الجمعة 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

خطايا تبني سرديات الرواية التوراتية

الجمعة 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par ماجد الشيخ

يعيد مسار المفاوضات الممتنعة والمستعصية، وأهوال الزحف الاستيطاني، وفظاعة ما يجري طرحه في شأن «يهودية الدولة»، في ظل استضعاف الفلسطينيين واستفرادهم؛ قيادة وشعبا، سلطة ومعارضة، وعدم احتساب الظهير أو السند العربي المفترض لأشقائهم الفلسطينيين في معادلة موازين القوى، كل هذا ينبغي أن يعيدنا قسرا إلى منعطف استعادة زمام المبادرة، لفرض حقائق سردية الرواية الفلسطينية، في مواجهة خرافات وأساطير سردية الرواية التوراتية التي تحولت إلى واقع. هذا أولا، ومن ثم مواجهة وقائع ومعطيات اليهودية الاستشراقية ثانيا، بما هي «الصوت العالي» وسط ضجيج أصوات خافتة، لا تسعى إلى نقض الرواية الناقضة للتاريخ ولجوهر الوجود التاريخي، الذي كانته السردية الفلسطينية، كنقيض مصيري ووجودي لمقولة «أرض لشعب فلسطين لأناس من كل الأرض»، وهذا ما لن يستقيم ومنطق التاريخ ومآلات إنطاقه واستنطاقه؛ إلاّ باستعادته كناطق باسم الحقيقة التاريخية التي تؤكد أن الوجود التاريخي العميق الجذور، لم يكن من نصيب شعب آخر غير الشعب الفلسطيني. أما مزاعم الوجود اليهودي فوق أرض فلسطين، فهي تماما كمثل سردية الوجود العربي أو الإسلامي في إسبانيا وفي غيرها من مناطق العالم، إنما هي من نوع السرديات العابرة لوجود عابر، لأشخاص ذوي هويات متعددة، صدف ووجدوا على أرض فلسطين في مرحلة تاريخية معينة، مثلما تواجد أشخاص من ذوي هويات وجنسيات أخرى، ومن أديان وثنية وغير وثنية.

لقد وجد يهود في فلسطين، ولكن ليس اليهودية، بما عنته وتعنيه وفق أصحابها من نشوء وارتقاء وجود تاريخي لأتباعها؛ استمر وتواصل وانقطع، إلى أن عادت إليه مسيرة تواصله، على يد الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، بارتباط وثيق بوجود وإلهام الرأسماليات الغربية ومصالحها وصراعاتها، ومنافساتها على الأسواق وثروات البلدان المستعمرة، ومحاولاتها الهيمنة على طرق تصديرها واستيرادها المواد الخام ومنتجاتها وبضائعها؛ فاليهودية نشأت في مكان آخر، بعيد من فلسطين ومصر وبلاد الشام وبلاد ما بين النهرين عموما، وإن ترحّلت وارتحلت وجرى سبي أقسام منها إلى تلك البلاد من «بلاد المنشأ»، فلظروف وعوامل توافر الكلأ والماء، وتراثها الميثولوجي الذي حملته معها في ترحالها الدائم، بحثا عن موطئ أقدام لاستقرار قبائلها من جهة، ومحاولة مطابقة تصوراتها «الإيمانية» مع «التراث الإيماني» لشعوب العالم القديم، من جهة أخرى.

وحتى لا نقع اليوم في شراك خدع «التشارك الإيماني»، لجر شعوبنا إلى مستنقعات «يهودية الأرض والدولة»، ينبغي العودة إلى تلميع سردية الرواية الفلسطينية، كما هي، وكما كانت على الدوام: النقيض التاريخي لسردية الرواية التوراتية القديمة أولا، وتلك اليهودية - «الإسرائيلية» على ما صارته اليوم ثانيا، وهذا يتطلب جهدا، بل جهودا جبارة يتسع نطاقها بدءا من الفلسطينيين أنفسهم، لا سيما أولئك الذين لم تخدعهم سردية الرواية التوراتية، ولا صادقوا بعضها «إيمانيا»، وصولا إلى كل أولئك الذين يقفون مع الحق التاريخي لفلسطين كوطن، والحقوق التاريخية الثابتة لشعبها؛ كحق العودة وحق تقرير المصير، وحق البقاء في وطن الآباء والأجداد.

إن تصلّب اليمين المتطرف بائتلافه الحاكم، وممارسات وسلوك مستوطنيه على الأرض، وتشريعاته الفاشية في «الكنيست»، هو الانعكاس الأوضح والأفصح لمراوغات التشدد على طاولة المفاوضات، بل هو السلوك الانعكاسي الذي لا يمكن فهمه إلاّ في إطار الإجماع الصهيوني في الداخل، المؤيّد بإجماع أميركي - غربي متوافق عليه، فحواه أن لا تسوية في المنطقة إلاّ بالاستجابة للشروط «الإسرائيلية» - الغربية، وعلى حساب الشعب الفلسطيني وأرض وطنه التاريخي وحقوقه التاريخية الثابتة. من هنا ما نشهده اليوم من «صحوة يهودية الدولة»؛ ليس لدى أتباع اليمين الصهيوني، بل لدى بعض إدارات غربية، باتت في دعمها «دولة يهود العالم»؛ صهيونية أكثر من كثير من «الإسرائيليين»، وأكثر من كثير من اليهود الغربيين.

لهذا يخطئ، بل ويراكم خطايا بالجملة، كل من يعتقد أن مسألة «يهودية الدولة» لا تعنيه، ولا تعني الشعب الفلسطيني، بل إن من صميم ما تعنيه تلك المسألة، هو فرض استسلام غير مشروط، ليس على الفلسطينيين فحسب، بل على كل الأشقاء والأصدقاء، مقدمة للفوز فيما بعد بمفاوضات تسوية؛ يجري تصميمها على ألاّ تقر بأي شكل من الأشكال بالحق التاريخي للفلسطينيين في أرض وطنهم، حتى لو جرى الإقرار بدولة فلسطينية منزوعة السلاح، ومنزوعة منها كل الكتل الاستيطانية الكبرى، ومنزوعة منها أحقيتها في السيادة الأمنية والحدودية واستقلالها الاقتصادي؛ باختصار.. فإن ما يجري رسمه تسوويا للفلسطينيين؛ دولة بلا مقوّمات دولة؛ فلا هي تحقق استعادة القدس الشرقية أو قسما منها، ولا هي تعيد اللاجئين أو قسما منهم إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها، ولا يمكنها إصدار عملتها الخاصة، فأي دولة هي هذه الدولة؛ ناهيك عن أن الاستيطان الزاحف ومخططاته الهيكلية، لا يبقي ولن يبقي للفلسطينيين سوى إدارة بلدية، لا تمتلك حتى صلاحياتها البلدية المتعارف عليها.

وهنا نحن في مواجهة محاولة فرض مخطط استسلام متكامل، يفعل أفاعيله في شطب وتصفية القضية الوطنية الفلسطينية، في «شرق أوسط جديد»، تهيمن فيه «دولة يهود العالم» بشكل كامل ومتواز مع هيمنة معولمة لرأسماليات لا وطن لها، كممثلة للاهوت الاستيطان - الإستعماري، ومفاهيمه «الإيمانية» الأسطورية الموروثة من سرديات الخرافة التوراتية القديمة، ولاهوت المسيحية - الصهيونية الحديثة.

وإذا كان الاستشراق، كما لاحظ إدوارد سعيد، هو مؤسسة عملية قام بواسطتها الباحثون والمهتمون بالشرق، بإيجاد تاريخ يتوافق مع مخططاتهم الاستعمارية، وأيضا مع تحيّزاتهم الثقافية والدينية، فهكذا فعل توراتيو الأزمنة الغابرة، ويفعل الآن توراتيو الأزمنة الحديثة في نظرتهم إلى الوطن الفلسطيني والشرق بعامة. فبأي أدوات نواجه ونقاوم، وبأيها ننقض هذا التراث الذي يحاول أن يكون إحلاليا بشكل متكامل في وجهنا؛ نحن أصحاب الأرض؟.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 52 / 2178006

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2178006 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40