السبت 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

في انتظار أوباما

السبت 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par د. عصام نعمان

كثيرون من القادة والساسة في العالم ينتظرون باراك أوباما. ينتظرون ما سيفعل به ناخبو بلاده في الانتخابات النصفية يوم الثلاثاء 2 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. هل يُقبلون على انتخاب مرشحي حزبه الديمقراطي بنسبة مئوية عالية ليبقى الحزب محتفظاً بأكثريته المريحة في مجلس النواب وبوضعه المقبول في مجلس الشيوخ، أم أنهم سيفضلون انتخاب مرشحي الحزب الجمهوري المعارض؟

نتيجة الانتخابات مهمة جداً للرئيس الأمريكي، كما لكثيرين من القادة والساسة في مختلف مناطق العالم، ولاسيما في المنطقة العربية. هي مهمة لأوباما لأن السيطرة على الكونغرس شرط لتشريع الكثير من القوانين غير العادية واللازمة لاستكمال اصلاحاته في جميع الميادين، ولاسيما في الميدان الاقتصادي. وهي مهمة للقادة والساسة الذين يعتمدون على الولايات المتحدة مالياً لدعم ميزانياتهم غير المتوازنة، وعسكرياً لدعم دولهم حيال دول مجاورة تناصبهم العداء، وسياسياً حيال خصومهم المعارضين في الداخل.

في فلسطين المحتلة، يراهن محمود عبّاس على أوباما لتعاود إدارته ضغطها النسبي على حكومة بنيامين نتنياهو من أجل تجميد الاستيطان لجعل استئناف المفاوضات المباشرة مع «إسرائيل» أمراً ممكناً. هذا الرهان مهدد بالسقوط إذا خسر حزب أوباما في الانتخابات لأن الجمهوريين، الأكثر تعاطفاً مع «إسرائيل» من الديمقراطيين، لن يمكّنوا أوباما من الضغط على أصدقائهم الصهاينة.

في المقابل، ينتظر نتنياهو نتيجة الانتخابات الأمريكية ليعرف كيف سيتعاطى مع أوباما. فقد تحسّب لاحتمال احتفاظ حزب الرئيس الأمريكي بالسيطرة على الكونغرس، كما لفقده هذه السيطرة. صحيفة «معاريف» أوردت أن لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» خطة سياسية لتجميد أعمال البناء في المستوطنات فترة قد تستمر ثلاثة أشهر من أجل الافساح في المجال لمعاودة المفاوضات مع الفلسطينيين. إذا فاز حزب أوباما في الانتخابات، فإن نتنياهو سيعرض الخطة عليه خلال زيارته واشنطن الشهر المقبل. إذا اخفق الحزب الديمقراطي في الاحتفاظ بالكونغرس فإن نتنياهو سيطوي الخطة أو قد يشترط على الفلسطينيين الاعتراف بيهودية الدولة كثمن لتجميد الاستيطان فترة محدودة.

في لبنان، ينتظر الأطراف جميعاً نتيجة الانتخابات الامريكية. رئيس الحكومة سعد الحريري وحلفاؤه من قوى 14 آذار يتمنون فوز الجمهوريين لأنهم أكثر تصلباً من الديمقراطيين حيال المقاومة اللبنانية وسوريا الداعمة لها ما يؤدي إلى مضاعفة أمريكا دعمها للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان. لذلك يلجأ الحريري إلى ذرائع مختلفة للتهرب من المخارج التي تُعرض عليه، محلياً واقليمياً، لمعالجة مسألتي «شهود الزور» والمحكمة بانتظار اتضاح اتجاه الريح في واشنطن.

معارضو الحريري لا يعلّقون أهمية على نتيجة الانتخابات الامريكية لأن كلا الحزبين المتنافسين معادٍ للمقاومة ومؤيد للمحكمة الدولية. لذلك فهم ينتظرون الحريري ولا ينتظرون أحداً غيره ليبت في المخارج التي تُعرض عليه. وقد تردد أخيراً أنهم تحسبوا لامكانية تصلب الحريري إذا ما قيض للجمهوريين أن يفوزوا فقرروا حسم مسألتي «شهود الزور» والمحكمة قبل 2/11/2010.

لعل ما يشجع معارضي الحريري على تسريع البت بالقضايا العالقة معه موقفُ سوريا من الولايات المتحدة وسياستها في المنطقة. فقد اتضح من تصريحات الرئيس بشار الأسد مؤخراً أن سوريا لا تتوقع موقفاً إيجابياً من أمريكا، لا حيال لبنان ولا فلسطين ولا حيالها تحديداً. لماذا؟ لأن «الرئيس في أمريكا غير قادر وحده على القيام بإنجازات كبرى عندما لا تكون المؤسسات داعمة له». ماذا عن المؤسسات؟ انها، ولاسيما اللوبيات (أي جماعات الضغط)، واقعة تحت تأثير الصهاينة ولا تتوقع منها سوريا أي خطوة ايجابية حتى لو اقتصرت على إرسال سفير لواشنطن إلى دمشق. مع العلم أن الرئيس السوري يبدو غير مهتم أبداً بأن يرسل الأمريكيون سفيراً. فهذا الأمر «يخص أمريكا ويخدمها ولا يضر سوريا ... نحن سفيرنا موجود في أمريكا، وهو يخدم مصالحنا وليس العكس».

في العراق ينتظرون أيضاً نتيجة الانتخابات الامريكية. ينتظرونها ليعرفوا ما إذا كان الجمهوريون المحتمل فوزهم سيتمسكون بالاتفاق الضمني الحاصل بين ادارة أوباما وطهران بشأن تجديد ولاية نوري المالكي في رئاسة الحكومة أم أنه سيكون لهم موقف آخر.

العرب، أو بعضهم، ينتظرون اذاً أوباما. ماذا ينتظر الرئيس الأمريكي من الناخبين في بلاده؟

إنه يستشعر بقوة وطأة المد الجمهوري الذي يهدد حزبه الديمقراطي، ولاسيما في ولايات الساحلين الغربي والشرقي التي لم تكن في خانة المنافسة إذ تعكس استطلاعات الرأي فيها ارتفاع ضغوط الجمهوريين. وفي حين يحاول أوباما، ومعه سلفه بيل كلينتون وقف الزخم الجمهوري بمخاطبة اجتماعات انتخابية واسعة في الولايات الحاسمة وتسويق الورقة الاقتصادية الاصلاحية للحزب الديمقراطي، يرد الجمهوريون باستغلال النقمة الشعبية على ارتفاع معدل البطالة (7،9 في المئة) على المستوى الوطني الرسمي، ولكن أكثر من 10 في المئة استناداً إلى الخبراء، والبطء الشديد في عودة الثقة إلى المستهلك، وتفاقم عجز الميزانية، والتكلفة العالية لإصلاح الضمان الصحي وخطة انقاذ المصارف.

ثمة ترجيحات قوية بأن يفوز الجمهوريون فيسيطرون على مجلس النواب بغالبية ضئيلة، وأن يقلّصوا عدد الاعضاء الديمقراطيين في مجلس الشيوخ من 57 عضواً إلى 52 من مجموع مئة. وفي حال تحققت هذه التركيبة الجديدة للكونغرس فإن أوباما سيجد نفسه مضطراً إلى ممارسة نمط جديد من الحكم وإلى التخلي عن خطط إمرار قوانين اصلاحية استثنائية كإصلاح النظام المالي أو الضمان الصحي، إذ سيضطر إلى استرضاء الجمهوريين بقوانين تعزز التجارة الحرة والاستثمار في الطاقة أو اصلاح نظام الهجرة.

هل من تغييرات ستطرأ على سياسة أوباما الخارجية في الشرق الأوسط؟

سيكون الجمهوريون، غالباً، اكثر تشدداً من أوباما في أفغانستان، ومع إيران وربما حيال أي حكومة في العراق تتوافق طهران ودمشق على دعمها . أما في لبنان، فالأرجح أن يمارس الجمهوريون تصلباً إزاء المسائل الخلافية بين فريقي 8 و14 آذار اكثر مما تمارسه حالياً ادارة أوباما.

في فلسطين المحتلة، سيرتاح نتنياهو، وفريقه الحاكم لفوز الجمهوريين لأنهم أكثر تعاطفاً مع «إسرائيل» في هذه الآونة من الديمقراطيين وأكثر عداء لقوى المقاومة العربية والاسلامية التي يعتبرونها حليفة قوية لسوريا وإيران.

ودول عربية لن تبتئس لفوز الجمهوريين المتشددين إزاء إيران، لكنها ستشعر قطعاً بالإحراج إذا ما تسبب فوزهم بضغط على أوباما لوقف «ضغطه» المحسوب والمحدود على «إسرائيل» لتجميد الاستيطان بضعة أشهر من أجل عودة المفاوضات بينها وبين الفلسطينيين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165272

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165272 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 2


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010