الجمعة 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

حق العودة و«يهودية الدولة»

الجمعة 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par عوني صادق

حتى وقت قريب جداً ظل أنصار «المفاوضات والتسوية السياسية» من الفلسطينيين يتحدثون عن حق عودة اللاجئين باعتباره واحداً من «الثوابت الوطنية»، وعنصراً من عناصر «التسوية» التي يسعون إليها. لكنهم كانوا يعرفون أن هذا الحق مرفوض لدى الطرف الذي يفاوضون، ويعرفون أيضاً لماذا هو مرفوض لديه. لذلك كانوا وهم «يؤكدون» على هذا الحق يعترفون، ضمناً وصراحة، أنه «مطلب غير واقعي»، و«غير قابل للتنفيذ عملياً» فيعترفون، أيضاً، بأنه «حق معنوي»، ورأيناهم يتحايلون على إسقاطه بطرائق شتى.

منذ أشهر، وفي خطاب ألقاه بنيامين نتنياهو في «جامعة بار إيلان»، بدأ يتحدث عن ضرورة اعتراف الفلسطينيين بـ «يهودية الدولة» كشرط مسبق للمفاوضات المباشرة، ثم تكرر هذا الحديث على لسانه وألسنة مسؤولين صهاينة آخرين. في هذه الأثناء كانت ردود رموز سلطة رام الله تتراوح بين الرفض وبين القبول، ولكن من خلال تلاعب بالمصطلحات غرضه التهيئة للقبول الصريح. لقد اعترف محمود عبّاس في أكثر من مناسبة وفي لقاءات مع يهود أمريكا، بـ «الحق التاريخي لليهود في فلسطين»، وأعلن أن الاسم الذي يريده الصهاينة لدولتهم «لا يعنينا»، وسبق له أن وافق على «تبادل الأراضي والسكان»، ثم تراجع عن «تبادل السكان». وقبل أيام «طمأن» وفدا زاره من «لجنة المتابعة العليا» لعرب 48 بأنه لن يعترف بـ «يهودية الدولة»، لكنه قال للتلفزيون «الإسرائيلي» (18/10/2010) إنه على استعداد «لإنهاء كل المطالب التاريخية» للشعب الفلسطيني، إذا قبلت «إسرائيل» دولة فلسطينية في حدود 1967. والسؤال عند هذا الحد هو : أين ذهب حق العودة، وما الفرق بين الاعتراف بـ «يهودية إسرائيل» وبين «إنهاء المطالب التاريخية»؟

معروف أن «يهودية إسرائيل» بالنسبة للقيادات الصهيونية، تعني أن فلسطين «هي الوطن القومي التاريخي لليهود»، ويعني ذلك أول ما يعني أنه ليس من حق اللاجئين العودة لأراضيهم وبيوتهم، وكذلك أنه ليس من حق عرب 48 الذين صمدوا في وطنهم البقاء فيه ومن حق الصهاينة طردهم منها متى شاءوا.

والآن، ماذا يعني «إنهاء المطالب التاريخية»؟ إنه يعني إسقاط حق العودة أولاً. وبالنسبة لعرب 48 لا علاقة لأحد بهم ويحق لـ «لدولة اليهودية» أن تتصرف معهم بما تراه مناسباً. هكذا يتبين أن «إنهاء المطالب التاريخية» أسوأ من إسقاط حق العودة، لأن الأول يتضمن إسقاط حق عرب 48 في البقاء في بيوتهم وأرضهم.

وتقول القيادات الصهيونية إنها ترفض حق العودة لأنه سوف «يغرق» دولتهم بالديموغرافيا الفلسطينية، أي القضاء على دولتهم بإلغاء هويتها عن طريق السكان إن أرادت أن تكون دولة ديمقراطية، أو شبه ديمقراطية، أو تحويلها إلى دولة عنصرية صريحة في عالم لم يعد يتحمل الدول العنصرية الصريحة. لكن الحقيقة هي أنهم ما زالوا محكومين لأساطيرهم التوراتية التي تقول إن دولتهم تمتد من النيل إلى الفرات. وحتى «الدولة الفلسطينية» التي يقبلون قيامها هي بشروط «إسرائيلية» تضمن «أمن إسرائيل»، وتكون لها «مجالاً حيوياً» ورأس جسر تعبر عليه إلى المنطقة العربية.

إن الحديث عن المفاوضات والتسوية السياسية من جهة، وعن الاستقلال والسيادة، وخصوصاً عن حق العودة من جهة أخرى، في الوقت نفسه، كذب وخلط لا يقصد بهما غير الخداع والتحايل، تتضح النوايا التي تقف وراءهما مما ينشر في صحف ووسائل إعلام أمريكية وغربية وعربية عن استعداد الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية لاستقبال أعداد من اللاجئين الفلسطينيين، والأكثر وضوحاً يبدو في المساعي والضغوط المتواصلة التي تمارسها أمريكا بخاصة، والغرب الاستعماري بعامة، على الدول العربية لتقبل بتوطين اللاجئين الفلسطينيين الموجودين لديها. هناك من دعاة «المفاوضات والتسوية وإسقاط حق العودة»، من يحاول أن يتذاكى فيقول : «لنقبل اليوم ما هو ممكن، ولنطالب بالباقي عندما يصبح ذلك ممكناً». وقد يكون بين هؤلاء قلة حسنة النية، لكن الأكثرية منهم تعرف أنهم يخادعون لأنهم يعرفون أن «شروط التسوية الإسرائيلية»، وقيودها على «الدولة الفلسطينية» الموعودة، لن تدع «أي شيء» ممكناً بعد توقيع الاتفاق. من جهة أخرى، لن ينفع منطق «خذ وطالب» بعد توقيع «اتفاق التسوية» لأنه سيكون من شروطها «إنهاء الصراع وكل المطالبات المستقبلية» المتعلقة به.

لهذا كله، لا يمكن الحديث عن حق العودة من دون التفكير في قضية التحرير، التحرير الذي يضمن الحقوق الوطنية جميعا رزمة واحدة، والذي يظهر نهج المفاوضات والتسوية نهجاً للتنازل والتفريط في بعض أو كل تلك الحقوق والثوابت.

لقد كان «معقولاً» من وجهة نظر دعاة المفاوضات والتسوية، أن يزاوجوا بين المقاومة والمفاوضات، لأنهم يذهبون إلى المفاوضات مستعدين للتنازل عن جزء من الحقوق، لكن من يكتفي بالمفاوضات سبيلاً وحيداً يكون قد قرر سلفاً أن يتنازل عن «الكل»، مكتفياً بما يسقط من فتات عن مائدة المفاوضات.

وباختصار، في غياب القوة لا مفاوضات من دون اعتراف بـ «يهودية الدولة»، ولا «دولة فلسطينية» من دون مفاوضات، والذين يتصورون أنه يمكنهم أن يفاوضوا وأن يحصلوا على «دولة فلسطينية» على جزء من تراب فلسطين من دون ثمن أقل من هذا الثمن، هم أكثر استغراقاً في الوهم من دعاة المفاوضات والتسوية حسني النية، بعد أن أثبت هذا العدو أنه لا يعطي شيئاً بالمفاوضات.

إن من يقبل «إنهاء كل المطالب التاريخية» جاهز للقبول بـ «يهودية الدولة»، والتنازل عن كل الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، وعن حقوق العرب في بلدانهم، إن طلبوا منه ذلك.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165424

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165424 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010