السبت 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

اللوبي العربي في الولايات المتحدة

السبت 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par رياض طباره

تعود أصول اللوبي العربي في الولايات المتحدة الى الخمسينيات، عندما طلب الملك سعود بن عبد العزيز من بعض الدبلوماسيين الأميركيين تأسيس «لوبي عربي» في مواجهة «اللوبي الإسرائيلي» للدفاع عن الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية وإقناع الإدارة الأميركية بالتجاوب معه. كما ازدهرت في ذلك الحين وبعده ما كان يسمى بالمجموعة البترو دبلوماسية (Petro Diplomatic complex) التي كانت هي الأخرى تقوم بمساندة المواقف العربية الوطنية أو المصالح المهمة لبعض الدول العربية خاصة البترولية منها. فبعد حرب 1973 مثلاً وقطع إمدادات البترول العربي مما تسبّب بطوابير طويلة أمام محطات البنزين في أميركا وارتفاع سعر البنزين 4 أضعاف في 3 أشهر، حصلت ردّة فعل سلبية تجاه العرب في أميركا، فقامت هذه الشركات بحملة مضادة لتشرح من خلالها وجهة النظر العربية، مستعملة الدعايات في الصحف الكبرى أو من خلال قيام بعض من رؤساء إدارتها بالضغط مباشرة على الإدارة الأميركية أو كما فعلت ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (شفرون اليوم)، بالطلب من جميع موظّفيها والمستثمرين فيها الضغط على ممثّليهم في الكونغرس لمساندة «تطلّعات الشعب العربي». وفي خضمّ هذه الحركة التي تمثّل الجيل الأوّل في مسيرة اللوبي العربي، شعر العرب الأميركيون للمرة الأولى بوجودهم كقوّة سياسية. ولَخّص ذلك الشعور ريتشارد شدياق، أحد أبرز العرب الأميركيين (وأحد مؤسسي مستشفى سانت جود لسرطان الأطفال في أميركا ومن ثمّ في لبنان) بالقول: «إن يوم العربي الأميركي قد جاء (أخيراً) والسبب هو النفط».

وبينما كان المُحرّك الأساسي للجيل الأوّل من عمل اللوبي العربي إنشاء دولة «اسرائيل» وضرورة شرح وجهة النظر العربية للشعب الأميركي وطاقمه السياسي ومساندة مصالح بعض الدول العربية النفطية، كان المُحرّك الأساسي للجيل الثاني من مؤسسات اللوبي العربي شعور العرب الأميركيين بجهل الأميركيين لحضارتهم وتاريخهم والفورات العنصرية ضدّهم التي تتابعت منذ حرب 1973 مروراً بالانتفاضة الأولى في فلسطين سنة 1988 وحرب الخليج سنة 1991 وصولاً إلى الهجوم على نيويورك وواشنطن في أيلول 2001 وما بعدها (مثلاً محاولة بناء مركز إسلامي مكان الحادث في نيويورك والتهديد الذي لم يُنفّذ بحرق نسخ من القرآن الكريم). ففي سنة 1967 تأسّست جمعية العرب الأميركيين خريجي الجامعات (Association of ArabAmerican university graduates) التي تهدف للوصول إلى معرفة أفضل للعلم والثقافة العربيين داخل المجتمع الأميركي وذلك من خلال منشورات كمجلة الدراسات العربية الفصلية، (Arab studies quarterly) ومؤتمرات وحوارات وما شاكل، وقد انضم إلى هذه الجمعية نخبة من كبار المفكّرين من العرب الأميركيين أمثال إدوارد سعيد وابراهيم أبولغد وهشام شرابي وغيرهم. (أقفلت أبوابها سنة 2000 لأسباب مالية).

ولكن سريعاً ما تبيّن أنّ هذه الطريقة التعليميّة هي، في أحسن الأحوال، طريقة الأمد البعيد في مواجهة ردات الفعل العنصرية ضدّ العرب الأميركيين بينما كانت الأحداث المسبّبة لردّات الفعل هذه تتوالى بسرعة وتتزايد حدّتها مع الوقت. فقبل سنة 1985، كانت الأعمال العنصرية ضدّ العرب محدودة نسبيّاً تتلخّص معظمها في دعايات وبرامج إذاعية وتلفزيونية وأفلام سينمائية تشوّه سمعتهم وتُحقّر ثقافتهم، وقد كُتب عن هذه المحاولات عدة كتب ومقالات. ولكن هذه الأعمال سرعان ما تحوّلت إلى أعمال عنف تطال أعداداً متزايدة من العرب الأميركيين. ووصلت هذه الحوادث العنفية إلى حدود بعيدة بعد غزو العراق للكويت، فبينما لم يتجاوز عدد هذه الحوادث أربعة في النصف الأوّل من سنة 1990 أي قبل غزو الكويت في آب من تلك السنة، قفز هذا العدد إلى 35 حادثة في النصف الثاني من السنة نفسها وإلى 119 حادثة في السنة التالية، ولم ينج من ذلك جنسيات سمراء أخرى حتى أن شاباً كويتياً يعمل في إيصال البيتزا إلى المنازل، لقي حتفه على يد مجموعة من الشباب الأميركيين المحتجّين أصلاً على غزو الكويت.
إلا أن كل هذه الحوادث لا تقارن بما حصل بعد الهجوم على نيويورك وواشنطن في 9 أيلول 2001. ففي السنة التي تلت الحادثة، تصاعدت أعمال العنف ضدّ العرب الأميركيين إلى أن وصلت، خلال السنة التي تلت الحادثة، إلى 700 حادثة، أي حوالى 5 مرات ما وصلت إليه سنة 1991 حسب مصادر الجالية نفسها وإلى 481 حادثة حسب مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) أي 17 مرة عددها في السنة السابقة حسب إحصاءات المكتب و1717 حادثة حسب المؤسسات الإسلامية الأميركية.

وخلال هذه الفورات العنصرية ضد العرب الأميركيين، أسّس هؤلاء عدداً من الجمعيات لمحاربة العنصرية ضدّهم، لم ينجح منها بوضوح، سوى اللجنة الأميركية العربية ضد العنصرية (American Arab Anti-Discrimination Committee). وهي المجموعة التي أسسها السيناتور العربي الأميركي السابق جايمس أبو رزق سنة 1980. وتعتبر اللجنة نفسها منظمة تُعنى بالحقوق المدنية للعرب الأميركيين تقوم بحماية مصالحهم والتعريف بثقافتهم، وقد وسّعت عملها بعد الانتفاضة الأولى في فلسطين من خلال استحداث فرع يُعنى بالشق القانوني للمشكلات التي تُعرض عليها وتوفير المحامين لهذه الحالات، كما فتحت فرعاً لها في القدس.

ولا بدّ من الإشارة في هذا المجال إلى تأسيس الجمعية الوطنية للأميركيين العرب (National Association of Arab Americans) التي أسّستها سنة 1972 مجموعة مرموقة من العرب الأميركيين على رأسها ريتشارد شدياق وهشام شرابي ومستشار الرئيس نيكسون السابق الكولونيل بيتر طنّوس. وكان الهدف الرئيسي للجمعية تقوية العلاقات الأميركية العربية ودفع الإدارة الأميركية لأخذ مواقف متوازنة (even-handed) في ما يختصّ بالقضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية. أما سلاح الجمعية الأساسي في عملها كلوبي فكان الاتصال المباشر مع أصحاب القرار، وإقامة الدعاوى ضد أعمال «اسرائيل» اللاإنسانية والدعاية وغيرها، ولكن دون أن تتدخّل بفعالية في العمليات الانتخابية. وفي سنة 2002، اندمجت الجمعية هذه مع اللجنة العربية الأميركية ضد العنصـرية الآنفة الذكر.

لم يصل العرب الأميركيون إلى المعنى الحقيقي لمفهوم اللوبي إلا في الجيل الثالث من المنظمات العربية الأميركية. فالجيل الأوّل كما ذكرنا تمثّل بالاتكال على أشخاص أو مؤسسات أو شركات البترول للقيام بمهمات التأثير على قرارات الإدارة الأميركية لمصلحة قضايا تهمّ بلداً معيّناً كشراء المملكة العربية السعودية طائرات الإيواكس رغم اعتراض اللوبي «الإسرائيلي» أو دفاعاً عن مواقف عربية محددة كقطع إمدادات البترول خلال حرب 1973 بين مصر وسوريا من جهة و«اسرائيل» من جهة أخرى. ورغم أن محاولة التأثير على قرارات الإدارة الأميركية تدخل في إطار أعمال اللوبي إلا أنها تبقى محدودة ما لم تستعمل سلاح اللوبي الأقوى وهو دخول أروقة الكونغرس من خلال جمع الأصوات والأموال للمرشّحين المتعاطفين مع القضايا التي تهمّ اللوبي كما يفعل اللوبي «الإسرائيلي» بنجاح كبير منذ مدّة طويلة. أما الجيل الثاني فقد ركّز اهتمامه على الدفاع عن حقوق العرب الأميركيين ومحاربة العنصرية ضدّهم رغم دفاعه في بعض الأحيان عن القضايا العربية العامة من وجهة حقوق الإنسان كمحاربة العنصرية «الإسرائيلية» في فلسطين.

الجيل الثالث من عمل العرب الأميركيين في مجال اللوبي تعلّم من الأسلوب «الإسرائيلي» الناجح فدخل في العملية الانتخابية على جميع المستويات ـ الرئاسية والوطنية والمحلية ـ للوصول إلى انتخاب أكبر عدد ممكن من العرب الأميركيين للمقاعد السياسية ومساندة المتعاطفين مع القضايا العربية، خاصة في الكونغرس، وذلك من خلال المساعدة في تمويل الحملات الانتخابية لهؤلاء وجمع أصوات العرب لمساندتهم.

المحاولة الأكثر نجاحاً حتى الآن ضمـن هذا الجيل الثالث من العمل في إطار لوبي عربي، جاءت عندما تأسس سنة 1985 المركز العربي الأميركي (Arab American Institute) بقيادة جيمس زغبي ومساندة أخيه جان زغبي صاحب شركة استطلاعات تُعنى في ما تُعنى به استطلاعات داخل الجالية العربية الأميركية [*(1)*].

وتختلف هذه المؤسسة عن مؤسسات اللوبي «الإسرائيلي» في أنها لا تعمل مباشرة لحساب حكومات عربية كما تفعل مؤسسة (ايباك) بالنسبة لـ «اسرائيل» بل تعمل لحساب المجتمع العربي الأميركي لتشجعه على الاشتراك في الانتخابات في جميع مستوياتها ومراحلها للوصول إلى انتخاب أكبر عدد من الأميركيين العرب أو مؤيديهم على المستويات المحلية والوطنية والمشاركة الفاعلة في الانتخابات الرئيسية. يقول جيمس زغبي: «إن كل دولة عربية باستطاعتها أن توظّف لوبي لمصلحتها... ونحن العرب الأميركيين في العمل السياسي لسنا لوبي لأية دولة عربية... الحقيقة هي أننا نسعى لتكثيف مشاركة العرب الأميركيين كناخبين ومرشحّين... إن جهود المركز العربي الأميركي أثمرت مقعداً على الطاولة حيث تؤخذ القرارات السياسية». ولكن رغم هذه الفروقات بين اللوبيين العربي و«الإسرائيلي» فإن النتيجة متشابهة إلى حدّ ما، أي الحصول على أكبر عدد من المؤيدين للقضايا التي يهتم بها اللوبي في الكونغرس من خلال مساندة المرشّحين المتعاطفين مع قضاياه بالمال والأصوات.

لم يكن للوبي العربي أيّة فاعلية تُذكر قبل منتصف التسعينيات، إذ كان المرشّحون يتفادون الاجتماع معه خوفاً من خسارة أصوات اليهود وتبرّعاتهم، والبعض منهم أعاد تبرّعات العرب الأميركيين لحملاتهم. ولكن العمل الدؤوب خلال ما يُقارب الخمس عشرة سنة بدأ يُعطي نتاجه الواضح في تلك الحقبة. فالمرة الأولى خلال الانتخابات الرئاسية سنة 2000 زار كِلا المرشّحين الجمهوري والديموقراطي للرئاسة، بوش الابن وآل غور، اجتماع اللوبي الذي ينعقد قبل الانتخابات والذي ينظّمه المركز العربي الأميركي بالاشتراك مع منظّمات عربية أخرى تحت عنوان المؤتمر القيادي الوطني (National Leadership Conference) محاولين الحصول على أكبر عدد من أصوات العرب الأميركيين. وركّز الإعلام على هذه الظاهرة الجديدة تركيزا لافتا. على سبيل المثال، الأسوشياتد برس نشرت عدّة إخباريات كانت واحدة منها بعنوان: «المرشّحون للرئاسة يطلبون ودّ العرب الأميركيين». وتبعتها مجلة نيوزويك بمقال بعنوان «معركة جديدة: الحصول على أصوات العرب». أما الإيكونومِست فأعلنت في عنوان أحد مقالاتها عن «ولادة اللوبي العربي».

في السبعينيات والثمانينيات لم يكن هناك سوى عضو أو عضوين في الكونغرس من أصل عربي والقليل القليل من الأعضاء المتعاطفين مع القضايا العربية. ولكن أعداد هؤلاء ـ أي الذين من أصل عربي والمتعاطفين مع قضاياهم ـ بدأ يتصاعد تدريجياً خلال التسعينيات، ووصل إلى مستوى لافت سنة 2000 وما بعدها. واليوم هناك في مجلس النوّاب أربعة ممثّلين من أصل عربي (داريل عيسى من كاليفورنيا، نيك رحّال من وست فرجينيا، راي لحود من إلينوى وشارلز بستاني من لويزيانا) إضافة إلى حوالى ثلاثين عضواً ساندهم اللوبي العربي. أما على مستوى الولايات فهناك حاكمان من أصل عربي (جون بلداتشي لولاية ماين وميتش دانيال لولاية إنديانا)، إضافة إلى ستة عشر عضواً في مجلس النوّاب والشيوخ في أربع عشرة ولاية منها ولايات كبرى مثل ميشيغان وبنسلفانيا وتكساس، وأعداد كبيرة من الذين ساندهم اللوبي العربي.

ولا بدّ من ذكر أهمّ الأميركيين العرب الذين دخلوا مجلس النوّاب والشيوخ منذ التسعينيات وبعض المراكز السياسية التي وصلوا إليها.

■ على رأس هؤلاء سبنسر إبراهام اللبناني الأصل الذي دخل مجلس الشيوخ عن ولاية ميشيغان سنة 1994، وفشل في انتخابات سنة 2000 بفارق نقطتين فقط ولكن الرئيس بوش الابن عيّنه وزيراً للطاقة حيث بقِيَ في منصبه حتى سنة 2005. وقد قال لي مرة عندما كنت سفيراً في واشنطن إن بعض اليهود يصوّتون له في الانتخابات لأن اسمه ابراهام، ما يوحي بأنه يهودي.

■ جان سنونو لبناني (وفلسطيني) الأصل انتُخب لمجلس النوّاب الأميركي سنة 1996 وبقِيَ في هذا المنصب حتى سنة 2002 عندما انتُخب لمقعد في مجلس الشيوخ في ولاية نيوهامبشر وخدم هناك حتى سنة 2008 وكان خلال خدمته العضو الأصغر سناً في مجلس الشيوخ. وفي انتخابات 2008 ترشّح للتجديد في منصبه ضدّ جين شاهين المتزوجة من لبناني ففشل وترك مجلس الشيوخ ولكنه لم يترك السياسة.

■ نيك رحّال اللبناني الأصل هو الأقدم بين النوّاب العرب الأميركيين، إذ انّه انتُخب للمرة الأولى سنة 1976 في ولاية وست فرجينيا وأُعيد انتخابه منذ ذلك الحين وهو الآن رئيس لجنة الموارد الطبيعية وعضو في لجان عدّة أخرى في الكونغرس الأميركي. يُمثّل رحال منطقة فقيرة نسبياً وهو شعبي في ميوله، يأكل عادة في مطاعم شعبيّة في منطقته بما في ذلك مطعم هوت دوغز حيث سُمّي أحد السندويشات باسمه.

■ راي لحود من أصل لبناني (من قرية أيطو في عكار)، انتُخب لمجلس النوّاب سنة 1994 عن ولاية إلينوي، وأُعيد انتخابه حتى سنة 2008 حين عيّنه الرئيس أوباما وزيراً للمواصلات حيث لا يزال حتى الآن. عائلة راي لحود تسكن في مدينة بيوريا في ولاية إلينوي وهو هناك الشخصية السياسية الأكبر دون منازع (مُسانده الأكبر الأب الأميركي كاهن الكنيسة الماروني هناك وصاحب نفوذ سياسي كبير في منطقته) إذ انه يحصل على ما بين 60 و70 بالمئة من الأصوات في الانتخابات منذ 1994 وفي جولتين لم يتقدّم أحد ضدّه لمعرفتهم بقوّته الانتخابية.

■ جون الياس بلداتشي يعتبر نفسه من أصل لبناني (إيطالي) رغم اسم عائلته وذلك لأن والدته لبنانية ذات شخصية قويّة ربّت أولادها على حبّ لبنان وعلى الأكل اللبناني، إذ انها صاحبة مطعم في مدينة صغيرة في ولاية ماين اسمها بانغور، هو ابن خالة جورج ميتشل (عضو مجلس الشيوخ سابقاً والآن مبعوث أوباما الخاص للسلام في «الشرق الأوسط») ووريثه في ولاية ماين. انتُخب لمجلس النواب مباشرة بعد تقاعد ميتشل من مجلس الشيوخ سنة 1994 وبقي في هذا المنصب حتى 2002 ثمّ انتُخب حاكماً لولاية ماين سنة 2002 وما زال في هذا المنصب حتى اليوم.

■ داريل عيسى، أيضاً من أصل لبناني، انتُخب نائباً في الكونغرس سنة 2000 عن ولاية كاليفورنيا وهو ما زال في هذا المنصب وهو عضو في لجنة الشؤون الخارجية واللجنة القضائيّة ولجنة المراقبة والإصلاح الإداري في الكونغرس وهو معروف بشجاعته في مواجهة اللوبي «الإسرائيلي» داخل المجلس.

إن أعضاء الكونغرس الذين هم من أصل عربي ـ غالبيتهم الساحقة من أصل لبناني ـ غالباً ما يدافعون عن القضايا العربية بنفس الاندفاع والشجاعة التي يظهرها اللوبي «الإسرائيلي». فعلى سبيل المثال، يُعتبر نيك رحال في الكونغرس أحد أهم الخبراء في قضايا «الشرق الأوسط» وله مواقف قوية في مساندة الفلسطينيين وانتقاد الآلة العسكرية «الإسرائيلية»، إذ يردد دائماً «ان السلام لن يأتي من خلال معاقبة الشعب الفلسطيني». وخلال خدمتي في السفارة اللبنانية في واشنطن (1994ـ1997) كان الحظر على سفر الأميركيين إلى لبنان من اهتماماتنا التي ساعد فيها رحال بفعّالية معلناً في الكونغرس أن الحظر مضرّ بالاقتصاد الأميركي نظراً لمشاريع البنية التحتية الهائلة التي يقوم بها لبنان. ورحال هو من أهمّ المساندين لسيادة لبنان واستقلاله. أما داريل عيسى فإن دفاعه عن المقاومة اللبنانية في وجه «الإسرائيليين» في الشريط الحدودي آنذاك، جعلت أحد كبار المعلّقين يُلقّبه بـ«الجهادي داريل» (Jihad Darell) واتهامه بأنه يساعد حزب الله رغم أن هذا التنظيم موجود على لائحة الإرهاب الأميركية. وقد قامت مؤسسة يهودية متطرّفة سنة 2001 بمحاولة تفجير مقرّ عمله في كاليفورنيا، اعتُقل على أثرها رئيس «رابطة الدفاع اليهودية» (Jewish Defense League) مع قيادي آخر في المنظمة. إلا أن هذا لا يعني أن كل العرب الأميركيين المنتخبين على المستويات كافة هم بنفس نشاط رحال وعيسى في الدفاع عن القضايا العربية. فبلداتشي مثلاً يصوّت عامة (عندما كان في الكونغرس) لمصلحة هذه القضايا ولكنه لا يُعتبر ناشطاً في هذا المجال كداريل عيسى أو نيك رحال أو غيرهما. أما راي لحود فإنه من الناشطين، خاصة في ما يتعلّق بسيادة لبنان واستقلاله ومؤخراً في المطالبة برفع الحصار عن غزّة، إلا أنه في إحدى المناسبات صوّت لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وعندما سئل عن السبب قال إنه تعهّد للوبي «الإسرائيلي» خلال الانتخابات بهذا الموقف ولكنه في كل الأمور الأخرى يصوّت لمصلحة القضايا العربية ويعمل لدعمها بكل الوسائل كما يقول.

خلاصة القول هي الآتي :

أوّلاً : انه قد أصبح هناك لوبي عربي في الولايات المتحدة يعمل على مساندة القضايا العربية، خاصةً القضية الفلسطينية وسيادة لبنان واستقلاله.

ثانياً : يختلف اللوبي العربي عن اللوبي «الإسرائيلي» في أنه لا يُمثّل مصلحة أي دولة مباشرة بل ان هدفه هو تفعيل مشاركة العرب الأميركيين في العملية السياسية الأميركية، خاصة في ما يتعلق بالانتخابات على جميع المستويات وذلك من خلال دفعهم إلى التسجيل للاقتراع وعلى الترشّح للمناصب السياسية من مجالس البلديات إلى مجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس. إلا أن نتيجة عمل اللوبي العربي تشبه إلى حدّ ما نتيجة عمل اللوبي «الإسرائيلي» في أنّ كليهما يهدفان إلى إيصال العدد الأكبر من مؤيدي مواقفهما تجاه قضايا «الشرق الأوسط» إلى مراكز القرار، خاصة في الكونغرس وفي البيت الأبيض.

ثالثاً : إن اللوبي العربي الذي يتألّف من مجموعة مؤسسات يديرها عرب أميركيون أهمّها المركز العربي الأميركي ما زال في بدايته. ومن أجل زيادة فاعليته، فإنه يتعاون وينسق، في كثير من الأحيان، مع منظمات حقوق الإنسان مثلاً في ما يختصّ بمعاملة «اسرائيل» للفلسطينيين، وحتى مع اللوبي «الإسرائيلي» اليساري، جاي ستريت، في ما يتعلّق بعملية السلام في المنطقة.

رابعاً : إن قوّة اللوبي العربي الكامنة هي في أنّ عدد ناخبيهم المُحتملين ليس أقلّ بكثير من عدد الناخبين اليهود وأنهم مقيمون في الولايات ذات الثقل الانتخابي مثل نيويورك وميشيغان وكاليفورنيا وتكساس وغيرها، مما يعطيه إمكانات يستطيع تثميرها مستقبلياً.

خامساً : رغم كل ذلك فإن قدرة اللوبي العربي الحالية في التأثير على الانتخابات الأميركية، خاصة على المستوى الوطني، ما زالت محدودة. فتبرعاته لا تتجاوز واحداً أو اثنين في المئة من تبرّعات اللوبي «الإسرائيلي» (ايباك) لمرشّحيهم، ونسبة المنتخبين من العرب الأميركيين ما زالت منخفضة، خاصة أن الجالية اليهودية في الولايات المتحدة تنعم بأعلى نسبة مشاركة في التصويت بين كل التجمّعات الدينية والإثنية الأميركية، وعدد الأميركيين العرب ومؤيّديهم في مجلس النواب والشيوخ في الكونغرس لا يتجاوز الخمسة أو الستة بالمئة من المجموع.

سادساً: إن إحدى نقاط ضعف اللوبي العربي مقارنة باللوبي «الإسرائيلي» هي أنه ليس لديه لجنة مركزية قوية تستطيع أن تأخذ القرارات بسرعة وتحرّك الجالية لمناهضتها مثلاً من خلال إرسال الرسائل إلى ممثليها في الكونغرس وإلى البيت الأبيض. ولعلّ أهمّ نقطة ضعف اللوبي هذا هي في محدودية تمويله، فالعرب الأميركيون لم يتعوّدوا بعد على التبرّع للانتخابات بالقدر الذي تفعله الجالية اليهودية، والمساندة المالية والمعنوية من الدول العربية محدودة جداً لأسباب عدة، لربما منها أن اللوبي العربي لا يُمثّل هذه الدول مباشرة وأن للكثير من هذه الدول لوبيّاتها الخاصة. إن زيادة التمويل مطلوبة ليس فقط من أجل زيادة المساندة المادية للمرشّحين بل أيضاً لخلق شبكة من المراكز على مستوى الولايات والمقاطعات داخل الولايات لتحريكها عند الحاجة سريعاً كما تفعل منظمة (ايباك) بفعالية بالغة.

[*(1)*] [**هناك أكثر من خمسين مؤسسة للعرب والمسلمين الأميركيين في الولايات المتحدة يساعد قسم لا بأس به منها القضايا العربية كل بطريقته وهذه تشمل تجمعات محامين وكتّاباً ورجال أعمال عرباً أميركيين.*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 175 / 2165514

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165514 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010