الأحد 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

عباس.. و«لا» البلغارية

الأحد 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par نورالدين قلالة

كنت أعلم قبل اليوم أن الشعب البلغاري هو الشعب الوحيد في العالم الذي يقول «لا» عندما يحرك رأسه من الأعلى إلى الأسفل، لكنني لم أكن أعلم أن الشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد في العالم الذي يقول «نعم» عندما يحرك رأسه من اليمين إلى الشمال. هذه المعادلة الصعبة على القراءة والفهم وحتى الترجمة، بطلها ليس الشعب الفلسطيني صراحة، وإنما رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي لم يعد يفرق بين «لا» و «نعم»، ولم يعد يحسن اختيار الظرف الذي ينطق فيه بكلمة «نعم» والظرف الذي يفرض عليه التمسك بـ «لا». وكأن أبومازن لم يقرأ التاريخ ولم يسمع عن لاءات الخرطوم الأولى عام 1967 «لا للاعتراف بإسرائيل، ولا للتفاوض معها، ولا للسلام معها»، ولا عن لاءاتها الثانية في 2006 «لا لإنكار الخيار الديمقراطي لأهل فلسطين، لا لمعاقبة الشعب الفلسطيني على ممارسة حقه في اختيار من يحكم، لا للرضوخ والاستكانة لعبث إسرائيل بكل عهد قطعته أمام العالم».

الحقيقة، لا أحد ينتظر من عباس ولا من غيره في العالم العربي العودة إلى لاءات الخرطوم، لأن الظروف تغيرت، وموازين القوى اختلت، وأصبحت إسرائيل لدى البعض «دولة شقيقة». لكن هل يعقل أن يصبح الطرف الفلسطيني ومن ورائه الطرف العربي حبيس المطالبة بمجرد «تجميد للاستيطان»؟ أين ذهب حق العودة؟ وأين ذهبت القدس عاصمة للدولة الفلسطينية؟ ولماذا يتدحرج الموقف التفاوضي إلى الأسفل وهو يبرز في كل مرة ارتباطه الوثيق بكل ما هو تافه وثانوي وغير مهم في أبجديات التفاوض.

للأسف الشديد تحولت السلطة الفلسطينية إلى «محامي دفاع» لواشنطن، وتحول الطرف العربي -إذا سلمنا جدلا أن هناك طرفا عربيا واحدا- إلى مجرد أجندة إسرائيلية وأميركية، آخر مواعيدها مهلة الشهر بعد وقف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين للنظر فيما بعد في البدائل، وأعتقد أن هذه أول مرة يتحدث فيها المفاوض العربي عن بدائل من عقود من الزمن. والبدائل بالنسبة لعباس هي كالتالي:

أولا: إذا قررت إسرائيل وقف الاستيطان فسوف تستمر المفاوضات المباشرة.

ثانيا: إذا فشلت المفاوضات فستدعو السلطة أميركا للاعتراف بدولة فلسطين ضمن حدود 1967، وإذا لم يحدث ذلك فسيذهب الفلسطينيون إلى مجلس الأمن لدعوة دول العالم للاعتراف بالدولة، وإذا لم يحدث فسيطلبون من مجلس الأمن فرض الوصاية على الشعب الفلسطيني.

ثالثا: في حال فشل الاقتراحين السابقين يترك السلطة الفلسطينية ويغادر رام الله.
فأي بدائل واهية مثل هذه يمكن أن تحدث تأثيرا على الطرف الآخر المدعوم أميركياً والرافض لوقف الاستيطان والاعتراف بالدولة. كان يجب أن تكون البدائل كالتالي:

أولا: سنتوقف عن تنفيذ أي التزامات في الاتفاقات الموقعة مع« إسرائيل.»

ثانيا: إذا لم يتوقف الاستيطان نهائيا فلن نكون مسؤولين عما يمكن أن يحدث من تغيرات أمنية على الساحة.

ثالثا: الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن حدود 67 بما فيها القدس الشرقية شرط أساسي لاستئناف المفاوضات.
هكذا يبدو المأزق الحقيقي للمفاوضات المباشرة وغير المباشرة تحت الطاولة أو فوقها، وليس المأزق الحقيقي في فشلها كما يراه أبومازن، قد يكون الفشل مأزقا بالفعل، ولكن بالنسبة للسلطة فقط، لأنه سيقوضها ويخلق حالة من الفراغ السياسي قد تملأه تنظيمات وفصائل فلسطينية معارضة للمفاوضات، وهو الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام التغيرات الأمنية في المنطقة، ما قد يتيح المجال لانتفاضة جديدة. وإسرائيل تدرك جيدا مدى خطورة عودة الفلسطينيين إلى الخيار العسكري (ضرب السياحة والتنمية، والتأثير على هجرة اليهود من إسرائيل وإليها، وخلق حالة من الرعب في أوساط« الإسرائيليين»).

وعليه.. إذا كان الأفق مسدودا إلى هذه الدرجة بين الفلسطينيين «والإسرائيليين» فلماذا هذه المفاوضات من الأصل والكل غير واثق -حتى لا نقول متأكدا- من فشلها، ولماذا تصر سلطة عباس على إيهام الفلسطينيين بإمكانية الخروج من هذا النفق بأقل الخسائر (لأن الحديث عن نجاحات أمر لم يعد مطروحا). لماذا التهديد بالذهاب بالقضية الفلسطينية إلى مجلس الأمن، وهي موجودة هناك منذ أكثر من نصف قرن؟ لماذا يومئ عباس برأسه موافقا على مبدأ التفاوض وهو يدرك أن الأمر لن يفضي إلى شيء؟ لماذا يغالط الرئيس الفلسطيني نفسه ويغالط الجميع ببدائله: إذا لم توقف إسرائيل الاستيطان فسترحل السلطة عن رام الله؟ وهو يدرك أن الإدارة الأميركية لن تقبل بذلك، بل ماذا يفيد رحيلها الآن وكان أحرى بها أن ترحل أيام الحرب على غزة؟

لست أدري لماذا يصر عباس على المفاوضات وهو رئيس منقوص الشرعية بحكم انتهاء ولايته، وسلطته غير قادرة حتى على بسط نفوذها على جميع الأراضي الفلسطينية. عباس يدرك جيدا أن الاستمرار في المفاوضات هو غلق للطريق أمام حماس وغيرها لملء الفراغ، وهو العامل المشترك القوي بين عباس وإسرائيل، الطرفان لهما نفس الهدف ونفس الغاية فلم التفاوض إذا؟!

الأكيد أن التفاوض ليس رغبة فلسطينية ولا« إسرائيلية»، وإنما هو رغبة عربية وأميركية، وإذا لم يحسن عباس تقمص الدور فعليه الرحيل، وأقرب بلد يمكن أن يلجأ إليه -في تقديري- هو بلغاريا فقد يجد من يفهمه هناك.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2165746

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165746 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010