الأحد 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

عبدالناصر.. في زيارة لبنان!

الأحد 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par جلال عارف

كان لافتاً أن يعود الحديث مرة أخرى عن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في مناسبة يفترض ألا يكون طرفاً فيها، وهي زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للبنان . والتي أثارت ردود فعل متباينة، كان من بينها هذا الجانب الذي استعاد للمشهد اللبناني ذكرى الراحل العظيم جمال عبد الناصر، حيث أخذت الحماسة (الصادقة أو الكاذبة) البعض إلى مقارنات لا مكان لها، ولا تكشف إلا عن جهل أو تجاهل لوقائع التاريخ وحقائق الجغرافيا، بينما كان البعض ؟

حسن نصر الله ونجاد

بمن فيهم قادة المقاومة الحقيقيون في لبنان ؟ يشعرون بمرارة اختفاء ما كان عبد الناصر يمثله من وحدة العرب حول قيادة تسير معهم على طريق الحرية والكرامة والوحدة والتقدم.

في الجانب الأول، وعلى سبيل المقارنة الخائبة، يتوقف البعض عند حقيقة أن عبد الناصر لم يزر لبنان، وانه اكتفى بلقاء الخيمة الشهير على الحدود بين لبنان وسوريا (في زمن الوحدة المصرية السورية) مع الرئيس اللبناني فؤاد شهاب.

ويتجاهل هؤلاء كيف كان الشعب اللبناني يزحف بطوائفه المختلفة إلى سوريا عندما يزورها عبد الناصر، وأنه لو أراد الذهاب للبنان لحملت الجماهير سيارته من على سطح الأرض كما فعلت في سوريا وفي الجزائر وغيرها من العواصم العربية.

ولكن الرجل لم يكن يسعى لمجد شخصي، وكان يعرف أن المعركة مع الاستعمار والصهيونية طويلة وصعبة، وكان لا يريد للبنان الخارج من حرب أهلية أن يذهب إلى المجهول، وكان يدرك طبيعة الوضع الداخلي المعقد في لبنان ويؤمن بضرورة الحفاظ عليه كنموذج للتعدد والتعايش في ظل العروبة.

لم يكن قادماً من بعيد وإنما كان صاحب بيت يريد أن يحافظ عليه وأن يمنحه من الدعم ما يمكنه من تجاوز انقساماته الداخلية التي يحاول الأعداء النفاذ منها. كان يعرف خصوصية لبنان وكان حريصاً عليها.

ولهذا التف الجميع حوله (كما في كل العالم العربي) مسلمون ومسيحيون، سنة وشيعة، لم يكن هناك فرق، وكان هناك من جانبه تفهم لمخاوف البعض من مشروع وحدوي عربي، وكانت مهمته أن يطمئنهم وأن يكسبهم إلى جانب هذا المشروع الذي يتسع للجميع على قدم المساواة ويحفظ حقوق الكل بلا استثناء.

الجانب الآخر هو الأهم، لأنه يتعلق بطبيعة الصراعات التي تدور في المنطقة، والتوازنات التي تحكمها، والقوى التي تتصارع لتحديد مستقبلها. وفي أثناء زيارة الرئيس الإيراني للبنان حرص حسن نصر الله زعيم حزب الله على التأكيد على خطأ من يتحدث (في لبنان وفلسطين والمنطقة العربية) عن «مشروع إيراني يفترضه في وهمه ويفترض مشروعاً عربياً لمواجهته» والحقيقة التي لا ينبغي أن تنال من أهمية الدعم الذي قدمته إيران للمقاومة اللبنانية في حربها ضد العدو الإسرائيلي، هي أنه لا بد أن يكون لإيران ؟ باعتبارها قوة إقليمية رئيسية ؟ مشروعها لمستقبل المنطقة ودورها فيها.

والمشكلة ليست هنا وإنما في افتقادنا نحن للمشروع العربي الذي يجمع الأمة حول هدف واحد، والذي يضع استقلال العرب ونهضتهم ووحدتهم وتقدمهم عنواناً وهدفاً، والذي يرهن كل تحركاته وعلاقاته الإقليمية والدولية بالمصلحة العربية. وهنا يفتقد الجميع زمناً كان فيه عبد الناصر يجسد هذا المشروع القومي ويقود المعركة من أجل تحقيقه، ويصر على إبقاء الوطن العربي بعيداً عن الأحلاف الأجنبية، وأن يظل مصيره بيد أبنائه وحدهم.

الآن تنسحب أميركا من العراق ومعها مشروعها لشرق أوسط جديد تصنعه كما تريد، ولكنها تترك العراق في مهب الريح، وتترك في كل المنطقة قنابل قابلة للانفجار في أية لحظة، ومع انقسام العرب وفقدانهم لمشروع قومي لمواجهة الموقف، تتقدم القوى الإقليمية لتملأ الفراغ وتحاول تحقيق أقصى ما تستطيع من مكاسب لتأمين مصالحها وتوسيع نفوذها. وهو أمر طبيعي في ظل الحالة العربية الراهنة.

في زيارته للبنان، تحدث الرئيس الإيراني أحمدي نجاد عن «الشرق الجديد» الذي تقوده إيران، وعلى الجانب الآخر تتحدث تركيا عن العثمانية الجديدة التي تعود بها إلى مناطق نفوذها العربية. وبينما إسرائيل ماضية في تنفيذ مشروعها لتصفية القضية الفلسطينية تستمر الخلافات على أشدها بين «حماس» و«فتح» حول هل يعقد اللقاء القادم للمصالحة في دمشق أو صنعاء أو مقديشيو؟!

يعلمنا التاريخ أنه عندما امتلكنا الإرادة والقيادة والمشروع القومي العربي استطعنا أن نقهر الاستعمار ونرفض الأحلاف ونستعيد سيطرتنا على مقدراتنا وثرواتنا المنهوبة ونبدأ عصراً من النهضة التي تآمر عليها الجميع حتى لا تكتمل.

كان ذلك في ظروف أصعب، حيث معظم العالم العربي كان تحت الاحتلال، والإمكانيات قليلة، وتركيا وإيران (تحت حكم الشاه) حلفاء لإسرائيل، ومع ذلك رفضنا دعوى أميركا يومها بأن هناك حالة من الفراغ في المنطقة ستملؤها بجيوشها وقواعدها.

اليوم نبدو كمن رضي بالفراغ وترك للآخرين أن يشغلوه. لكن الضمير الحي للأمة يدرك الخطر، ويستدعي عبد الناصر من الذاكرة القومية (كما حدث في لبنان الأسبوع الماضي) لا لكي يوضع موضع المقارنة كما يفعل الخائبون، ولكن لكي يدرك الجميع أنه ليس أمامنا إلا طريق واحد هو أن يكون مصير الوطن العربي بيد أبنائه، وأن تكون الراية الوحيدة التي ترتفع من الخليج إلى المحيط هي الراية العربية، ولهذا كان عبد الناصر الأسبوع الماضي في زيارة لبنان!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2165526

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165526 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010