الجمعة 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

انتصرت المقاومة حتى ومدافعها صامتة

الجمعة 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par د. سمير كرم

هذا بالتحديد ما حدث في الجولة السابقة من المفاوضات المباشرة. انتصرت المقاومة الفلسطينية ومؤيدوها ـ وجماهيرها العربية المخلصة لقضية فلسطين ـ على الرغم من أن مدافع المقاومة كانت صامتة طوال الوقت الذي استغرقته هذه الجولة.

وليس هذا بانتصار هيّن.

لقد تمكنت المقاومة من تأكيد موقفها وصوابيته بينما اخفق الآخرون ـ جميع من عبأتهم الدبلوماسية الاميركية - لإلحاق الهزيمة، ان لم يكن بالمقاومة فبمنطقها ومبادئها ومواقفها التي لا تتزحزح عنها.

الجميع اخفقوا. الولايات المتحدة و«إسرائيل» واللوبي الصهيوني في انحاء العالم، وخاصة في الولايات المتحدة، والسلطة المنتزعة بطريقة غير شرعية من الفلسطينيين، وكذلك الدول العربية التي شاركت كل هؤلاء حلم إلحاق الهزيمة بالمقاومة، ويمكننا ان نقول الاتحاد الاوروبي على الرغم من ان موقفه من الاستيطان ظل على يسار موقف السلطة الفلسطينية معظم الوقت معارضاً كلامياً للاستيطان «الاسرائيلي» المتواصل.

كان ثمة تصور لدى هؤلاء جميعاً بأنهم سيقودون «السلطة الفلسطينية» نحو الاستسلام الكامل الى حافة الهاوية فلا تستطيع الا ان تتراجع خطوات أخرى الى الوراء خشية السقوط فيما يبدو لها نهاية حلم الحكم والثراء. ولكن عند حافة الهاوية لم تستطع السلطة الا ان تؤجل الاستسلام الى ظرف آخر تكون فيه قد قالت : ألم أقل إنني لن افاوض بينما الاستيطان الصهيوني يستأنف... وكأنما كان الاستيطان قد توقف.

الدلائل كلها من استمرار مهمة جورج ميتشل مبعوث الرئيس الاميركي الى عملية السلام، الى الحرص الشديد في تصريحات «قادة السلطة الفلسطينية» على ان لا يعلنوا انتصار منطق المقاومة، الى استمرار الاتصالات «العربية» من الابواب الخلفية، الى حرص حكومة رئيس الوزراء «الاسرائيلي» على ان تعتبر ان المفاوضات المباشرة حققت نجاحاً لأنها مهدت الطريق لمزيد من المفاوضات بينه وبين محمود عبّاس عندما يدرك عبّاس ان لا سبيل آخر لديه نحو انجاز الدولة. اما مهمة نتنياهو وحكومته الآن فهي ان يحصل من اميركا على ما عرضته عليه اثناء المفاوضات اذا قبل تجميد الاستيطان لشهرين او ثلاثة... انما من دون ان يكون هناك اي ربط من اي نوع في التفاوض او خارجه بين الحصول على المكاسب المعروضة وتجميد الاستيطان لفترة وجيزة تجري فيها المفوضات.

ان ما عرضه الرئيس الاميركي باراك اوباما على «إسرائيل» ليس مما يمكن ان «تتنازل» عنه «إسرائيل»، حتى ولو كان المقابل تجميد الاستيطان. والآن تتركز جهود نتنياهو على ايجاد الوسيلة للحصول على المكاسب العشرة انما من دون ان يجد نفسه مرغما على ان يلبي هذه الرغبة الاميركية في تجميد الاستيطان ـ ولو وهمياً على نحو ما صار من قبل الفترة الحالية، وهي فترة توقف مؤقت لا اكثر للمفاوضات المباشرة ـ هي فترة التوصل الى اتفاق مع ادارة اوباما على حصول «إسرائيل» على المكاسب العشرة التي اوردها «المعهد اليهودي لشؤون الامن القومي» في واشنطن بوضوح تام على النحو التالي :

اولاً : تؤيد الولايات المتحدة وجود قوات الدفاع «الاسرائيلية» (الاسم الرسمي للجيش «الاسرائيلي») في وادي الاردن بعد اقامة دولة فلسطينية.

ثانياً : لا تطلب الولايات المتحدة اي تجميد آخر للنشاط الاستيطاني بخلاف الشهور القليلة التي تطلبها من «إسرائيل» مقابل هذه المكاسب.

ثالثاً : تستخدم الولايات المتحدة حق الفيتو في مجلس الامن ضد اي قرار مناهض لـ «إسرائيل» خلال العام المقبل.

رابعاً : تتناول مصير المستوطنات في المستقبل فقط باعتباره جزءا من الاتفاق النهائي.

خامساً : تضمن منع تهريب الاسلحة والصواريخ الى الدولة الفلسطينية.

سادساً : تقيم ترتيبات امنية انتقالية طويلة الاجل في وادي الاردن.

سابعاً : تعقد معاهدة دفاعية اقليمية للحماية من إيران في اعقاب اقامة دولة فلسطينية.

ثامناً : تقدم وعداً بترفيع قدرات «إسرائيل» الامنية.

تاسعاً : تحقيق زيادة اجمالية بقيمة ثلاثة مليارات دولار سنويا.

عاشراً : تقدم لـ «إسرائيل» التزامات بتزويدها بأسلحة متقدمة وأنظمة للإنذار المبكر بما في ذلك الأقمار الاصطناعية.

والواقع ان ما سربته المصادر الاميركية و«الاسرائيلية» من هذه المكاسب التي عرضتها الولايات المتحدة على «إسرائيل» لم يشمل كل هذه النقاط العشر انما نصفها، نتيجة لهذه النقاط التفصيلية التي كشفها الجناح العسكري للوبي الصهيوني في اميركا يصبح من العسير اكثر على اي مراقب - أياً كان موقعه السياسي من القضية الفلسطينية ـ ان يتصور ان تغض «إسرائيل» النظر تماما عن نيل هذه المكاسب البالغة القيمة والأهمية لأمنها واستراتيجيتها والتي تضمن لها هيمنة امنية واستراتيجية على «الدولة الفلسطينية». من هنا تأكيدنا بأن الشهور القليلة القادمة ـ سواء توقفت خلالها المفاوضات المباشرة او تحولت الى مفاوضات غير مباشرة ـ ستكون فترة مفاوضات ثنائية اميركية ـ «اسرائيلية» حول نيل «إسرائيل» هذه المكاسب باعتبارها نوعاً من «حق مكتسب» لـ «إسرائيل» بعد ان ذهبت في تنازلاتها الى حد الموافقة على قيام دولة فلسطينية تتقاسم السيادة عليها الولايات المتحدة و«إسرائيل» وينص في اي اتفاق على ان تكون منزوعة السلاح.

اما ما سيشغل «السلطة الفلسطينية» في الاشهر الغامضة التالية فهو كيفية اكتساب قوة سياسية تخرجها من حالة التراخي التي بدت فيها منذ ان ظهرت نتائج الانتخابات الفلسطينية، كنتيجة لموقف إبداء ضرورة الاستجابة من جانب اسرائيل لشرط تجميد النشاط الاستيطاني مقابل الاستمرار في المفاوضات المباشرة. والحقيقة ان هذه مهمة تبدي ادارة اوباما اهتماماً بأن تتولاها بنفسها بالتعاون مع مصر والاردن والسعودية وبعض دويلات الخليج. وتبني ادارة اوباما امالاً كبيرة على حقيقة ان «السلطة الفلسطينية» برئاسة عبّاس اجادت في الشهور الماضية غض الطرف عن النشاط الاستيطاني الذي استمرت «إسرائيل» فيه، في وقت يفترض انها جمدته. هذا فضلاً عن إجادة سلطة عبّاس القيام بمهمة قمع فلسطينيي الضفة الغربية طوال الفترة السابقة، الى حد جعل جماهير المدن العربية تقوم بمظاهرات مؤيدة للقضية الفلسطينية في حين لم يكد احد يلحظ مظاهرات في الضفة الغربية. ان «الرئيس» عبّاس استطاع ان يقنع الاميركيين و«الاسرائيليين» بأنه «رئيس» يعتمد عليه أمنياً وسياسياً.

وعلى صعيد مختلف ـ هو الصعيد الاقتصادي ـ فإن ادارة اوباما ليست معنية بنتائج «النمو الاقتصادي» الذي تحقق في الضفة الغربية تحت حكم عبّاس وفيّاض، على الرغم من ان النسبة الاعلى من هذا النمو (الذي بلغ 7,5 في المئة خلال السنتين الاخيرتين) دخلت في خزائن قلة من الشريحة العليا «لقيادات السلطة الفلسطينية»، فضلاً عن الانفاق الامني الى الحدود المرضية لـ «إسرائيل». وعلى اي الاحوال فإن المؤشرات تدل على ان النمو الاقتصادي تحت «قيادة السلطة الفلسطينية» قد انتكس خلال العام الحالي، وتتوقع له المصادر الاميركية ان يزداد انحداراً في العام المقبل... ما لم تتحقق معجزة اتفاق «اسرائيلي» ـ فلسطيني. وإدارة اوباما ليست معنية ايضاً بحقيقة ان فترة ترؤس عبّاس للسلطة قد انتهت منذ كانون الثاني 2009 وبالتالي فإن شرعية سلطته منتهية منذ ذلك الحين.

بالاضافة الى هذا لا يبدو ان ادارة اوباما ستمانع في عقد مفاوضات في صورة مؤتمر سلام يشترك فيه فلسطينيو السلطة و«إسرائيل» ومصر في اواخر شهر تشرين الاول الحالي في باريس. فليس هناك ما يمنع ان تستأنف المفاوضات المباشرة برعاية اميركية كنتيجة لجهود هذا المؤتمر المقترح من الرئيس الفرنسي ساركوزي، والذي لم تعلن بعد القائمة الكاملة للمدعوين للمشاركة فيه.

على ان من الاهمية بمكان ان لا نترك انطباعاً بأن مهمة نتنياهو ستقتصر خلال الشهور القادمة على البحث عن سبل اقتناص ما عرضه عليه اوباما من مغريات استراتيجية وأمنية... فهذه لن تكون مهمة بالغة الصعوبة لأن نوايا الطرفين ـ الاميركي و«الاسرائيلي» ـ تتجه نحو تحقيقها. وهنا لا بد من التساؤل اين كان موقف نتنياهو في نهاية المفاوضات المباشرة في مرحلتها المتوقفة؟

لقد لخص ديفيد ماكوفسكي، المحلل الاستراتيجي في معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى ـ الموالي لـ «إسرائيل»، موقف نتنياهو هذا في ثلاث نقاط رئيسية :

الاولى ان الفكرة الاميركية الاصلية عن تجميد النشاط الاستيطاني كما طرحت عام 2009 كانت تتطلب اجراء بالمقابل من جانب الدول العربية وهذا ما لم يتحقق.

ومعنى هذا ان «إسرائيل» لا تعتبر ان لمشاركة مصر والاردن ممثلتين في الرئيس والملك في بدايات اطلاق المفاوضات المباشرة خطوة تساوي اي شيء، بل تراها «إسرائيل» خطوة عديمة القيمة وعديمة الجدوى.

الثانية ان الفلسطينيين من جانبهم لم يعتبروا لتجميد الاستيطان اهمية كبرى عندما ظلوا لعشرة اشهر مترددين في دخول المفاوضات المباشرة، وهم الآن يعتبرون تجميد الاستيطان ـ فجأة ـ امراً لا غنى عنه.

ومعنى هذا ان «إسرائيل» تريد ان يعود فلسطينيو السلطة الى موقفهم السابق.. موقف عدم الاهتمام بتجميد الاستيطان.

الثالثة يرى نتنياهو ان التركيز على الاستيطان مفرط لأن الاطراف ستتناول هذا الموضوع ضمن الموضوع الاوسع كثيرا وهو موضوع الحدود في العام القادم.

ومعنى هذا ان نتنياهو ـ بينما يعترف بأن النشاط الاستيطاني الجاري سيكون له تأثيره على رسم حدود الدولتين ـ يريد من الفلسطينيين ان يسلموا من الآن بما تريده «إسرائيل» حدوداً لها وبالتالي ما تريد ان تفرضه حدودا للدولة الفلسطينية.

اغرب من هذه النقاط المحددة لموقف نتنياهو كما كان في نهاية المفاوضات المباشرة ما يقوله ماكوفسكي ايضاً من ان رئيس الوزراء «الاسرائيلي» غير راض وغير مقتنع بما يفعله عبّاس حينما يلجأ الى طلب تأييد دول الجامعة العربية عند كل منعطف تواجهه المفاوضات. الامر الذي يعني ان «إسرائيل» تريد ان يكون في المفاوضات وحده وليس معه إلا تأييد اولئك الذين سبقوه الى اتفاقات سلام مع «إسرائيل» (مصر والاردن). وهل يمكن ان يكون لجوء عبّاس الى الدول العربية شيئاً يختلف على الاطلاق عن لجوئه الى الادارة الاميركية؟

على اي الاحوال فإن تجربة المفاوضات المباشرة فيما مضى منها قد برهنت على ان المفاوضات انما تجري بين الولايات المتحدة و«إسرائيل». ان ادارة اوباما هي الي تحدد المواقف وهي التي تعرض المكآفات على «إسرائيل» وهي التي تدفع «السلطة الفلسطينية» برئاسة عبّاس باتجاه القبول دائماً وليس بأي اتجاه آخر نحو مواقف الطرف «الاسرائيلي». وقد غاب عن مواقف «السلطة الفلسطينية» طوال الفترة الماضية اي اعتراض على اي اقتراح اميركي. ان عبّاس لم يفكر حتى في الاعتراض على اي بند من بنود المكآفات السخية التي عرضها أوباما على «إسرائيل»... وبالمثل لم يظهر اعتراض جدي من جانب جلالة العاهل الاردني فيما يتعلق بالبند الخاص بفتح وادي الاردن لقوات الجيش «الاسرائيلي» بعد تأسيس دولة فلسطين (...)

وبعد... لقد انتصرت المقاومة. وفي جو انتصارها على نهج السلطة وعلى نهج «إسرائيل» ـ اميركا رفعت عالياً ألوية المصالحة... جعلتها تبدو اكثر يقيناً الآن من اي وقت مضى.

مع ذلك فإن الشواهد ـ كما حاولنا ان نشرح ـ تدل على ان طريق المفاوضات لم يهزم نهائياً وأن المفاوضات ستفتح ابوابها للسلطة من جديد. والسلطة لا تجد بديلاً عن دخولها الا الهاوية.

المقاومة الفلسطينية كسبت هذه المعركة... لكن الحرب مستمرة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2181035

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2181035 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40