الجمعة 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

قضية الديموقراطية في علاقة مصر وأميركا

الجمعة 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par د. سمير كرم

موسم الانتخابات في مصر هو موسم الحديث الشعبي والاعلامي، وأيضاً الرسمي، عن العلاقات المصرية الأميركية ... وفي البلدين.

فما بالنا والموسم مزدوج. فهناك انتخابات منتصف المدة الرئاسية الاميركية (التي ينتخب فيها كل اعضاء مجلس النواب وثلث اعضاء مجلس الشيوخ)، وهذه ستجري يوم الثاني من تشرين الثاني المقبل. وهناك أيضاً انتخابات مجلس الشعب المصري بعدها بأيام (بالتحديد في 28 من الشهر نفسه).

لكن هل ثمة لغز في العلاقات المصرية - الاميركية يجعل طرحها يرتبط بالانتخابات؟ ام ان العلاقات في الحقيقة - وحسب التعبير الشعبي المصري - «سمن على عسل» من جميع النواحي الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية وحتى الثقافية، بما في ذلك ما يتصل بقضايا مصر القومية والوطنية وما يتصل - وهذا أهم المهم - بالعلاقات مع «إسرائيل».

ليس هناك من لغز. إنما يمكن وصف العلاقات المصرية - الاميركية بأنها لم تكن أبداً خلال خمسين عاماً على الأقل، ثنائية، انما كانت دائما ثلاثية. اذ ان الحديث عن علاقات ثنائية بين مصر وأميركا هو من قبيل التجريد. ان «إسرائيل» طرف في هذه العلاقات اينما اتجهت وأينما اتجه الناظر اليها.

اما ارتباط الحديث عن العلاقات المصرية - الاميركية بالانتخابات، فهذا يرجع الى رغبة الادارة الاميركية - كل ادارة اميركية ولا فرق هنا بين ادارة باراك اوباما وادارة جورج بوش قبلها - في ان تضع اهتمامها بالديموقراطية في مصر وكأنها في المقدمة على كل ما عداها.

وهذا العام بالذات فإن المسألة اعقد من كل المرات السابقة بسبب دخول عنصر التوريث الرئاسي. فليست «الادارة المصرية» - او الرئاسة المصرية بتعبير مصري - معنية فحسب بالموقف الاميركي من مسألة ترشيح جمال مبارك للرئاسة، انما الادارة الاميركية معنية بالأمر وتريد ان لا تبدو طرفاً يؤثر - فضلا عن ان يقرر - اذا كان التوريث سيجد مجالا في انتخابات الرئاسة المصرية بعد عام واحد من انتخابات مجلس الشعب.

ولقد تردد هذا العام على ألسنة كثيرين من المسؤولين الرسميين الاميركيين كلام كثير في هذا الصدد ترك انطباعاً بأن الادارة الاميركية، ربما لم تنته الى قرار محدد، بما اذا كان يتعين عليها ان تؤيد ترشيح مبارك الإبن، او تنأى عن ذلك تماما او تقف محايدة ازاءه. الى ان بدا في الايام او الاسابيع الاخيرة على اقصى تقدير ان مسألة ترشيح مبارك الإبن للرئاسة تراجعت كثيرا وأصبحت مسألة مؤجلة بالنسبة لانتخابات الرئاسة القادمة. عندئذ قويت في الدوائر الرسمية احتمالات تتحدث عن معارضة صريحة من جانب الادارة الاميركية لفكرة التوريث الرئاسي. وتردد في هذه الدوائر ان آخر الاتصالات مع الادارة الاميركية - وبالتحديد مع الرئيس اوباما - اسفرت عن نصيحة صريحة بالعدول عن ترشيح مبارك الإبن للرئاسة. لماذا؟ لأن الدلائل كثيرة بأن هذا الموضوع من شأنه ان يهز الاستقرار السياسي في مصر، وهذا هو احرص ما تحرص عليه الادارة الاميركية كهدف للعلاقات المصرية ـ الاميركية.

وبطبيعة الحال فإن المعارضة الاميركية التي جاءت بعد تردد طويل وتفكير كثيف من جانب الأجهزة الاميركية، اتخذت صورة نصيحة هادئة للرئاسة المصرية، وليس صورة ضغط صريح وقوي لثني الرئاسة المصرية عن رغبتها في ترشيح جمال. ولعل الحقيقة اميل لأن تكشف ان الادارة الاميركية كانت على علم وبوضوح بأن ثمة تردداً مصرياً رسمياً يمكن الارتكان اليه في إبعاد فكرة التوريث، فضلا عما هو شائع من وجود معسكرين في النخبة المصرية الحاكمة، احدهما مع ترشيح جمال والآخر ضده. المهم ان اقناع الرئيس مبارك لم يكن امرا يتسم بالصعوبة.

كذلك تردد كلام كثير في الدوائر الاميركية ـ دوائر صنع القرار ودوائر صنع الافكار (مراكز الدراسات) - عن مسألة الرقابة الدولية على انتخابات مجلس الشعب المصري. كان من الواضح للمتابعين ان اثارة هذا الاقتراح من الجانب الاميركي جاءت متاخرة كثيرا فلم تكن هناك فرصة لفرضها على السلطات المصرية ولا كانت هناك فرصة لجعل الرفض الرسمي المصري للفكرة موضوعا لنقاش مستفيض. آخر المتحدثين بفكرة الرقابة الدولية كان الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر الذي زار القاهرة مؤخرا والذي انضم الى قائمة الشخصيات والمؤسسات الدولية التي تطالب الحكومة المصرية بالموافقة على السماح لها بالمشاركة في مراقبة الانتخابات البرلمانية.

وتبين ان كارتر قدم عدة طلبات للحكومة المصرية لتسمح باستقبال نحو 25 مراقبا لمتابعة الانتخابات المقبلة. ويبدو انه لم يتلق رداً فورياً من الحكومة المصرية.

وكانت تامارا ويتس، مساعدة وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون «الشرق الاوسط»، قد زارت القاهرة ايضا قبل كارتر بأيام قليلة وأكدت اهمية اجراء انتخابات حرة ونزيهة في مصر، وقالت انه «ينبغي ان يشارك المصريون في الانشطة السياسية بسلام وينبغي احترام حقوقهم هذه». وأكدت ويتس ان هناك حوارا قائما على الاحترام المتبادل مع الحكومة المصرية حول هذه القضية، وان هذا الموضوع «كان قيد النقاش بين الرئيسين مبارك وأوباما خلال الفترة الاخيرة».

وعلى الجانب الاميركي ايضاً فإن هناك مشروع قرار مطروحا على مجلس الشيوخ حول الديموقراطية في مصر ينطوي على انتقاد لما اعتبره «عدم وفاء الرئيس مبارك بوعده إلغاء قانون الطوارئ» ويطالب بإلغاء هذا القانون من اجل «ضمان ان تكون الانتخابات المقبلة حرة وشفافة ومعبرة عن ارادة الناخبين». ويدعو مشروع القرار هذا الى «السماح لمراقبين دوليين ومحليين بالاشراف بدون اي معوقات وان تتوقف اجهزة الامن عن استخدام العنف».

وتجدر الاشارة هنا الى انه اذا صحت التوقعات في الولايات المتحدة بأن يخسر الحزب الديموقراطي اغلبيته ويكسبها الجمهوريون في مجلس الشيوخ، في انتخابات الثلاثاء الاول من الشهر المقبل، ستضيع فرصة ادارة اوباما لتخفيف لهجة هذا المشروع او رفضه وسيتمكن الجمهوريون من إقراره وفرضه على الادارة التي ستحاول بالتالي فرضه على مصر.

على الجانب الرسمي المصري يلاحظ ان الرد على مثل هذاالمشروع يتخذ طابعا حادا. اذ قال المستشار الاعلامي في السفارة المصرية في واشنطن محمد حجاج ان مشروع القرار المطروح «لا يتوافق مع المسار الايجابي للعلاقات الثنائية بين الجانبين المصري والاميركي». وأضاف ان المشروع «يتطرق لقضايا من صميم الشؤون الداخلية لمصر، وهو كمبدأ عام شيء لا نقبله من اي طرف». ووصف المشروع بأنه يأتي في وقت يشهد تكثيف التعاون بين البلدين للتصدي لتحديات اقليمية بالغة وعلى رأسها عملية السلام ودعم مصر لجهود الولايات المتحدة لإحداث اختراق دبلوماسي ملموس على صعيد عملية السلام».

واذا اردنا ترجمة بلغة غير دبلوماسية لهذه التصريحات المصرية فإن ما قاله المستشار الاعلامي المصري في واشنطن يقصد الى لفت انتباه الادارة الاميركية الى ان الادارة المصرية لا تتوقع مثل هذه المعاملة في الوقت الذي تضغط فيه لصالح اسرائيل على الفلسطينيين وتعادي إيران إقليمياً (...).

ولن يغيب عن ملاحظة احد، ان انتقادات الجهات غير الرسمية الاميركية لحالة الديموقراطية في مصر، هي اكثر صراحة من المواقف الرسمية، سواء من الادارة او من الكونغرس.

والملاحظ في كل هذه التصريحات الاميركية انها تبتعد قدر الامكان عن العلاقات المصرية كأساس لمناقشة الموضوع. ولكن ميتشل دان، كبيرة الباحثين في مؤسسة كارنيغي للسلام الاولى في واشنطن نشرت قبل ايام حوارا في صورة سؤال وجواب حول «العلاقات المصرية - الاميركية عشية الانتخابات المصرية» وكان ابرز ما قالته «ان باستطاعة الولايات المتحدة، بل يتوجب عليها ان تدعم الاصلاح السياسي في مصر... ان الولايات المتحدة تحتاج لأن تجد طريقا تبين من خلاله انها لا تزال تريد العمل مع الحكومة المصرية على الموضوعات التي تعاونا معا هما الاثنين فيها - السلام الاقليمي، الاستقرار، المسائل العسكرية ومكافحة «الارهاب» - لكن واشنطن ينبغي ايضاً ان تتابع الى ان تدعم بوضوح مطالب المصريين من اجل تحسين اوضاع حقوق الانسان ولقدر اكبر من الحرية السياسية».

وأشارت دان ايضا الى ان ادارة اوباما - التي كانت قد اتجهت الى تحسين العلاقات مع مصر- على عكس حال ادارة بوش، كانت قد اصدرت في ايار 2010 احتجاجا شديد اللهجة عندما جددت الحكومة المصرية حالة الطوارئ. وتعرضت بعد ذلك للسؤال : لماذا اهمية مصر من الناحية الاستراتيجية للولايات المتحدة؟ وفي ردها على هذا السؤال قالت ان الولايات المتحدة تعتمد على مصر للتعاون في عدد من المجالات المختلفة. ان مصر تلعب دورا هاما كقناة موصلة الى الفلسطينيين في عملية السلام العربية - «الاسرائيلية». وان وجهات النظر متطابقة بين الولايات المتحدة ومصر فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية وبشأن ما ينبغي ان يحدث في غزة. كما ان مصر تلعب دوراً مهماً في جامعة الدول العربية التي اصبحت لها اهمية في دعم «الرئيس» محمود عبّاس، «رئيس السلطة الفلسطينية»، وفي استعداده للتفاوض المباشر مع «إسرائيل».

وبشأن الكيفية التي ينبغي ان يقترب بها صانعو السياسة الاميركيون من الدائرة الانتخابية القادمة في مصر، تقول السيدة دان «ان اللحظة الراهنة دقيقة للغاية في تاريخ مصر السياسي وفي العلاقات الاميركية - المصرية ... والمعارضة في مصر لا تزال ضعيفة ولكنها بالتأكيد اقوى مما كانت في الماضي. ويتعين على الولايات المتحدة ان تجد لنفسها بكل حذر موقعاً وسط هذا كله. وعليها ان تظهر بوضوح انها تتابع ما يجري في مصر وأن تستخدم كل اشكال النفوذ التي تملكها - بما في ذلك الاتصالات مع الحكومة المصرية خلف الكواليس وبرامج المساعدات لحث الحكومة المصرية على التحرك وتلبية مطالب المجتمع المصري للتغيير.

ماذا يمكننا ان نستنتج من هذا كله؟ اي نوع من التوازن ذلك الذي يطلب من الحكومة الاميركية ان تحققه بحيث لا تفقد هذا التعاون شبه المطلق فيما يهم واشنطن من قضايا خارجية استراتيجية وسياسية واقتصادية، مع تحقيق الحد المطلوب من التغيير باتجاه الديموقراطية في مصر من دون زعزعة الاستقرار الحكومي الذي يعد مطلباً اميركياً اساسياً؟؟

تستطيع النخبة الحاكمة في مصر ان تتوقع ان لا تتعرض لضغط حقيقي من الجانب الاميركي طالما انها تسير على طريق اقتصاد السوق الحرة داخليا وتسير خارجيا على الطريق الموازي للطريق الذي تسير عليه الولايات المتحدة... ابتداء من قضية فلسطين تأكيداً للسلام مع «إسرائيل» بكل ثمن، الى الموقف من ايران وحلفائها في المنطقة وخارجها، والنأي عن معارضة اي سياسة اميركية في العراق وأفغانستان وباكستان والخليج، وتأييد الموقف الاميركي من السودان بما في ذلك انفصال الجنوب، الذي جعلت منه اميركا وأخطاء النظام السوداني حتمية لا مهرب منها ... وصولا الى استعداد مصر العملي الثابت للتعاون الاستراتيجي مع القوات الاميركية ومع قوات حلف شمال الاطلسي (الناتو) على الاقل في اطار المنطقة التي تستطيع مصر ان تتحرك فيها استراتيجياً.

وستظل اساليب الادارة الاميركية في التعبير عن تأييدها للديموقراطية داخل مصرمحدودة بهذه الشروط لتعاون مصر مع السياسات الاميركية داخليا وإقليميا وعالمياً.

لهذا لا يثق الشعب المصري بأي دور تريد اميركا ان تنسبه لنفسها في الدفاع عن حريته.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165693

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165693 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010