ليست هذه يهودية

عرض اثنان من اعضاء «الكنيست» من «الاتحاد الوطني» هذا الاسبوع مشهدا نادرا من عدم الموافقة بعد احراق المسجد في بيت فجّار في غوش عصيون. فقد أعلن ميخائيل بن آري أن احراق المساجد لا يقض مضاجعه حقا، وأوضح أرييه الداد أن احراق المساجد يضر بنضال اليمين. يجب على الداد أن يسأل نفسه كيف يجد نفسه في حزب واحد مع كهاني خالص مثل بن آري. لكن السؤال الذي هو أعمق في أي مستنبت نشأت جماعة المتطرفين العنيفة القادرة على احراق دار عبادة لديانة ما؟

قارب هذا السؤال ايضا الشاعر اليعاز كوهين، من غوش عصيون الذي يحاول أن يدمج مع زميله مناحيم فرومان مثال حياة في مستوطنة وعقيدة استيطانية مع تعايش يهودي فلسطيني. قبل نحو من شهر تم تصوير كوهين في مؤتمر الحاخامات الذي تناول كتاب الحاخام اسحق شابيرا من يتسهار، «نظرية الملك»، الذي تناول قضايا قتل غير اليهودي. أصبح الكتاب موضوعا للتحقيق الشرطي، وعارض المؤتمر تدخل الشرطة وأيد رفض الحاخامين ليئور ويوسيف أن تحقق الشرطة معهما في القضية. ينبغي أن نذكر هنا أن الحاخامين ليئور ويوسيف أجازا الكتاب أي أنهما رأياه تمثيلا شرعيا لموقف يهودي. إن من يعرف مواقف الحاخام ليئور لا يجب أن يعجب لهذه الاجازة. وكان المُجيز الثالث هو الحاخام غينزبورغ الذي كُتب كثيرا عن نظريته العنصرية واعتقد أن الكتاب ليس لاذعا بقدر كافٍ. ورجع الحاخام الرابع، نحاميا غولدبيرغ عن موافقته لانه توجد في الكتاب «اشياء غير صحيحة من جهة شرعية وليس لها مكان ايضا في العقل البشري».

زعم كوهين في الدقائق المعدودة التي منحت له حتى أُخرج من القاعة انه لا يمكن الفصل بين مضامين الكتاب، وبين الدعم الذي يتلقاه لمجرد كونه «كلام التوراة». وزعم بحق أن هذا المؤتمر يُفسر على انه تأييد للمضامين المتطرفة الشديدة التي تظهر في الكتاب، وللتيار المتطرف الذي ينشأ عنه بعد ذلك ايضا حارقو المساجد. أُخرج كوهين من القاعة وبقي الامر نزاعا داخليا في العالم الصهيوني المتدين.

أرسل كوهين هذا الاسبوع دعوة الى الخروج والتظاهر على حارقي المساجد كتب فيها : «اصبح التطرف نهجا في هوامش المعسكر، ونارا قد تحرق كل شيء». جرّب جاره في «غوش عصيون»، يوئال بن نون، الذي عارض هو ايضا مؤتمر الحاخامات، على مدى سنين سلسلة مقاطعات وإذلالات وكاد يخفت صوته. كذلك سُمع صوت اليعاز كوهين، وهو بمفاهيم الصهيونية المتدينة صوت هامشي مُقصى.

لست شريكا لكوهين في تصوره العام لكنني مليء بالتقدير لشجاعته بل للقيم التي تبعثه على النضال. لكن هذا النضال يثير اسئلة صعبة يجب على كوهين ايضا أن يجيب عليها. إن رجال الدين الذين اجتمعوا للدفاع عن حق شابيرا في نشر الكتاب، صدرت عن جزء منهم لعثمات عدم موافقة. لا صراخ ولا دعوة : كذلك يمر المس بالمساجد ومواقع المواطنين الفلسطينيين عند الصهيونية المتدينة في هدوء. لا يصدر عن أحد من الحاخامات الذين صرخوا صرخة «نظرية الملك» أي صوت. كان الصوت الواضح الوحيد الذي سُمع في هذا الشأن هو صوت بن آري.

يجب على كوهين أن يسأل نفسه، أليست اعمال منشورة مثل «نظرية الملك»، وافعال مثل احراق المساجد، وما يسميه «روح التطرف» سوى كشف متطرف لخاصة عميقة جوهرية في النواة الصلبة لحركة الاستيطان، وهي جعل كل فلسطيني مهما يكن عدوا مطلقا لا غير.

في جدل وقع لي مع أحد رؤساء المستوطنين من تيارهم المركزي، إدعيت عليه أن مواقفه غير مقبولة عندي لكنها شرعية في الخطاب «الاسرائيلي». لهذا أعارض ايضا مقاطعة «اريئيل» التي حدثت بعد ذلك النقاش. إن غير الشرعي في نظري هو العمى المطلق لحركة الاستيطان عن وجود الفلسطينيين وبواعثهم ومطامحهم وصورتهم الانسانية. وأجابني : «عندما نقوم بعمل وطني كبير يجوز أن نكون عمياناً». والمشكلة أن البعد بين العمى والتطرف والبعد ايضا بين «نظرية الملك» واحراق المساجد، قصير جدا.