الاثنين 11 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

اللغة اللقيطة واختلاف الاتجاهات..المقاومة ضرورة قاسية ومؤلمة وليست هواية محببة

الاثنين 11 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par خليل قانصو

«يمكن القول إن الحياة العربية، كانت شعرياً، منذ البدء منفى كلامِ ومنفى نظام. وقد عرف المبدع العربي ماضياً، ويعرف حاضراً، مختلف أنواع النـّفي : الرقابة، المنع، الطرد، السجن، القتل». تذكرت هذه الكلمات، التي استهل بها أدونيس كتابه «النص القرآني وآفاق الكتابة»، وانا أقرأ، في صحيفة فرنسية «اللوموند» 2 تشرين الأول (اكتوبر) 2010، مقابلة أجراها مراسلها الخاص في فلسطين، «مع العضو البارز في اللجنة المركزية، لـ «فتح»، حزب محمود عبّاس، الذي كان قائداً للأمن الوقائي في قطاع غزة» والكلام هنا للمراسل المذكور.

ولكن ما دخل الشعر، واللغة العربية في هذه المسألة؟ لعل السبب الذي قادني إلى الاستنجاد بأدونيس، هو المنفى. إذ ان العضو البارز «في «فتح»، حزب محمود عبّاس»، فلسطيني. والفلسطيني منفي. في حين أن المتلقي، مهاجرُ. والمهاجر، كمثل المنفي، إذا استلهم أحاسيسه، جمع أجزاءه وعقد الصلة بينها، وربما صنع اسطورة أو استخرج صـَمغاً، ليلحم الجزء بالجزء. «هذا هو الأصل ـ أسطورة ولغة» (أدونيس).

لا يهمني، كلام مراسل الصحيفة الذي عرّف «فتح» بانها «حزب محمود عبّاس». لأن هذا الكلام لا يعبر عن معنى. والمتكلم ليس عربياً منفياً. ولا أظن أنه على علم بأن كلمة «فتح»، مكونة من اجتماع الحروف الأولى، لحركة تحرير فلسطين. وهذه الحركة، خرجت من تربة مخيمات اللاجئين، عندما كان اللاجئون، على قناعة راسخة، بأن الدين «معاملات» أيضاً، وأن العودة لا تتحقق بالصلاة، وانما بالتربية والبذل والأمانة والتكافل، وسلوك نهج النضال. ولكن هذه الحركة، أصيبت بهزيمة قاسية، في أيلول (سبتمبر) 1970، على يد النظام الملكي الأردني. وأغلب الظن أنها لم تستخلص العبر من تلك الهزيمة. ومهما يكن فإنها ضلـّت الطريق في منفاها اللبناني، نتيجة لتقرب قادتها من الحكام والأمراء. إلى أن سقطت في مصيدة قوات المستعمرين «الاسرائيليين»، الذين تمكنوا من دخول بيروت سنة 1982، من دون أن تحرك الدول العربية ساكناً. خيم الذهول آنذاك. ان أحداً، لم يجهر قبل هذا التاريخ، بأن النظام العراقي، أكبر خطراً من «اسرائيل». ولكن منذ احتلال بيروت وانتقال ورثة حركة «فتح» إلى المنفى التونسي والتوقيع على «اتفاقية أوسلو»، بينهم وبين «الإسرائيليين»، صرنا نسمع ونرى، ما لم نكن نحسب له حساباً، فلا نعجب ولا تأخذنا الدهشة، حتى عندما نسمع صدّاحاً يصدح، حزناً، لا يضاهيه حزن، على الجزر الثلاث الخالية من السكان التي احتلتها ايران، في عهد الشاه.

ولكن التسليم، بأن العضو البارز في «حزب محمودعبّاس»، ليس شاعراً، ولا مبدعاً، واستطراداً بأن العلاقة بينه وبين اللغة والوطن، ليست كمثل علاقة الشاعر بهما، لا يمنع من التساؤل عن حقيقة منفى هذا الرجل، وعن أصل الكلام الذي ينطق به، فلقد نقل عنه مراسل الصحيفة الفرنسية أنه لا يقبل أن يثور الفلسطينيون، في إطار «انتفاضة ثالثة» «لأننا نريد المحافظة على حياتنا وبناء مستقبلنا، ونريد أن نرى أولادنا في الجامعات، لا أن نراهم قتلى»، على حد تعبيره. لماذا يثور الفلسطينيون، إذا كانت حياتهم ليست في خطر، وإذا كان بناء المستقبل ممكناً وطريق المعاهد والجامعات معبدة أمام أولادهم؟ هل قرأ أو سمعَ، محمود دوريش، الذي خاطب الموت «نعرف من أي دبابة جئت»، وخاطب القاتل ايضاً «لو تأملت وجه الضحية وفكرتَ، كنت تذكرتَ أمكَ في غرفة، الغاز» وقال أيضاً :

«خسائرنا : من شهيدين حتى ثمانية

كل يوم،

وعشرة جرحى

وعشرون بيتاً

وخمسون زيتونة

بالإضافة للخلل البنيوي الذي

سيصيب القصيدة والمسرحية واللوحة الناقصة».

هل نـُصدّق، العضو في حزب محمود عبّاس، عندما يقول «ما الفرق بين الاستعمار والإرهاب؟ انهما صنوان»؟ كيف يرتدع المستعمر عن اغتصاب الأرض وعن هدم المنزل أو مصادرته، عن قطع أشجار الزيتون؟ لماذا ينظر هذا الرجل إلى الشهيد، فيراه، كما يراه المستعمرون؟ لا كما يراه محمود درويش : «الشهيد يحاصرني كلما عشت يوماً جديداً .... الشهيد يوضـّح لي : لم أفتش وراء المدى.. الشهيد يعلمني : لا جماليَّ خارج حريتي... الشهيد يحذرني ... صدِّق أبي حين ينظر في صورتي باكياً..

أن تقاوِم يعني : التأكد من

صحة القلب والخـُصيتين،

ومن دائك المتأصـّلِ :

داء الأمل».

تأخذك الحيرة، حين تقع عيناك على هذه الفقرة ايضاً، «سيتحقق «الإسرائيليون» في آخر المطاف انهم يـُفشلون حل الدولتين. ومن المحتمل أن لا يقبل به الجيل الفلسطيني القادم. وقد نوافق نحن على حل الدولة الواحدة. كثير من الفلسطينيين، يعتقدون بأن هذا الحل ربما يكون ملائماً لهم. ماذا سيفعل «الإسرائيليون» عندئذ؟.. نحن لسنا أصوليين، لسنا «حماس» ولا «حزب الله»».

عندما يصف العضو في حزب محمود عبّاس، حركة «حماس» و«حزب الله»، بالأصولية، فإننا لا نجد فرقاً بين الكلمات التي يستخدمها، وتلك التي يستخدمها المستعمرون في بلاد الغرب وفي «اسرائيل»، أي أن اللغة التي ينطق بها هذا «القائد» الفلسطيني، لم تولد في وجدانه، بما هو فلسطيني منفي عن وطنه، ولكنه لقطها لقطاً، فهي ليست ذات أصل فلسطيني. قد تكون الأصولية موضوع نقاش داخل المجتمع الفلسطيني، أو اللبناني، ولكن ما هي العلاقة التي تربط هذه الاصولية، بالمحتل والمستعمر؟ وهل صرنا تلامذة للمستعمر ننصت إلى دروسه في التسامح؟ ليس مستبعداً أنه لولا الثورة الإسلامية في ايران، لبقي الإيرانيون بين سندان الولايات المتحدة الأمريكية ومطرقة الشاه. ولا جدال في ان الإسلام، كان ركيزة أساسية، لدعائم الوحدة الوطنية الجزائرية، في حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي. كل الوسائل مستباحة، للخروج من بين المطرقة والسندان، والخلاص من جور الاستعمار. فهما شرطان لازمان للانتقال من اللا ـ إنسانية، إلى الإنسانية. المقاومة ضرورة قاسية ومؤلمة، دفاعاً عن الحياة والوجود، وليست هواية محببة، يمارسها المقاومون.

من البديهي، أن التجنـّدَ للنضال يتطلب ترسيخ القناعة لدى الناشطين، بان التضرر من العدوان والقهر العنصري، إنما يصيب الجميع، وأن دفعه يفرض مساهمة الجميع، حتى تكون الحرية والانتصار، واستعادة الكرامة والحقوق، من نصيب الجميع ايضاً، فإن سقط المناضل حمل الآخرون الأمانة عنه واكملوا الطريق.

غير أن التجارب في مجال العمل الوطني الفلسطيني واللبناني خصوصاً، والعربي عموماً، لم تثبت هذه البديهية إلا نادراً. فالتضحيات والبذل، يعودان بالفائدة عادة، على الزعماء والمشايخ. لم يبق للمنفيين والمحتلين والمعذبين إلا عقيدتهم الدينية، يستلهمونها الأمل ورباطة الجأش، ليصدوا عن أنفسهم شر المستعمرين والغاصبين. لماذا يحق لهؤلاء المستعمرين أن يكونوا متزمتين ومغالين؟ أين أصولية حركة «حماس» و«حزب الله»، من اصولية الذين جاءوا ليستعمروا فلسطين واتخذوا من أساطير كنعان وبابل دليلاً، لولا الاستعمار لما كانت هناك حاجة إلى التصدي لمقاومة المستعمرين.

ولكن اللافت للنظر في أقاويل، قائد الأمن الوقائي في قطاع غزة، سابقاً، هو تلميحه إلى احتمال توقف المفاوضات أو تعثرها بسبب الخلاف حول استمرار العمل على توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، والربط بين ذلك من جهة، وفشل حل الدولتين، واستبداله بحل الدولة الواحدة من جهة ثانية. لا أظن، أن هذه الأقاويل هي فلسطينية المنبت، إذ غني عن البيان، أن اليمين الصهيوني، الذي تدعمه أغلبية كبيرة في المجتمع «الإسرائيلي»، يرفض رفضاً قاطعاً حل الدولتين، على أرض فلسطين، فهذا الحل، كان قد اقترحه، كما هو معلوم، «حزب العمل» (الإسرائيلي)، من دون الإشارة إلى حدود هاتين الدولتين لكي يوهم قيادة منظمة التحرير بفائدة التفاوض والتعاون مع الحكومة «الإسرائيلية».

وفي هذا السياق، فإن المعطيات تظهر أن «الإسرائيليين» طردوا الفلسطينيين عملياً، من 50% من مساحة الضفة الغربية وأقاموا على هذه المساحة مستوطناتهم وثكناتهم العسكرية وشبكة الطرقات التي تربط بين هذه المواقع من جهة وبينها وبين «اسرائيل» من جهة ثانية. وبكلام أوضح، تتعدى المسألة، ملهاة تمديد فترة وقف الاستيطان. فـ «اسرائيل»، لا تنوي بأي حال من الاحوال التخلي عن 50% من مساحة الضفة الغربية، بحسب التقديرات الأكثر تفاؤلاً. وإذا أخذنا بالحسبان أن البلدات والقرى التي يسكنها الفلسطينيون في الضفة، فقدت أجزاء كبيرة من الأراضي الزراعية المحيطة بها، وخـُفضت حصتها من المياه الجوفية، إلى درجة متدنية جداً، فضلاً عن أنها باتت منفصلة عن بعضها بالحواجز والجدران والطرق الالتفافية، فان إقامة «دولة فلسطينية» في الضفة الغربية، يبدو مستحيلاً، أو ضرباً من الخيال.

يتضح ذلك، من خلال النقاش الدائر في «اسرائيل» ذاتها، في الراهن، بالتلازم مع مسرحية المفاوضات والاستيطان، للتوافق على خطة «دولة يهودية» تشمل كل أجزاء فلسطين التاريخية، يشكل فيها العرب الفلسطينيون أقلية يتمتع أفرادها بحق الانتخاب. وأغلب الظن أن «الإسرائيلييين» لا يختلفون على أن تشمل «الدولة اليهودية» كامل التراب الفلسطيني، ولكن المشكلة التي تعترضهم، كما يرشح من تقارير المراسلين وتحركات ممثليهم وأصدقائهم واعوانهم، هي المشكلة السكانية. أي أنهم يبحثون عن الوسيلة التي تـُبقي الفلسطينيين العرب «أقلية في دولة يهودية». فالبعض يرى أن الأمر يحتاج إلى عقود من الزمن، وآخرون يعتقدون أن ما يلزم هو هدنة طويلة تستمر عقوداً. فالنسيان ربما يكون هو الحل. ولعل هذه المشكلة السكانية هي السبب الذي اقتضى مشاركة الرئيس المصري والملك الأردني في حفل افتتاح المفاوضات المباشرة بين «اسرائيل» من جهة و«السلطة الفلسطينية» من جهة ثانية. يتساءل المرء هل أن هناك حدوداً لا يستطيع الحاكم العربي تجاوزها، أم ان سلطتها مطلقة، كما كانت دائماً؟

وخلاصة القول، ان الحديث عن دولة فلسطينية على أرض فلسطين، استناداً إلى المعطيات على الأرض، هو قطعاً، نوع من الاستخفاف بالعقل، وان الكلام الذي تلـفـّظ به، العضو البارز في حزب محمود عبّاس، أمام مراسل الصحيفة الفرنسية، لا يمت بأي صلة، إلى اللغة العربية التي ولدت في المنفى الفلسطيني. ومن المحتمل أن كلامه لا يعدو رجع صدى لما يقال في اوساط اليمين، الذي بات يمثل أغلبية «الإسرائيليين»، عن «الدولة الواحدة اليهودية». وهذا يؤكد حقيقة لا تتغير : ان المناضل قارئ للشعر وحافظ له. فويل لأمة شعراؤها ماتوا، أو لاذوا بالصمت ... ومناضلوها لا يقرأون ولا يكتبون.


titre documents joints

Mohammed Dahlan : « Pas de négociations avec Israël sans arrêt de la colonisation » - LeMonde.fr

11 تشرين الأول (أكتوبر) 2010
info document : HTML
16 كيلوبايت


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 34 / 2166012

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2166012 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010