الثلاثاء 20 نيسان (أبريل) 2010

ترحيل الفلسطينيين بعد ترهيل قضيتهم ...

الثلاثاء 20 نيسان (أبريل) 2010 par د. عصام نعمان

يجب ألاّ يحار المرء في مَن يلوم على كل ما جرى ويجري بحق قضية فلسطين والفلسطينيين . ذلك ان الكل ملوم ومسؤول : الفلسطينيون والعرب والمسلمون ودول الغرب الأطلسي وشعوبها والامم المتحدة .

المسؤولية متفاوتة وعلى درجات . فالقيادات مسؤولة قبل الشعوب ، ومسؤولية القيادات على درجات ، إذ تمتد من الإهمال والتقصير حتى تصل الى الإجرام والتدمير. كذلك حال المسؤولية لدى الغير من عرب وعجم ، ومسلمين وغير مسلمين ، ودول غربية مستعمِرة ومستغِلة ومضطهِدة للشعوب ، وأمم غربية ساكتة عن جرائم حكوماتها وعن انتهاكاتها المنهجية والمزمنة لحقوق الانسان .

غير ان التعميم ، على صوابيته ، لا يلغي التخصيص . فأصحاب القضية مسؤولون عن قضيتهم اكثر من غيرهم . الفلسطينيون مسؤولون اكثر من سائر العرب ، والعرب مسؤولون اكثر من سائر الشعوب . والمسلمون مسؤولون اكثر من غير المسلمين .

اذا كان الفلسطينيون قد درجوا على ان ينحوا باللائمة على العرب ، حكوماتٍ ومسؤولين ، فلأن تلك وهؤلاء كانوا يتحكّمون بالقضية ويتصرفون بها وبأصحابها الاصليين بخفة ودونما شعور بالمسؤولية حيناً وبتواطؤ مشبوه وتآمر موصوف يلامس حدود خيانة الأمانة حيناً آخر. اما بعد ان أمسك الفلسطينيون قضيتهم بأيديهم من خلال منظمة التحرير التي اعلنت نفسها ، بحق او بغير حق ، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ، فإن المسؤولية الناجمة عن سؤ التصرف بالقضية واصحابها تقع عليهم بالدرجة الاولى وقبل غيرهم .

ليس من الضروري ان نعود كثيراً الى الماضي لنستعرض ما عُمل وما لم يُعمل لقضية فلسطين ، ومسؤولية هذه الجهة او تلك عن العمل او عن الإمتناع عن العمل . لنركّز على حادث بل حدث حصل أخيراً وهو صدور امر عسكري صهيوني قديم – جديد يقضي بمنع “التسلل” ، اي انتقال الفلسطينيين داخل بلادهم ، ويمكّن سلطات الإحتلال من ترحيل عشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة الغربية ، او تقديمهم الى المحاكمة بتهم تحمل عقوبة السجن لمدة تصل الى سبع سنوات . فوق ذلك ، يسمح الامر العسكري للقائد الصهيوني في الضفة بأن يطلب من “المتسلل” دفع تكلفة إحتجازه وإبعاده !
ماذا كانت ردة فعل الفلسطينيين ؟

الفلسطينيون فئتان : مقاومون للإحتلال الصهيوني ، ومتعاملون معه .

المقاومون ردّوا ويردون بمزيد من المقاومة ، بقدر ما يطيقون ويستطيعون.

المتعاملون ، اي “السلطة” الفلسطينية و “حكومتها” والمفاوضون بإسمها ، ردوا مثلما يفعل اي نظام عربي رسمي لا يتقن إلاّ فن السخاء بالكلام المعسول او المسعور:

رئيس حكومة تسيير الأعمال (تسيير او تيسير اعمال مَن يا ترى) سلام فياض وصف الأمر العسكري الإسرائيلي بأنه “غير شرعي” ، وكفى !

كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات إعتبر القرار “إعلاناً بأن اتفاقات اوسلو لم تعد موجودة” ...
هل كانت اتفاقات اوسلو موجودة ونافذة قبل صدور الامر العسكري ؟

اتفاقات اوسلو تنص على ان تكون المنطقة (أ) في الضفة الغربية تحت سيطرة السلطة الفلسطينية ،
والمنطقة (ب) تحت سيطرة مشتركة للسلطة إياها ولجيش الاحتلال الصهيوني ، والمنطقة (ج) تحت سيطرة جيش الاحتلال وحده . أليست السيطرة في المناطق الثلاث مذّ وُقعت الاتفاقات المذكورة العام 1993 ولغاية الوقت الحاضر بيد سلطة الإحتلال وحدها ؟ وعندما يكون الامر كذلك ، ماذا يبقى للسلطة الفلسطينية من صلاحية وقدرة ، وماذا يبقى لقرارها من استقلالية وتأثير؟

ثم ، اذا كان الامر العسكري “اعلاناً بأن اتفاقات اوسلو لم تعد موجودة” ، فلماذا يبقى الإعتراف بها موجوداً : إعتراف السلطة وحكومتها واعتراف منظمة التحرير ؟ بل لماذا يبقى اعتراف حركة “فتح” بها قائماً وكأن شيئاً لم يكن ؟

الى ذلك ، اذا كان الامر العسكري الصهيوني سيؤدي الى ترحيل عشرات الآلاف من الفلسطينيين ، فإلى متى يتصرف الجميع ، مقاومين ومتعاملين ، وكأن كل ما حدث ويحدث لا يستوجب اعادة النظر بالسياسات والسلوكيات والممارسات المعتمدة لغاية الوقت الحاضر ؟ الى متى السكوت عن ترحيل الفلسطينيين وترهيل قضيتهم ؟ أما آن الاوان لمغادرة معظم المواقف النصفية الراهنة ، والمبادرة الى عقد اجتماع على أعلى المستويات القيادية من اجل تسريع المصالحة الوطنية ، بيـن التنظيمات وفي صفوف القواعد الشعبية ، على اسس قومية واضحة ، ابرزها خمسة :

اولُها ، اعتماد المقاومة ، الميدانية والمدنية ، خياراً رئيساً نافذاً لكفاح منظمة التحرير بما هي قيادة حركة تحرير وطني للأرض والشعب الفلسطينيين ، ومساهمة قومية من جانبها في كفاح الأمة ضد الهيمنة الامريكية الصهيونية على الوطن العربي والعالم الإسلامي .

ثانيها ، مبادرة “فتح” ، بوصفها كبرى التنظيمات الفلسطينية وأقدمها ، والمسيِّرة الإساسية لمنظمة التحرير بما هي المسؤولة عن إبرام اتفاقات اوسلو ، الى الاعلان عن سقوط هذه الاتفاقات نهائياً بفعل الممارسات الاسرائيلية ، العسكرية والسياسية ، غير الشرعية والمنافية لأحكامها ولأحكام القانون الدولي واتفاقات جنيف .

ثالثها ، إعتبار حكومة سلام فياض مستقيلة وغير ذات صفة او صلاحية وبالتالي تأليف حكومة وطنية جامعة ، بالتوافق بين جميع الفصائل المتصالحة والمتحالفة والملتزمة البندين الاول والثاني المبيّنين اعلاه ، لتتولى شؤون الشعب الفلسطيني فـي الضفة والقطاع بما يؤمن حقوقه ومصالحه الحياتية من جهة ، ومقتضيات المقاومة الميدانية والمدنية من جهة اخرى .

رابعها ، دعـوة دول جامعة الدول العربية ، ودول منظمة المؤتمر الإسلامي ، ودول مجموعة عدم الإنحياز ، وكل دولة محبة للسلام وملتزمة للميثاق العالمي لحقوق الإنسان ، للإعتراف بالحكومة الوطنية الفلسطينية الجامعة.

خامسها ، دعوة قوى المقاومة العربية والإسلامية ، وجميع التنظيمات الشعبية الناهضة بمسؤوليات العمل السياسي والكفاح المسلح ضد الإستعمار الامريكي الصهيوني والهيمنة الامريكية على موارد الشعوب في العالم العربي والاسلامي وفي كل مكان ، الى دعم منظمة التحرير الفلسطينية وحكومتها الوطنية الجامعة على الاسس المبنية آنفاً ، ودعوة الحكومات العربية الى وقف التعامل مع الولايات المتحدة كحكم “نزيه” او وسيط بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني ، وبالتالي إعتبار كل حكومة عربية او اسلامية تتمسك بالتعامل مع الولايات المتحدة على اساس انحيازها الواضح والفاضح لإسرائيل وتحالفها معها على جميع المستويات ، عدوا للشعب الفلسطيني ولحقوقه غير القابلة للتصرف .

هل في جعبة الفلسطينيين غير هذه الوصفة الكفاحية ؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 84 / 2165848

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165848 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010