الأربعاء 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

ما بعد زيارة أحمدي نجاد

الأربعاء 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par انيس نقاش

ما كانت قد بدأت زيارة الرئيس أحمدي نجاد إلى لبنان، حتى جاءت ردود الفعل عليها.

الاعتراضات لم تأتِ من أطراف لبنانية، وهي الأقل أهمية، لأنها كانت تلاقي قلق الأطراف الغربية التي تبين من خلال ما أعلنته الصحف العبرية، أن قلقها جاء بعد طلب حكومة العدو بالتدخل لدى الأطراف اللبنانية، في محاولة، إن لم يكن لمنع الزيارة بالأصل، فعلى الأقل تفادي الحرج من خلال الزيارة التي سيقوم بها إلى الجنوب اللبناني، مع ما سيصحبها من حشود شعبية على مقربة من الحدود، تذكر بمهرجانات النصر والتحرير في بنت جبيل، وتصريحات الأمين العام لـ «حزب الله» المتتابعة التي رسمت صورة جديدة لموازين القوى، ولما ستكون عليه المنطقة على اثر حصول حروب، لو وقعت بين العدو وقوى المقاومة.

الزيارة جاءت، وعملية السلام قد وئدت قبل أن تستيقظ، ولا نعرف رأي الذين كانوا يتهمون نجاد بأنه عدو للسلام، وما قولهم اليوم بعد إفلاس تلك العملية ورفض العدو، حتى لوقف الاستيطان، لمدة شهرين، وهو ما يلزم الرئيس أوباما لتمرير انتخابات الكونغرس على خير، وبعد ذلك فلكل يوم أمر آخر، ولا يهم ما يحصل للفلسطيني وقضيته.

المهم أن الزيارة أتت بعد تطورات دولية وإقليمية مهمة تعطيها وزناً وقوة ومصداقية، ما كانت لتكسبها لولا ما سبقها من أحداث ووقائع تدعم موقف نجاد وإيمانه بزوال هذه الكيان.

فالرئيس نجاد يعرف تماماً أن العدو فشل وخسر حربه على لبنان عام 2006، ويعرف ايضاً أن غزة صمدت، لأول مرة، كقوة فلسطينية على أرض فلسطين، في وجه حملة عسكرية صهيونية لم تحقق أهدافها العسكرية والسياسية بالقضاء على حركة المقاومة وقواها العسكرية ولا إضعافها حتى سياسياً وجماهيرياً، بل إن العدو يعترف أكثر من ذلك، بأن غزة أصبحت أكثر قوة واستعدادا وتسليحاً بعد العدوان، عما كانت عليه قبله.

وما يعرفه الرئيس نجاد أيضاً هو أن الولايات المتحدة أعلنت إفلاسها في حربيها في العراق وأفغانستان. هاتان الحربان اللتان كان المطلوب منهما، وخاصة حرب العراق، إسقاط المنطقة بأكملها في معسكر الولايات المتحدة وحليفتها «إسرائيل»، وإحكام قبضتيهما على مقدراتها السياسية والاقتصادية.

النتيجة كانت أن الرئيس أوباما يؤكد للرئيس الروسي، بعد إقفال قاعدة مناس في قرغيزستان أمام قوات الأطلسي، أن أهداف الحرب في أفغانستان أصبحت تنحصر بعدم عودة القاعدة مع طالبان إلى كابول، ولا بأس من عودة طالبان وحدها، وهكذا وبالحرف، سقطت أهداف الحرب، غير المعلنة على أفغانستان والتي كانت تستهدف تطويق روسيا وإيران والسيطرة على طرق إمداد الغاز والنفط من منطقة بحر قزوين إلى الدول المحتاجة له وعلى رأسها الصين وباكستان والهند، فسمح للأطلسي على أثر الالتزام هذا بمحدودية الأهداف، بأن يمر الإمداد العسكري من الأراضي الروسية، لأن أهداف الحرب لم تعد تشكل خطراً على دول المنطقة بل أصبحت محصورة بخروج مشرف وأهداف متواضعة، لم تمر دون أزمة حادة انفجرت بين أوباما وقياداته العسكرية، التي مثل ماكريستال المخلوع خير مثال عليها.

كما يعرف أحمدي نجاد أن ما لم تقله الولايات المتحدة في العلن، قالته في السر، خلال مفاوضاتها السرية مع إيران في إحدى الدول الخليجية، وعندما حدد ضباط البنتاغون وبشكل جلي طبيعة ورطتهم ومطلبهم بالخروج المشرف من العراق، وعلى غير صورة تذكرهم بفيتنام والخروج المذل، ومقابل ضمانات يعطونها للمستقبل بعدم القيام بأي عدوان عسكري، وبعدم السماح للعدو الصهيوني بالقيام بمحاولة حمقاء كهذه.

الرئيس نجاد يعرف أن السياسة الخارجية في المنطقة اليوم يصنعها رجال البنتاغون الذين يفاوضون سراً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والذين يرون في قياداتهم السياسية، وحتى في مسؤوليهم الاقتصاديين، حفنة من المغامرين الذين يهددون مستقبل الولايات المتحدة وأمنها من خلال مغامراتهم. ولذلك نسمع نجاد يخاطب السيدة كلينتون في أثناء زيارته لنيويورك بتصريحه : إنك لا تصنعين السياسة الخارجية ولكنك تنفذينها.

الرئيس نجاد يعرف أن بلده، كما سوريا وغيرها، كانت على لائحة محور الشر، وأن الهجوم الأميركي كان يستهدف بلده، ولكنه يعرف أن خيارات البلدين وصمودهما مع قوى المقاومة أديا إلى انتصار معسكرهما ونجاح تصورهما ورؤيتهما للأمور والتحديات، وهذا ما أعلناه في الزيارة الأخيرة للرئيس السوري لطهران الذي قال فيها أحمدي نجاد : انه لولا صمود سوريا ودعمها لقوى المقاومة لكانت دول كثيرة قد عانت من العدوان الأميركي والصهيوني.

سوريا وإيران ليستا وحيدتين في هذا الموقع، فتركيا الشريك الثالث الذي يجمعها إلى جانب إيران وسوريا موقف موحد، رفض الحرب على العراق رغم عضوية تركيا في حلف الناتو، ورفضت تقديم أية مساعدة لقوات الاحتلال، على عكس ما فعلته العديد من الدول العربية. رهان هذه الدول الثلاث على رفض العدوان وعلى حتمية فشله، جعلهم اليوم يقطفون ثمار هذا الموقف المشرف، الذي اتسم ببعد النظر وبالثقة بالمنطقة وأبنائها وبمقاومتهم.

هذه الدول الثلاث، لم تكتف برفض العدوان وعدم تسهيل مهمته، بل تصدت، كل على طريقته، بإفشال مخططات العدو، إما من خلال دعم المقاومة أو من خلال إفشال مشاريع الفوضى الخلاقة ومحاولات تقسيم العراق. ولكن لا تكتفي بموقف الدفاع السلبي طورت موقفها لأي عمل إيجابي يهدف إلى بناء منظومة إقليمية أمنية سياسية اقتصادية اجتماعية، تشكل شبكة أمان للعراق ولدول الجوار، كما تشكل رافعة التطور والتنمية المستقبلية للمنطقة، من خلال مئات مشاريع التنمية المشتركة وتسهيل عملية انتقال البضائع والأشخاص بين تلك البلدان، تمهيدا للوصول إلى منطقة تجارة حرة مشتركة، ومنطقة سياسية أمنية مشتركة، تواجه العواصف القادمة، والأهم أنها تملأ الفراغ الاستراتيجي الذي سيخلفه تراجع الحضور الأميركي ونفوذه في المنطقة.

إننا بصدد شهادة ولادة مشرق جديد متحرر من قيود وشروط الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة.

وهذا المشرق الجديد لا يمكن أن يسلم بهيمنة صهيونية، ولا يمكن أن يسلم باستمرار الاعتداء الصهيوني على المنطقة، ولذلك يتقدم الرئيس أحمدي نجاد برؤيته المستقبلية بحتمية زوال هذا الكيان، معتمداً على معرفته بحقيقة حجم وقوة قوى المقاومة، وبحجم وحقيقة شبكة علاقات المشرق الجديد الذي انطلق من خلال نظرية واستراتيجية، وضع أسسها الرئيس بشار الأسد وكان عنوانها، استراتيجية ربط البحار الخمسة.

فما بعد زيارة أحمدي نجاد لن يكون كما قبلها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 34 / 2177939

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2177939 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40