرين الأول، دون أن يشهد مراجعات وقراءات وتحليلات معمقة يجريها خبراء عسكريون واستراتيجيون لدروس حرب اكتوبر من عام 1973 المجيدة من أجل استخلاص الدروس والعبر الواجبة بهدف إعادة ترتيب الخيارات والاستراتيجيات العربية الخاصة بإدارة الصراع مع الكيان الصهيوني، في وقت تواجه فيه ما تسمى بـ «عملية التسوية» أخطر مآزقها بعد أن وصلت المفاوضات المباشرة الفلسطينية «الإسرائيلية» إلى طريق مسدود، ولم يحقق خيار السلام العربي أية نتائج إيجابية للعرب، ناهيك عن العدوانية المفرطة التي تتعامل بها مع المقاومين، وتردي حال الوحدة الوطنية الفلسطينية، في حين أنها (عملية التسوية) هدفها كسب المزيد من الوقت للتوسع والاستيطان وإكمال مشروع الدولة اليهودية على حساب كل الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني.

لقد دأب النظام الرسمي العربي ومعظم مراكز الدراسات والبحوث العربية على التعامل مع هذه الحرب باعتبارها مجرد جولة عسكرية لم تكتمل، أو أنها مجرد «حرب تحريك» وليست حرب تحرير، وهناك ماهو أكثر حيث اعتبر الرئيس السادات أن هذه الحرب هي «آخر الحروب» وقاد مصر إلى التطبيع والخروج الكامل من دائرة الصراع، وأعطى لـ «إسرائيل» فرصة لكسب واحدة من أهم معاركها التاريخية وأهم انتصاراتها التي لم تحلم يوماً بها وهي «معركة السلام» مع مصر التي حققت بها من المكاسب ما لم تحققه من أي حرب ضد العرب، لأن خروج مصر من المواجهة قد أنهى المواجهة من الناحية الفعلية بين العرب والكيان الصهيوني وفرض التسوية خياراً لا فكاك منه، لكن كل هذا شيء، وإدراك أن هذه الحرب كانت واحدة من أهم وأبرز انتصارات العرب ضد هذا العدو شيء آخر يستوجب التوقف أمامه وتدارس نتائجه واستخلاص دروسه كما يفعل «الإسرائيليون» على مدى كل السنوات الماضية من دون كلل أو ملل ضمن استعداداتهم، التي لا تتوقف، عسكرياً وسياسياً في سياق إدارة صراعهم الوجودي مع العرب.

لم يستطع العرب أن يواصلوا استخلاص دروس هذه الحرب، بل إنهم تقاعسوا عن تفعيل ما جرى استخلاصه من دروس في السنوات الأولى التي تلت هذه الحرب وقبل أن يعلن الرئيس المصري أنور السادات أن هذه الحرب هي «آخر الحروب»، وفي السنوات الأخيرة تجاهلوا أنهم سبق لهم خوض حرب انتصروا فيها، وبسبب تعمد تحويل دروس هذه الحرب إلى ثوابت استراتيجية تحكم الفكر والأداء الاستراتيجي العربي، وبالذات ما يتعلق منها بإدارة الصراع مع الكيان الصهيوني، وهو الصراع الذي أثبتت هذه الحرب، ضمن ما أثبتت، أنه صراع يتجاوز الحدود الضيقة للصراع المتعلق بقضية فلسطين والأراضي العربية الأخرى المحتلة، ولكنه صراع وجودي بين هذا الكيان والمشروع الذي يعبر عن ويسعى إلى تحقيقه، وقعوا في أخطاء فادحة جعلتهم أسرى لأكذوبة أحادية الخيارات العربية في إدارة الصراع مع هذا الكيان.

ما يعانيه العرب الآن من فشل وعجز في جهود إنقاذ عملية السلام في ظل جمود المفاوضات المباشرة الفلسطينية «الإسرائيلية» هو نتيجة للتجاهل العربي المتعمد لدروس حرب اكتوبر وما سبقها. فقد تجاهل العرب الدرس المهم الذي استخلصوه من عدوان يونيو/ حزيران عام 1967 الذي أكد أن صراع «إسرائيل» معهم ليس حول فلسطين فقط ولكنه صراع حول مشروع النهضة العربية كله.

«الإسرائيليون» لم يتوقفوا لحظة عن التعامل مع الصراع بجوهره على أنه صراع بين مشروعهم ومشروع آخر عربي يحذرون بزوغه ويحرصون على احتوائه ووأده في ميلاده، كما أنهم لم يتوقفوا عن تدارس وتأمل تجربة حرب اكتوبر 1973، وفي كل عام كانوا يكشفون أسراراً ويستخلصون دروساً، واستطاعوا أن يتكيفوا مع نتائج هذه الحرب سريعاً والعطب الذي أصاب نظريتهم واستراتيجيتهم الأمنية التي فرضوها بعد عدوان يونيو 1967، فبدلاً من اعتماد نظرية الردع بالتفوق العسكري والربط بين أمن «إسرائيل» من ناحية والتوسع في ضم الأراضي من الدول المجاورة من ناحية أخرى، والطموح لبناء مشروع «إسرائيل الكبرى» اتجهوا بعد حرب اكتوبر 1973 إلى تأسيس مشروع «إسرائيل العظمى» القادرة على تحقيق الأمن والحفاظ على الوجود «الإسرائيلي» من خلال فرض «إسرائيل» قوة إقليمية عظمى قادرة على فرض الهيمنة والسيطرة الإقليمية.

معادلة مهمة تربط بين القوة العسكرية المتفوقة والسلام الذي تريده «إسرائيل» مع العرب، وجاء جابي اشكنازي رئيس الأركان ليجدد منذ أسبوعين فقط المزيد من استخلاص دروس وعبر حرب اكتوبر 1973 في واحدة من أهم مراجعات العسكريين «الإسرائيليين» لهذه الدروس. فبعد أن أكد أن الجيش «الإسرائيلي» ملزم بأن يكون كل الوقت مدرباً وجاهزاً، أكد أن كل المراجعات التي شهدتها «إسرائيل» طيلة هذا الشهر لدروس «حرب يوم الغفران» تؤكد أن «إسرائيل» بجيشها ومجتمعها لا تقدر على التعرض لـ «يوم غفران آخر» بما جسدته هذه الحرب من «صدمة محفورة وحضور دائم كالظل»، معلناً، في لطمة قوية لكل أنصار أن حرب اكتوبر هي آخر الحروب، أن «الدرس المركزي من حرب يوم الغفران هو أن تكون اصبعنا دوماً على الزناد، وأن لا نستخف بأي عدو».

استخلاص مفاده أن حرب اكتوبر لم ولن تكون آخر الحروب وهذا ما لا يريد كثير من العرب تصديقه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2165328

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2165328 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010