الثلاثاء 20 نيسان (أبريل) 2010

كذبة التضامن مع الأسرى..

الثلاثاء 20 نيسان (أبريل) 2010 par ناصر السهلي

ثمة شيء مبهم وغير مفهوم في قضية الأسرى الفلسطينيين، الذين تسابق الجميع لإظهار تضامنه معهم يوم 17 أبريل.. أثارني كم النفاق والتضليل الذي تنتهجه “النخب” الفلسطينية في قضية أسرى الحرية.. قد أكون وحيدا في عالم تأملي الخاص بمشهد لا يعبر عن “الحقيقة.. كل الحقيقة للجماهير”، وقد يكون آلاف الفلسطينيين والمتضامنون معهم حول العالم يناقشون هذا الأمر..

ترى هل يكفي أن نتذكر الأسرى والمعتقلين في أبريل من كل عام؟

بالنسبة للبعض فالأمر محسوم، وأنا واحد منهم.. هؤلاء الأسرى والمعتقلين عند الاحتلال هم خيرة أبناء الشعب والقضية.. هم الأكثر تضحية ومبدئية بين الأحياء منا.. ليسوا هم وحدهم بل آلاف عائلات فلسطينية تشارك في التضحية الكبيرة والمعاناة والوجع الذي يعيشه واقعا وصمودا جزء هام من الشعب في معظم أماكن تواجده.. أسرى الداخل الفلسطيني من عرب 48 وأسرى القدس والجولان والأردن والمفقودين من العرب..

بالنسبة لآخرين الأمر ليس محسوما.. هؤلاء الأسرى الذين نقيم مهرجانات التضامن معهم لم يستحقوا في قرار إضرابهم عن الطعام ما كانت تفعله خطواتهم في سنوات النضال الصحيح قبل أن تغرق مراكب بعضنا في المال السياسي الملوث والمشوه للتضحيات واستثمارها الضيق الأفق.. أرقام نعيد فنكررها.. ننتبه إلى الأسماء والصور متأخرين.. فيما شاليط اسم يتردد منذ سنوات على ألسنتنا.. البعض يرى جرما كبيرا في وجود شاليط.. وله أن يعتبر ما يريد.. لكن أن نكذب على أنفسنا.. أو أن يكذب علينا هؤلاء فتلك مصيبة بحق الأسرى أنفسهم..

تضليل وخداع

لا أدعي بأن الأسرى والمعتقلين ليسوا في الذاكرة والحسبان.. لكني لا أفهم أن يكون سقف تحرير هؤلاء هو بالطرق الرسمية التي تناشد وتستصرخ الضمائر والمنظمات الدولية.. ولا أفهم كيف يتم تسويق هذا الكم من التضليل والنفاق في قضية مقدسة بالنسبة لعشرات آلاف الأسر الفلسطينية..
بالطبع سيكون الجواب جاهزا.. وماذا تستطيع السلطة أن تفعل غير أن تناشد وأن تطالب المجتمع الدولي بالتدخل؟

أولا، لا أصدق أن السلطة مهتمة بقضية الأسرى بالحجم الذي يتم بثه إعلاميا سوى بما هو محدد.. ماليا ومعنويا.. ولو كان الأمر غير ذلك لكنا رأينا وشاهدنا سياسات أخرى، ليس للسلطة بل للمنظمة التي من المفترض أن تكون مرجعية لقضية جوهرية بحجم هذه القضية..

ثانيا، من يدعي بأن السلطة حريصة على قضية الأسرى والمعتقلين فليسمحوا لي بسؤال أجد الإجابة عليه أسهل من مقولة “وقف التنسيق الأمني”.. بمعنى أصح، لو كان في الطرف الفلسطيني من يؤمن بأن قضية الأسرى من الأولويات لما استمر التنسيق الأمني يوما واحدا ولما ساهم هذا التنسيق بزيادة أعداد هؤلاء الأسرى..

ثالثا وأخيرا، إذا كانت السلطة الفلسطينية بالأساس لا تؤمن بما صار يُطلق عليه “عنفا” فتجريم الفعل الذي أُسر بسببه هؤلاء يؤدي بطبيعة الحال إلى تجريم الأسرى أنفسهم من قبل من يدعي أنه يحتفل بيوم الأسير.. التفسير المنطقي والعملي في ترجمة هذا التجريم نجده في الحالات الكثيرة التي أنهت حكمها في سجون الاحتلال وبالتالي أُفرج عنها، ولو مؤقتا إلى حرية منقوصة لكل الشعب، بعد سنوات من الاعتقال التعسفي أصلا الذي بشرنا أصحاب أوسلو أن هؤلاء لم يكونوا ضمن الاتفاقية.. تماما مثلما لم يكن وقف الاستيطان ضمن التنفيذ.. والتفسير، إما أننا سذج أو مبتدئين لنعول على حسن النيات وعلى أنه “من الطبيعي أن يتوقف الاعتقال والاستيطان طالما أننا اتفقنا على تنفيذ ما اتفقنا عليه!”.. ذلك تفسير يحتاج لتفسير.. كتفسير الاستهزاء من عملية أسر جندي إسرائيلي ومبادلته بهؤلاء.. وكالتفاسير الأخرى المنطلقة من حناجر “المحتفلين” الرسميين بيوم الأسير عن الوفاء لعهد قطعته على نفسها فصائل ثورة الأسرى..

التفسير الأقرب للواقع هو ما تعبر عنه ممارسات القبضة الأمنية للسلطة الفلسطينية بحق هؤلاء الأسرى، وباعتراف منظمات حقوقية وإنسانية فلسطينية.. إذ كيف لي أن أقتنع بصدق هؤلاء وهم يتلقفون الأسير المفرج عنه من زنازين الاحتلال ليعاد في بعض الحالات اعتقاله في سجون السلطة في اليوم التالي للإفراج عنه..
مفارقة عجيبة ومخزية.. أنت تطالب العالم كله بأن يتم الضغط للإفراج عن بشر من الذين يقضون عقودا في زنازين الاحتلال بينما يتعجب العرب والعجم من ممارسات مشينة بأيد فلسطينية؟!

ليس عندنا معتقل سياسي..

كم مرة كرروا على شعبهم هذه الجملة المبتورة؟
لا ظن أن وصفا آخرا غير وصف الكذب لينطبق على حقيقة الواقع المر.. وإذا كان التفسير “الأمني” هو الذي يجب الأخذ به، فهذه كذبة أخرى وتضليل آخر وغياب لمصداقية الحناجر.. بل حتى هذا التفسير البائس فيه من التجريم لقضية الأسرى ما يساوي تجريم الاحتلال لهؤلاء..

لا شك عندي بأن أناس من عرب 48 ومن القدس تم اعتقالهم على خلفية الانتماء لتنظيمات فلسطينية مثل فتح والشعبية، عدا عن اختراع التهم الأخرى التي تصب كلها في اتجاه الانتماء لفكر كان مقاوما، فمن يسأل أو يفتح ملفات هؤلاء؟
هل السلطة الفلسطينية تطرح على الجانب الإسرائيلي قضية هؤلاء؟

أظن أنه بالكاد يتذكر بعض تنظيمات أسرى الداخل هؤلاء الذين اندفعوا انتماءا لذلك الفكر الذي أصبح اليوم غير منطقي وغير عقلاني.. هذا نقاش مخز لاشك في ذلك.. لكنه ضروري ومهم رغم أنه مؤلم!

المناكفة السياسية في قضايا وطنية يؤدي بالطبع إلى مناكفة ومزايدة حتى في قضية الأسرى.. الأسير الذي رأى أن فلسطين أكبر من الجميع لم ينتظر الراتب الشهري.. بينما الموظف الرسمي، بمن فيهم النخب الثقافية، يتحولون مع الوقت إلى أسرى حقيقيين لانتماءات المناكفة واثبات أن القمر مسطحا في دورة اكتمال الشهر..

الأسرى والمعتقلون والمختطفون والمختفية آثارهم يتحولون إلى أرقام وحسابات زيادة ونقصان في شعبية هذا الطرف وذاك.. يجري التنسيق الأمني وتجريم حتى الفكر المقاوم في ذات الوقت الذي ندعي بأن هؤلاء هم تاج على رأس الجميع.. وما أن يخرج تاج من التيجان حتى يجد نفسه إما عرضة للقتل أو الاعتقال بأيد فلسطينية..

لن أسأل السؤال البدهي الذي يتكرر: ترى هل يصدق الاحتلال أصحاب قضية لا يؤمنون في الممارسة سوى بما يمليه هذا الاحتلال؟

لأن الجواب على ذلك بديهي أكثر من كل التفسيرات المضللة..



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 34 / 2165545

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165545 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010