الخميس 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

الوطن البديل في المنظور الصهيوني

الخميس 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par إبراهيم عجوة

يمكن اعتبار سياسة الاستيطان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة التعبير الأمثل عن الإستراتيجية الصهيونية في الهيمنة على المنطقة. فهذه السياسة تعتمد في رسم خطوط الخرائط الاستيطانية كما الإستراتيجية بالتنقيط أولاً، وبشكل يبدو غير منتظم وكفعل مشتت يصعب متابعته، بالتوازي أحياناً وبالتوالي أحياناً أخرى، بما يشي بأن هذا التنقيط عشوائي وليس سيناريوهات خرائط استيطانية قادمة.

تعطي «إسرائيل» لنفسها حرية وصل النقاط على شكل خطوط وحدود في الوقت الذي تتوفر فيه شروط هذا الوصل. يلاحظ ذلك من خلال نقاط الاستيطان من الشمال إلى الجنوب في غور الأردن وعلى طول خط الهدنة الفاصل بين احتلالي 1948 و1967 كخطين متوازيين شرقاً وغرباً.

فقد تم تنقيط خطوط الوصل الأفقية بين المستوطنات الرئيسية في الغور والمستوطنات الرئيسية على طول خط الهدنة بمستوطنات يبدو بعضها عشوائياً وأنشئت في أزمنة متباعدة بحيث يصعب اكتشاف الخطوط ونهايات الخرائط، إلا عند تمام وصلها من أجل تقطيع الضفة الغربية إلى معازل ومربعات صغيرة يصعب ويستحيل وصلها جغرافياً أو سكانياً، وتسمح بالتالي لهذا الاستيطان أن يكون مهيمناً على الأرض والسكان، ومتحكماً بكل مناحي الحياة على إطلاقها.

وقد بدأت تتضح ملامح هذه الخرائط من خلال خطوط المواصلات التي أطلق عليها محاور رئيسية، ويمكن ملاحظتها بوضوح لدى الاطلاع على خرائط الاستيطان الصهيوني في فلسطين.

لكن ما علاقة هذه السياسة الاستيطانية بموضوع الوطن البديل الذي تهدد الدولة الصهيونية به الأردن ليل نهار؟

الأردن في المفهوم الصهيوني هو نقطة على خط إستراتيجي للهيمنة والتقطيع المستهدفة من الكيان الصهيوني في المنطقة، قد توصل بالعراق، وقد توصل بكردستان وقد توصل بتركيا عبر كردستان، وقد توصل بنقطة آجلة يتم تحضيرها في الخليج.

هذه مسألة مفتوحة على الممكنات والنجاحات في إستراتيجية التنقيط «الإسرائيلية». وكما لم تكن «إسرائيل» في عجلة من أمرها لدى الشروع في التنقيط الاستيطاني حيث يبتدئ بكرفان ومستوطنة عشوائية بعدة بيوت وبمبادرة من مستوطنين «خارجين عن القانون» ليجري تسمين هذه المستوطنة وتسليحها حتى الأسنان وتحويلها إلى قلعة عسكرية استيطانية لاحقاً غير قابلة للمحو عن خط التقطيع، كذلك ينظر إلى الأردن، فـ «إسرائيل» ليست في عجلة من أمرها فعملية تنقيط الخط الإستراتيجي تجري على نهاية الخط المرجو حيناً، وعلى الوسط منه أو في البداية أحياناً أخرى، هذا لا يهم طالما أن عملية التنقيط غير متوقفة وتتم بالتوازي في أماكن مختلفة على الخط الإستراتيجي.

الضفة الغربية هي النقطة الثانية على الخط بعد ترسيم بداية الخط باحتلال عام 1948، والأردن ثالثهما ويمتد الخط إلى حيث تستطيع الإستراتيجية الصهيونية النجاح وليس مهماً أن يكون التنقيط متتالياً وواضحاً فبالإمكان ترك النقطة باهتة ليتم تسميكها لاحقاً بينما يتم الانتهاء من رسم نقطة أخرى في مكان آخر.

المناخات المحيطة بالحراك السياسي في المنطقة الآن هي متطلبات عملية الوصل من البحر المتوسط حتى الحدود العراقية من خلال مشروع كونفدرالية الأراضي المقدسة المزمع إنتاجها. وكل ما يتم طرحه من مشاريع هو في الجوهر عمليات تحضيرية، وما المفاوضات الفلسطينية «الإسرائيلية» المباشرة الجارية الآن إلا محطة على الطريق.

تحاول «إسرائيل» منذ معاهدة وادي عربة تعزيز تموضعها الاقتصادي والسياسي والأمني والإعلامي في الأردن، أو ما يسمى كله بسياسة الاختراق الناعمة. وحيث فشلت ترفع عصا التهديد بأشكال مختلفة من أجل التعمية على الاختراقات الناعمة الجارية على قدم وساق.

الفزاعة الصهيونية التي ترفعها «إسرائيل» بوجه الأردن هي التهديد بتحويل الأردن إلى وطن بديل للفلسطينيين، وهي تعني في الحقيقة بهذا التهديد التعبير عن قدرتها على تجريف مثلث التوازن المرتكز على أضلاع العلاقة بين القصر والشعب الأردني والعلاقة الأردنية الفلسطينية، بل هي تحاول التعبير عن قدرتها على تجريف كل الشرعيات الأردنية مجتمعة، والاستعداد لدخول معركة تفكيك الأردن.

وفي مناسبات مختلفة هددت «إسرائيل» تارة بإهداء الأردن وطناً للفلسطينيين كما ساوم شارون ياسر عرفات بعد الخروج من بيروت عبر وسطاء، وهددت بشكل غير مباشر من خلال محلليها الإستراتيجيين بأن الملك عبد الله الثاني آخر الملوك الهاشميين، ووصفت الشعب الأردني تارة ثالثة بأنه ليس شعباً بقدر ما هو مجموعة من البدو الرخص كما نقل عن إيهود باراك في شرم الشيخ، أو على لسان بعض عملائها بأنهم همج يسعون لذبح الشعب الفلسطيني، أو يقومون ببرنامج تطهير عرقي للفلسطينيين.

في إطار تصفير القوة بدل التوازن داخل الحركة الصاعدة، تسعى «إسرائيل» إلى تكسير مثلث التوازن داخل الدولة الأردنية المتمثل في العلاقة الأردنية الفلسطينية وعلاقة الشعب بنظام الحكم. بما يعني الحيلولة دون بقاء هذا التوازن وانفتاحه على التحول إلى حالة توازن في حركة صاعدة بناءة وإيجابية. تكسير يدفع إلى حالة توازن صراعي يدور حول نفسه، متحولاً إلى محصلة صفرية تؤول لاحقاً إلى حالة عدمية.

«إسرائيل» تدرك أن تفكيك أحد هذه الشرعيات يعني تفكيك الأردن وإفقاد الجميع شرعية الوجود خارج معادلتها. وبالتالي فهي تتنقل تهديداً لهذه الشرعيات لخلق مناخات الأزمة ومتطلبات التهشيش المسبقة محاولة بذلك إسقاط شرعيات الوجود الثلاث بضربة واحدة في الأردن.

أولى هذه الشرعيات هي شرعية الشعب الأردني غير المشروطة بما هو صاحب الأرض ومالك الوطن التاريخي قبل النكبة الفلسطينية، والثانية هي شرعية نظام الحكم المرتكز على عقد التأسيس بين الملك المؤسس عبد الله الأول بن الحسين مع الشعب الأردني والقائم على حماية الأردن من الخطر الصهيوني ودعم الشعب الفلسطيني لاسترداد حقوقه، وأما الشرعية الثالثة فهي الشرعية الفلسطينية التي تأسست بتعاقد مفهوم بين الشعبين الأردني والفلسطيني على العيش بكامل الحقوق مقابل الشراكة في بناء الوطن الأردني والتمسك في المقابل بحق العودة إلى فلسطين والنضال من أجله.

فأي تنازل تقدمه إحدى هذه الشرعيات الثلاث على حساب مصدر شرعيتها لصالح الكيان الصهيوني فإنها تفتح بذلك الباب واسعاً لإسقاط الشرعيات الثلاث مجتمعة دفعة واحدة.

فليس من المعقول أن يصدق الفلسطيني أن «إسرائيل» تسعى لبناء وطن لنقيضها الموضوعي والتاريخي وهو الشعب الفلسطيني على أطول حدود لها فذلك ليس إلا وهماً في أذهان من يسلمون بحقوقهم وشرعية وجودهم لعدوهم. فيفقدون بذلك شرعية حقهم في وطنهم فلسطين وشرعية وجودهم في الأردن بانتظار العودة إلى وطنهم. وهل الوطن الأردني أرضاً فارغة مطوبة للصهاينة حتى يهدونها للفلسطينيين أو لغيرهم، أليست أرضاً لشعب عربي أصيل ونبيل وصاحب تاريخ في الذود عن حمى وطنه؟

وليس معقولاً أن يتوهم الأردني، صاحب الشرعية الأصيلة وغير المشروطة، أن إدخال العامل الصهيوني في معادلة الأردن سوف يحمي الأردن من الوطن البديل، بقدر ما سيحول الأردن إلى نقطة ناجزة للوصل على خطوط الخرائط الصهيونية الإستراتيجية. وليس معقولاً أن يتوهم الأردني بأن الشعب الفلسطيني يمكن أن يتقبل هذه الهدية الافتراضية الصهيونية المسمومة، وهو الذي قدم الدماء على مدار عقد كرأس حربة في التصدي للمشروع الصهيوني داخل فلسطين وخارجها، وهو صنو الشعب الأردني بما عرف عن الشعبين من حس قومي عروبي وحدوي.

يدرك الكيان الصهيوني أنه ليس بإمكانه تحويل الأردن إلى نقطة على خطوط الخرائط الإستراتيجية الصهيونية قبل تفكيك شرعيات الوجود فيه، ليتحول إلى مجرد فضاء يحتوي كتلاً بشرية لا يملك أي منها شرعية الوجود دون التحول إلى أداة في المشروع الصهيوني، أو التحول إلى ركام بانتظار الجرافة الصهيونية لتقوم بإزاحته هنا وهناك.

ألم تصبح شرعية السلطة الفلسطينية مرتهنة تماماً لمستوى التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني، بل وتتناسب شرعيتها طردياً مع مستوى هذا التنسيق بعد «اتفاقية أوسلو»؟ ما أدى عملياً إلى تخليع شرعية منظمة التحرير، وما نشهده من انقسام فلسطيني جعل قضية الشعب الفلسطيني في مهب الريح.

منذ بدء الاستيطان الصهيوني في فلسطين، والمشروع الصهيوني يمارس عملية شراء وقت، ونحن نقوم بمنحه الفسحة التي يريد. فهو يفاوض دائماً لشراء الوقت ويصنع الحقائق في هذا الوقت المشترى. فالمحادثات الجارية الآن والتي ظلت تجري منذ أوسلو وما قبلها، كانت دوماً عملية شراء وقت، وحيث أحس الكيان الصهيوني أن هناك مقدمات إحساس بالخطر في مكان آخر يمكنه أن يشاغب عليه، أو يكشف اللعبة أو يفرض وقائع تكسر هذه الحالة كان يصنع له معركة ثانوية أو يفتح عليه معركة تآكل ذاتي ريثما ينفذ ما يشاء في فسحة الوقت المشتراة بالتفاوض.

الوطن البديل ليس هيمنة فلسطينية على الأردن، بل هو جملة إجراءات تفتح معارك داخلية تحول دون أي تحول إيجابي في مواجهة المشروع الصهيوني. فبعد أوسلو ووادي عربة انتابت كلا الطرفين الأردني والفلسطيني صحوة على النفق الذي أدخلوا فيه، وبدأت تتشكل ملامح وحدة هدف تتجلى في خنق مشروع التمدد الصهيوني، والعمل من أجل فرض التراجع عن استحقاقات وادي عربة وأوسلو، وحتى يتم قطع الطريق على هذه الإمكانية كان لا بد من محو خط التقاطع هذا واستبداله بخط افتراق يتمثل في فزاعة الوطن البديل التي تظهره وكأنه مشروع هيمنة للفلسطينيين على الأردنيين بعون صهيوني.

قد يجري تظهير المشروع على هذا النحو، بمساعدة استطالات فلسطينية متصهينة في الأردن، ولكن نجاحها مشروط بوجود استطالات أردنية متصهينة أيضاً إلى جانبها. والصهينة لا تقتصر على العملاء المباشرين فقط ولكنها قد تتمظهر في أشكال من العمى السياسي لا يقل خطورة إن لم يزد عن العمالة المباشرة.

الأردن في الواقع تحت خطر التفتيت والتقسيم نتاج المناخات والتهديدات والتحديات المحيطة، ونتيجة للعمى السياسي الذي ينفخ في المعطى الصهيوني بنفس الاتجاه ويمنحه المزيد من الوقت من أجل ترسيم الأردن كنقطة على خطوطه الإستراتيجية إن لم نقل كنقاط عديدة قد يجري التخطيط لها.

أغلب الأسئلة المطروحة من المثقفين والسياسيين الأردنيين تتمحور اليوم حول تضاؤل فرص قيام الدولة الفلسطينية، والمدى المسموح به لبقاء الفلسطينيين بدون وضع قانوني ومواطنة تستلزم حقوقاً سياسية موازية في الأردن كبديل عن حق تقرير المصير على أرض وطنهم. هل يستطيع الأردن أن يستمر في المقاومة والرفض إذا استمر المناخ الدولي ضاغطاً باتجاه الحل؟

الغائب إلا لدى القلة من الأصوات هو كيف يساهم جدلنا الفكري والسياسي في تفعيل المقاومة والرفض وتوفير شروط الانتصار وتجاوز المخطط، وليس في تقويض عناصر القوة والمصالح المشتركة الوطنية منها أوالقومية والإسلامية، والتذرع بعد هذا التدمير الذاتي بعدم القدرة على المواجهة وبالتالي الاقتتال على الفوائض والمنتجات السامة.

لمصحلة من يجري شيطنة الشعب الفلسطيني في الأردن؟، ولمصلحة من يجري استبدال حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني على أرض وطنه بحقوق سياسية ووطن موعود؟ ألا يمكن تقديم الاجتهادات المرفوض منها والمقبول دون المرور بمحطات الشيطنة ودون التغذي بالوهم؟

حرق فلسطين في الأردن سيشعل ناراً لا مجال لإطفائها وستطال الجميع بألسنتها، وستكون الكارثة الأكبر بعد النكبة الفلسطينية. فهل نصحو ولا نستدخل الهزيمة بالحرق أو التمرير؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 48 / 2177844

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

2177844 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40