السبت 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

ماذا بعد الوقف العربي للمفاوضات..؟

السبت 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par شاكر الجوهري

نتفق مع حركة «حماس» في أن قرار وقف المفاوضات الفلسطينية ـ «الإسرائيلية» الذي اتخذته «لجنة المبادرة العربية» عشية قمة سرت الثانية غير كاف، ونختلف معها في ذهابها إلى أن اعطاء فرصة شهر للإدارة الأميركية اضاعة لمزيد من الوقت.

كذلك نتفق مع محمود عبّاس «رئيس» السلطة الفلسطينية في وقفه للمفاوضات، ونختلف معه كون هذا الوقف ليس كافياً، ولا يجب أن يقترن بالإصرار على إنتهاج استراتيجية أحادية تصر على استمرار التمسك بنهج المفاوضات والحل السياسي للقضية الفلسطينية.

الإتفاق مع كل من «حماس» وعبّاس بشأن وقف المفاوضات ينطلق أساساً من عدم جواز استمرار المفاوضات والإستيطان معاً، خاصة في ضوء استراتيجية التفاوض «الإسرائيلية» التي تعتمد استهلاك الوقت الفلسطيني والعربي.

اسحاق شامير رئيس وزراء «اسرائيل» الأسبق قالها صراحة بالتزامن مع انعقاد مؤتمر مدريد للسلام في نهاية تشرين أول (اكتوبر) 1991، بأنه سيعمل على اطالة أمد المفاوضات لعشرين عاماً، وهو ما يعني كسب «اسرائيل» للوقت الفلسطيني بطول هذه السنوات وعرضها.

ومن يدقق في ارقام تسارع الإستيطان في الضفة الغربية، يجد أن عدد المستوطنين تزايد من بضعة ألوف بعد «اتفاق اوسلو»، إلى أكثر من نصف مليون مستوطن في الوقت الحالي، والحبل على الجرار.

هذه هي النتيجة العملية التي أفرزها التفاوض طوال قرابة الثمانية عشر عاماً الماضية. فما بالك بعدد المستوطنين المتوقع في نهاية مرحلة التفاوض في عهد بنيامين نتنياهو..؟

هنا لابد من التأكيد على أننا نختلف مع عبّاس حين يقول إن المفاوضات الفلسطينية «الإسرائيلية» في الفترة الفاصلة بين توقيع «اتفاق اوسلو»، والوقت الحالي لم تزد عن بضعة دقائق في بعض التصريحات، وعن بضعة أيام في تصريحات أخرى، مستشهداً في أن المفاوضات توقفت بشكل كلي خلال الفترة بين 2000 ـ 2007.

الدفع «الإسرائيلي» بإتجاه وقف المفاوضات هو أحد اشكال التكتيك التفاوضي يا «سيادة الرئيس».

وهل من حاجة للتذكير بنص الخطاب السري الذي ألقاه اسحاق رابين أمام «الكنيست»، قبيل توقيع «اتفاق اوسلو»، وشرح فيه أن هذا الإتفاق لا يتنازل للفلسطينيين عن السيادة على أي شبر من الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967، وأن رابين من أجل هذا، وفي تطبيقه لهذه الحقيقة تحديداً رفع شعار عدم وجود مواعيد مقدسة لتطبيق بنود الإتفاق..!

هذا الشعار هو الذي حال دون تطبيق المرحلة الأولى من الحل طوال ثمانية عشر عاماً، مع أنه كان مقرراً في الإتفاق الإنتهاء من تنفيذ هذه المرحلة خلال فقط خمس سنوات.

المطلوب من عبّاس إذا ليس الإكتفاء بوقف المفاوضات. وإنما تغيير نهجه السياسي في التعامل مع العدو «الإسرائيلي». ويستطيع عبّاس أن يفعل الكثير على هذا الصعيد.

ولا نريد أن نفرط بالتفاؤل في قرار «لجنة المتابعة العربية» تأجيل البحث في بدائل النظام العربي لفشل العملية السلمية، غير أننا لا نستطيع أن نتجاهل حقيقة أن اللجنة الرباعية فكرت في أن تبحث عن بديل للمفاوضات..!

بطبيعة الحال، فإنه من غير المتصور أن يكون هذا البديل عسكرياً، غير أنه بإمكان النظام العربي أن يجترح بدائل سياسية للمفاوضات، مثل طرح موضوع اقامة الدولة الفلسطينية على هيئة الأمم المتحدة، انقاذاً للقرار 181 الذي نص على تقسيم فلسطين إلى دولتين.. دولة للعرب تتشكل من 44 بالمئة من أرض فلسطين، ودولة لليهود تتشكل من 56 بالمئة منها.

المدخل الأفضل لإعادة فتح القرار 181 هو المطالبة «الإسرائيلية» بإعتراف الفلسطينيين والعرب بـ «يهودية اسرائيل». فالقرار الدولي الذي نص على «يهودية اسرائيل»، نص كذلك على أن حصة العرب من أرض فلسطين هو 44 بالمئة، لا فقط 18 بالمئة، كما هو الحال الآن، وتعمل «اسرائيل» على قضم المزيد منها..!

من غرائب إدارة باراك اوباما في هذا السياق، التلويح للجانب الفلسطيني بالفيتو على أي مقترح يتقدم به للأمم المتحدة، في حال وقفه للمفاوضات.

هذا المنطق الأميركي مطابق للمنطق «الإسرائيلي» الذي يوظف مقاومة الإحتلال بالإستيطان ذريعة تبرر المضي في الإستيطان في المزيد من الأراضي الفلسطينية.

ما سبق، فكر فيه عبّاس، وكذلك النظام العربي، أما نحن فإننا ندعو «رئيس» السلطة إلى ما هو فوق ذلك..

ندعوه إلى وقف التزام سلطته بـ «خارطة الطريق»..!

هذا الوقف يجب أن يشمل :

أولاً : وقف برنامج نزع اسلحة المقاومة، وتفكيك بنيتها التحتية، بموجب الإستحقاقات الملقاة على عاتق السلطة في المرحلة الأولى من مراحل الخارطة الثلاث.

ثانياً : اطلاق سراح المقاومين الفلسطينيين المعتقلين، وإعادة اسلحتهم.

إننا ندعو عبّاس ونطالبه بالتنصل من التنازلات التي قدمها دون مقابل حتى الآن..!

إن لم يفعل عبّاس ذلك، فإن هذا يعني أنه يريد الذهاب إلى الامم المتحدة استناداً إلى خارطة الطريق التي لم تلتزم «اسرائيل» بتنفيذ أي من الإستحقاقات التي تترتب عليها بموجب مرحلتها الأولى، وقبل كل شيىء، الوقف الكلي للإستيطان.

إذا كان لا يجوز تواصل المفاوضات والإستيطان معاً، فإنه لا يجوز أيضاً تواصل الإلتزام الفلسطيني دون «الإسرائيلي» بخارطة الطريق..!

لقد أدى الإلتزام الفلسطيني وحده إلى تواصل الإستيطان الذي يرفضه عبّاس..!

نحتاج من «رئيس» السلطة إلى رفض عملي للإستيطان، لا إلى رفضه لفظياً، ودعمه عملياً من خلال تواصل التزامه بالخارطة من جانب واحد..!!

إن تجريم المقاومة الفلسطينية، واصدار الأحكام العالية بالسجن على من يتشرف بممارستها يساهم في تواصل الإستيطان والقضم «الإسرائيلي» للأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967.

هل يعقل أن يصدر حكم بالسجن لاثنتي عشر سنة على أسير محرر لأنه استضاف مقاومين اثنين في منزله، في ذات الوقت الذي يرفض فيه نتنياهو وقف الإستيطان..؟!

لقد ظلت اميركا و«اسرائيل» ترفضان محاورة منظمة التحرير الفلسطينية حتى تعلن اعترافها بالقرار 242، وقد تم ذلك بعد عشرين عاماً من رفض ذلك القرار.

والآن بإمكان الجانب الفلسطيني أن يعلن قبوله قرار التقسيم بعد اثنتين وستين عاماً على رفضه، ما دام يمثل ورقة قانونية (بموجب الشرعية الدولية) يصعب أن ترفضها الولايات المتحدة..!

نعم.. نتفق مع حركة «حماس» في أن وقف المفاوضات ليس كافياً.

لكننا نختلف مع حركة المقاومة الإسلامية في أن اعطاء فرصة شهر للإدارة الأميركية اضاعة لمزيد من الوقت..

هذا الشهر ليس فقط فرصة زمنية تقدم لواشنطن، لكنه كذلك فرصة للنظام العربي كي يثبت للإدارة الأميركية امكانية أن يفعل شيئاً يستعيد بموجبه ثقة شعوبه، على حساب انبطاحه الدائم أمام الأميركان..!

صحيح أن هذا الشهر قابل للتمديد، وقد تكون مهمته تمرير اجتماع القمة العربية دون اتخاذ قرار حاسم، يفترض أن يتخذ.

لكن الصحيح أيضاً هو أن النظام العربي لم يعد يملك اضاعة المزيد من الوقت.. هذا إن كان أصبح يدرك حقيقة مصالحه.

المصالح التي نعنيها هنا لا تنحصر في عدم مصلحته بالإصطدام مع جماهيره وشعوبه، لكنها أصبحت تتصل بوصول الأخطار «الإسرائيلية» إلى حدوده، بل إلى عتبات النظام ذاته.

لقد انتهج النظام العربي، بدءا من قمة بغداد الأولى سنة 1978، الحل السياسي مع «اسرائيل»، وقرر معاقبة الرئيس المصري أنور السادات، ومقاطعة نظامه، لأنه صالح «اسرائيل» منفرداً، لا رفضاً لمبدأ المصالحة..

فعل النظام العربي ذلك لأنه أراد أن يحمي مصالحه من حرب مقبلة مع «اسرائيل» دون مصر، وهو الذي أسعده كثير اعلان أنور السادات أن حرب رمضان 1973 هي آخر الحروب.

وعلى ذلك، فإن كان النظام العربي بدأ يتفهم، عدم قدرة حتى محمود عبّاس على تحمل المماطلة «الإسرائيلية» طوال ثمانية عشر عاماً، فماذا عن النظام العربي ذاته، وهو يواصل تحمل كذب وخداع وتضليل ومماطلة الإدارة الأميركية طوال اثنتين وثلاثين عاماً، بدءاً من تاريخ انعقاد قمة بغداد 1978 وحتى الآن..؟!

هل من ضرورة للتذكير في أن النظام العربي قرر الإعتراف بـ «اسرائيل» مواربة، والتفاوض معها، منذ قمة اللاءات الثلاث في الخرطوم سنة 1968، حين رفعت تلك القمة شعار إزالة آثار العدوان، بعد أن كان النظام العربي يرفع شعار إزالة «اسرائيل»..؟

لم تكن اللاءات الثلاث في حينه غير محاولة لتضليل الرأي العام العربي عن حقيقة الشعار الجديد..!

ولهذا، فإن النظام العربي لابد له من أن يبحث عن حل يقية وصول الخطر «الإسرائيلي» إلى عتباته، ما دام نتنياهو الطامح بتجديد شباب الحركة الصهيونية، يصر على رفض الإنسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967، سائراً على طريق «وطنك يا «اسرائيل» من الفرات إلى النيل»، إن لم يجر تعديل هذا الشعار ليصبح ««وطنك يا «اسرائيل» من الماء إلى النفط»، بكل ما يشمله ذلك من أراض سورية ولبنانية وعراقية وسعودية ومصرية، فضلاً عن كامل فلسطين والأردن. الذي (الأردن) ظل دوماً جزءا من «أرض اسرائيل» التاريخية، من وجهة نظر الحركة الصهيونية، التي رفضت تأسيس الدولة الأردنية على ارضية هذه القاعدة، وتطرح مشاريع الوطن البديل على اساسها..!

تفشيل «اسرائيل» للحل الفلسطيني، يتوجب أن يفهمه النظام العربي بأنه اعلان حرب «اسرائيلية» عليه..

الحرب تبدأ بإتخاذ القرار، لا بتوقيت تنفيذه، وهو آت لا ريب فيه، إن ظل العرب نيام.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2178006

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2178006 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40