الجمعة 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

سيجار في دكان لبيع المتفجرات

الجمعة 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

للبروتوكولات قوة. كل الكتب، التحقيقات، المقابلات والروايات التي نشرت عن الحرب اياها لا يمكنها ان تقف امامها. عند قراءة الكلمات الدقيقة التي قيلت، تسلسل المداولات، تبادل الاقوال، حين يأتي ذلك بالاقتباس المباشر، الجاف، التاريخي، الذي يصفر منذ 37 سنة بين الصفحات، فان هذا يخلق قوة اخرى تماما. لا مجال بعد اليوم لتبادل الاتهامات، التحليلات المتضاربة او الروايات المختلفة. الان هذا رسمي، نقي، مكتوب على الحائط امامنا. ها هم، بكل بؤسهم، عارهم، مصيبتهم. مصيبتنا. في يوم الجمعة نحن امبراطورية، مملكة «اسرائيل» الثالثة، الجيش الذي لا يهزم والقيادة التي لا تساوم، وفي السبت نحن على شفير «خراب البيت الثالث»، ونهتف النجدة ونثور على مر مصيرنا وعلى حقارة العالم.

الرد الاولي هذا الاسبوع كان متوقعا. تفكك ديان، في أقل من يوم، من محتل مغرور وجنرال ذي هالة الى مصاب منثنٍ بالصدمة، مكتئب ومعذب، هو احدى السقطات الاكثر انحدارا شهدناها هنا. كما أن الثناء على رئيس الاركان، الفريق دافيد اليعازر (ددو) مبالغ فيه. نعم، تصرف بشكل مناسب تحت الضغط، بالتأكيد بالقياس الى ديان، ولكن في كل ما يتعلق باعداد المعركة للقتال، فشل.

كل واحد من ابطال الساعة اياها، من غولدا، ديان، ددو، رئيس شعبة الاستخبارات زعيرا (ابو أباء التبجح والمفهوم المغلوط)، رئيس «الموساد» زمير، قادة المناطق وقادة الفرق، كلهم ينخرطون جيدا في المأساة التوراتية التي تدور في المحيط، خيرا كان أم شرا. الابطال الحقيقيون للحرب اياها هم الجنود، قادة الالوية، قادة الكتائب والسرايا، الرائدون والملازمون، وبالطبع المقاتلون في الدبابات المشتعلة وفي الطائرات الساقطة وفي الخنادق التي تمتلىء بالدم. اولئك الذين امتصوا باجسادهم القصور ومنعوا، حتى اليوم لا يمكن ان نفهم كيف، وصول الدبابات السورية الى طبريا، والجماهير المصرية المفعمين بالكراهية من اجتياح سيناء بطوفانهم.

مؤخرا قرأت «عن الصد» وهو كتاب جديد كتبه افيرام بركاي، في اعقاب تحقيق استثنائي، ويعنى بقتال 188 المدرع في هضبة الجولان في اثناء الحرب. اللواء الوحيد في تاريخ الجيش «الاسرائيلي» الذي شطب من اجمالي قوات الجيش في اثناء المعارك (عاد اليه وقاتل في اثناء الحرب، بعد أن جمع حطامه وانتعش).

ينبغي للمرء أن يقرأ كي يصدق. كيف حصل كل شيء هناك، في الطرف الاخر من الهضبة، علنا. كيف تجمعت المدرعات السورية الهائلة أمام الدبابات «الاسرائيلية» القليلة، ولكن كل من تجرأ على السؤال «ماذا سيحصل اذا ما تحركت ذات يوم وتوجهت نحونا»، تلقى الضربة على رأسه. «هي لن تتوجه»، قال الجميع. ولكنها توجهت، وعندما حصل هذا، لم يكن ممكنا وقفها لان احدا لم يستعد، واحدا لم يفكر وتمسك الجميع بطرف الغرور وعدم الاكتراث، نتيجة حرب سابقة وست سنوات من العمى التام التي تلتها. الثمن دفعه قرابة 3 الاف مقاتل شاب وعشرات الاف الجرحى الذين لن يعودوا ليكونوا ما كانوا عليه. نعم، وددو أيضا.

[**والقيادة؟ تحتفل*]

كيف يرتبط كل هذا باليوم؟ بل وكيف يرتبط. إذا كان ممكنا الوصول الى سلام مع مصر قبل الحرب، فلماذا انتظرنا الى ما بعدها؟ تجول هنا واحد، غونار يارنغ، واقترح علينا بالضبط ما قبلنا به بعد ذلك. بسيط جدا : أرجعوا سيناء، وخذوا السلام. ولكن، كما هو معروف، «شرم الشيخ بلا سلام خير من السلام بدون شرم الشيخ»، قال ديان، ابتسم وغمز. وكلنا اندفعنا بالهتاف. وعندها اندلعت الحرب. كي نفتح الرأس، على «اسرائيل» قبل كل شيء أن تتلقى على الرأس. ولم يتغير أي شيء.

في هضبة الجولان يوجد مستوطنون رائعون. مستوطنات مزدهرة. المكان مذهل، قضيت هناك بعضا من خدمتي العسكرية ووقعت في غرام شديد. الموضوع هنا انه لا يمكن عقد السلام مع سورية دون التنازل عن الجولان. لا يوجد وضع كهذا. كان لهذا السلام غير قليل من الفرص. لدى رابين، ولدى بيريس، ولدى نتنياهو، ولدى باراك (الذي فوت الفرصة لانه تأرنب). ولكن القيادة «الاسرائيلية»، وربما ايضا الشعب «الاسرائيلي»، غير مستعدين لدفع الثمن. لماذا ندفع؟ فكل شيء جيد، في هذه الاثناء. الاقتصاد مزدهر، فقاعة العقارات تتجول في الاعالي وكذا الامن على ما يرام. إذن فلينتظر الاسد. ينبغي، على ما يبدو، ان ندفع أولا ثمنا أعلى بكثير، كي نفهم بان هذا هو الثمن.

في هذه الاثناء، الاسد العجوز مات، والاسد الشاب يتصعلق (مع ايران، مع تركيا، مع «حماس»، مع «حزب الله»، مع من ستقولون)، محور الشر آخذ في التجسد حولنا، عشرات الاف الصواريخ والمقذوفات الصاروخية الثقيلة والدقيقة موجهة نحو مراكز مدننا (ليس «سننزل الى الملاجىء في الشمال» بعد اليوم. اعتادوا : في المرة القادمة مشاريع عائلة غيندي ستتلقى ضربة عظيمة. لعل هذا ما سيفجر، أخيرا، فقاعة العقارات)، وبعد قليل لن يكون هناك ما يمكن التوقيع عليه، ومع من.

كل قادة جهاز الامن، من كل الاصناف والانواع والاحجام، موحدين في الرأي بان الاسد معني بتسوية، مستعد لان يدفع ثمنها، وان هذا حيوي لاستكمال دائرة السلام حولنا، لشل فعالية «حزب الله»، لعزل ايران، لاحياء المحور المعتدل ولانقاذ السمعة الدولية لـ «اسرائيل». والزعامة؟ تحتفل. نتنياهو منشغل بـ «قانون المواطنة» ويوم الاثنين، صدقوا او لا تصدقوا، سيطرح قانون الاستفتاء الشعبي (الذي يستوجب استفتاء شعبيا على الجولان) على البحث المتجدد في اللجنة الوزارية لشؤون التشريع (لغرض استكمال التفاصيل الفنية). أحد هنا يدخن سيجارا في دكان لمواد متفجرة. هذه دكاننا.

[**ليس لديه فكرة*]

وماذا عن التجميد؟ الان يمتشق نتنياهو حيلة جديدة : اذا أعاد اوباما وصادق على كتاب بوش، فاني سأمدد التجميد شهرين. تصفيق عاصف. اذا توقفنا عند هذا للحظة، فسنفهم بان الحديث يدور عن ترهات. قبل كل شيء، مهما يكن من أمر، فان الادارة الامريكية الحالية، حطمت بشكل نهائي المصداقية الامريكية. اذا كان اوباما يتنكر لكتب بوش، فلا يوجد ما يمنع الرئيس القادم من التنكر لكتب اوباما. الكتب لن تنقذنا في ساعة الطوارىء. وبالتأكيد ليس الكتب من امريكا.

من جهة اخرى، لا حاجة الى هذا الكتاب. فهو زائد تماما. في الاقتراح الذي نقله ابو مازن الى الامريكيين قبل نحو شهرين، قيل صراحة ان الفلسطينيين مستعدون لتبادل الاراضي. ورفع ابو مازن الرقم الى 4 في المائة، ولكن في الواقع الفلسطينيون ابقوا الخانة التي يفترض ان يكتب فيها رقم النسبة فارغة. «اسرائيل» مدعوة لان تملأ الفراغ بالرقم الذي تحتاجه.

بالمناسبة، حسب كل الخبراء والرسومات، لم تعد حاجة لـ 4 في المائة. اولمرت تحدث عن 5، 6 في المائة، زائد الممر الآمن (الذي سيضيف 0.8 في المائة)، ولكن ليس هناك مكان تعاد به مثل هذه الارض. كما أنه لا حاجة ايضا. 4 في المائة تترك في «اسرائيل» حوالي 230 الف مستوطن. هكذا بحيث أن الفلسطينيين اعترفوا منذ زمن بعيد بحاجة «اسرائيل» الى ضم الكتل الاستيطانية. المبدأ قائم، بقي الجدال على الكمية. من أجل هذا الجدال لا حاجة الى كتاب من اوباما.

نتنياهو يحاول، بالاجمال، كسب الوقت. ليست لديه فكرة عما ينبغي عمله. وهو يتمزق من كل الاتجاهات. في البيت، في المحيط الطبيعي، في السباعية. وهو يتقلب في مضجعه ويعرف بانه أرهق نفسه، أضاع وقتا باهظ الثمن وفقد كل الائتمان. ليس لديه مشكلة حقيقية في أن يمرر شهرين آخرين من التجميد. ان شاء، فسيمرر. ان لم يكن في السباعية ففي المجلس الوزاري. وان لم يكن في المجلس الوزاري ففي الحكومة. من أجل هذا هو رئيس وزراء.

مشكلته هي أنه يخاف، خوف موت حقيقي، من آثار مثل هذه الخطوة. شهران؟ من اجل ماذا يحتاجون فجأة الى شهرين؟ بيبي يعرف انهم يخططون لان ينهوا في غضون شهرين موضوع الحدود، كي يتمكن البناء من الاستئناف فور ذلك حسب الصيغة المتحققة. وهو ليس هناك على الاطلاق. ما له وخطوط 67؟ كيف على الاطلاق وصل الى هذا الوضع؟ صحيح، في المحادثات مع شمعون بيريس يهز رأسه بنشاط عندما يتحدث الرئيس عن هذه المواضيع، وكذا لدى اوباما، ثنائيا، تفوه بكل انواع الاقاويل، ولكن من هنا وحتى هذا التسرع، فان الطريق طويل. فكيف الخروج من المتاهة؟

من استمع له في بداية جلسة الحكومة هذا الاسبوع سمع أنه يشعر بالبرد. الرد التلقائي من جانبه على الازمة. هو في حرج حقيقي، في معركة ايديولوجية داخلية، في جهد يمس شغاف القلب لنيل الشجاعة من مكان ما، لاتخاذ القرار اين اتجاه السير، والسير. لديه أزمة عسيرة في البيت، لديه جلبة في السباعية، وهو ليس مبنيا لهذه الامور.

[**صراع على الحياة*]

خوفه من افيغدور ليبرمان هو خوف يدب فيه الشلل. نتنياهو لا يشتري وعود ليبرمان الا ينسحب من الائتلاف في كل الاحوال (وهذا ما يقوله ليبرمان في احاديث مغلقة). من جهة اخرى، امكانية انسحاب العمل واقامة حكومة يمينية ضيقة مع كاتسيلا! تزعجه.

ايهود باراك، من جهته، يواصل الضغط بنشاط. لدى باراك، ليس هذا بدافع الرغبة في تحقيق السلام. هذا صراع من أجل الحياة. اذا انسحب باراك من الحكومة، فانه في الخارج. الحزب سيلفظه الى أبعد مسافة ممكنة وهو سينتهي من الحياة السياسية (الا اذا قرر الارتباط بـ «الليكود» وبنتنياهو. ولكنهم يقرأون الاستطلاعات ولديهم مشاكل حتى بدونه). إذن فقد وجد باراك الخيوط والعلاقات وهو يستخدم الروافع وينبش.

وزير الدفاع يستخدم سحره ايضا على زوجة رئيس الوزراء. مثل بيريس، هو ايضا تعرف على من يلبس البنطال في شارع بلفور، ويجري محادثات طويلة، تستغرق الليل، مع رون ديرمر ايضا، المستشار السياسي ورجل سر نتنياهو. هناك من هم مستعدون لان يقسموا بان باراك أخذ ديرمر لنزهة طويلة جدا الى اليسار. ولنتان آشل ألصق بباراك لقبا جديدا : «نتان الحكيم». ما يثبت كم كبير يأس وزير الدفاع.

هذا النشاط لا يخفى عن ناظر مقربين بل ومحافل سياسية. وهو يخلق جلبة. هذا الاسبوع نشر في «معاريف» أن محافل في محيط رئيس الوزراء تتهم باراك بالتآمر وبمحاولة المناورة على رئيس الوزراء تحقيقا لاغراضه. قبل قليل من ذلك نشر أن هناك في محيط نتنياهو من يعتقد ان التجميد كان خطأ. هذه المنشورات اثارت جلبة فظيعة داخل المكتب. مثلما في الايام الطيبة. مرة اخرى يطالبون بفحص الواحد الاخر بآلة الكذب ويخلقون كل انواع نظريات المؤامرة السخيفة التي تطرح افكارا عن جودة وجدية العصبة التي يفترض بها أن تدير امورنا الحساسة.

إذن ها هو لتأكيد الحاجة الى آلة الكذب، من المهم ان تعرفوا ان في الاسبوع الماضي كان عوزي اراد، المستشار للامن القومي، هو الذي توجه الى نتنياهو وعرض عليه مواد ونظريات تثبت حسب اراد كم خطير النشاط المستقل لباراك. هذا يضاف الى محافل سياسية في اليمين وفي السباعية ايضا تربط بين باراك وبين التجميد. والدليل كما يقولون هو أن باراك هو الذي طار الى واشنطن في المرة السابقة، ادار اتصالات مع الادارة وعاد مع التجميد لعشرة اشهر. وهو عرف كيف يناور على بيبي، على السباعة وعلى المجلس الوزاري ويخلق عرضا بانه لا يمكن الامتناع عن ذلك. هذا بالضبط ما يفعله الان، مع كتاب الضمانات الامريكي الذي «لا يمكن رفضه»، وما شابه. وكل ذلك بتعاون كامل مع المحامي اسحق مولكو.

في داخل هذه الجلبة يتعين على نتنياهو أن يؤدي مهامه وان يتخذ القرارات. وهو بحاجة ماسة الى المساعدة. حلمه الرطب هو تسوية انتقالية. دعوني الان من الحدود، هيا نسير نحو تسويات انتقالية محددة قبيل السلام. وهو يتحدث عن «جيوب». ولدى اوباما ذكر ذلك ايضا.

كون كل الامكانيات لاخلاء حتى ولو مستوطنة منعزلة واحدة تخلق لديه الغثيان والفزع، فانه يقول انه في اطار الفترة الانتقالية (إذهب لتعرف كم ستستمر) ستستمر كل المستوطنات «الاسرائيلية» في العيش وتلك المعزولة ستكون جيوبا في عمق الاراضي الفلسطينية، مع ترتيبات وصول ومواصلات يتفق عليها بين الطرفين.

وهو يعرف ان ليس لاقواله فرصة ويعرف بانه اذا ما سيبرز الان مع «خطة موفاز»، مثلا، ويتبناها (هو جد يريد ان يفعل ذلك، ولكن يفضل ان يفعل ذلك الامريكيون)، سيكون هذا سببا ممتازا لكل الاطراف الاخرى لازاحتها عن جدول الاعمال. كان يمكنه أن يأتي بخطة خاصة به. ولكنه يحتاج لان يفعل ذلك في الوقت المناسب. ولما كان الزمن قد مر، فان كل ما تبقى له الان هو ان يجمع الحطام وان ينتظر المعجزة.

- [**بن كاسبيت│«معاريف»│ 8 اكتوبر (تشرين الأول) 2010*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2165501

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165501 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010