الثلاثاء 5 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

رسائل الضمانات الأمريكية .. تعهدات بلفورية

الثلاثاء 5 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par نواف الزرو

الإجماع السياسي «الإسرائيلي» في هذه المرحلة هو على الاستيطان والتهويد للقدس والضفة من جهة، وعلى تفكيك الملفات والحقوق والتطلعات الفلسطينية نحو الاستقلال والدولة من جهة أخرى، غير أن الإجماع السياسي الإسرائيلي - الأمريكي إلى حد كبير فيما يتعلق بعملية السلام، هو على ضرورة استئناف المفاوضات، وإجبار الفلسطينيين الذين كلّ متنهم من هذه المفاوضات، إذ خرجوا منها بعد ثمانية عشر عاماً من الاجتماعات والمؤتمرات والتفاهمات والتنازلات صفر اليدين...!

ورغم أنهم هناك في «إسرائيل» يسقطون من حساباتهم إمكانية التوصل إلى تسوية مع «السلطة الفلسطينية» لاعتبارات ايديولوجية واستراتيجية، إلا أنهم تكتيكياً بحاجة إلى عملية سياسية تمويهية تعطيهم الوقت لبناء حقائق الأمر الواقع على الأرض.

الإدارة الأمريكية بدورها ورغم فشلها في تحصيل حتى تجميد للاستيطان من نتنياهو، إلا أنها أيضاً حريصة على استئناف المفاوضات من اجل المفاوضات فقط.

تحرص الإدارتان «الإسرائيلية» والأمريكية على سيناريو قديم جديد متجدد بينهما يطلقون عليها «رسائل الضمانات الأمريكية لـ «إسرائيل»»، وما أكثر رسائل الضمانات والتعهدات الأمريكية التي قدمت لـ «إسرائيل» في حين ما أكثر رسائل التطمينات والوعود التي قدمت للفلسطينيين والعرب على نحو خاص، وان كنا هنا لسنا بصدد استعراضها إلا أنها كلها تعطي الفلسطينيين والعرب الوعود الكلامية، بينما تعطى «إسرائيل» في الجانب الثاني الضمانات الحقيقية لوجودها وتفوقها واستيطانها وسيطرتها على الأرض.

وتطفو على سطح مسرح المفاوضات في هذه الأيام ما يطلق عليها رسالة الضمانات التي بعث بها الرئيس الأمريكي اوباما لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» نتنياهو الذي لم يأبه للحليف الأمريكي الاستراتيجي ولم يجامله فرفض الرسالة بمنتهى الوقاحة.

تشتمل رسالة الضمانات الاوبامية على جملة من التعهدات الاستراتيجية لنتنياهو إذا ما وافق على «تمديد تجميد الاستيطان لمدة شهرين فقط»، فتحدثت ثلاث صحف «إسرائيلية» عن «عرض سخي» لم يقدمه حتى الرئيس السابق جورج بوش «في كل سنوات صداقته لـ «إسرائيل»»، مستغربة رفض نتنياهو له، وقالت «يديعوت أحرونوت» - في خبر رئيسي بعنوان «الجزرة والعصا» - إن أوباما مستعد - من أجل أن تواصل «إسرائيل» التجميد- لدفع الكثير، وقالت إن الوثيقة كان يفترض أن تصبح «رسالة رئاسية» لو قبلها نتنياهو، لكنه رفضها رغم جهود إيهود باراك لإقناعه بها، مما جعل البيت الأبيض ينفي ما نشر بشأنها (الجزيرة 1/10/2010).

ونقل عن مصدر كبير في الكونغرس قوله «إذا كان هذا ما يبدي الرئيس الأميركي استعداده لإعطائه لـ «إسرائيل» مقابل تجميد لستين يوماً، فما الذي سيتعهد بإعطائه مقابل اتفاق سلام شامل؟».

ولعل من شأن رسالة الضمانات هذه أن تستحضر تلك الضمانات التي كان قدمها الرئيس بوش لشارون، التي قال فيها رئيس الوزراء «الإسرائيلي» السابق اولمرت «أن الضمانات التي قدمها بوش في رسالة العام 2004 حول ضرورة الاعتراف بـ «الواقع الديموغرافي» في الضفة الغربية، تسمح لـ «إسرائيل» بمواصلة البناء الاستيطاني».

ففي مطلع نيسان عام 2004 وفي إطار قمة ثنائية أيضاً جمعت بوش وشارون آنذاك أعلن الرئيس بوش عن «وعده لشارون» المتمثل بسلسلة تعهدات لـ «إسرائيل»، وكان «وعد بوش» لشارون آنذاك ليس فقط يكرس ويعمق النكبة والمعاناة والظلم والطغيان التاريخي الذي لحق بالشعب العربي الفلسطيني، وإنما ينتج نكبة فلسطينية أخرى، ويلحق بالفلسطينيين المزيد من المعاناة والألم والعذاب، فإذا كان وعد «بلفور» قد أدى في المحصلة إلى ضياع 78% من فلسطين لصالح الدولة الصهيونية هكذا ظلماً وافتراءً وإرهاباً، فان «وعد بوش» إنما اجهز في الرؤية «الإسرائيلية» - و«الفلسطينية» على ما تبقى من فلسطين ويصادرها أيضاً هكذا ظلماً وافتراءً وطغياناً وإرهاباً لصالح تلك الدولة.

وما بين الأمس ووعد بلفور مروراً بوعد بوش البلفوري أيضاً، يطل علينا الرئيس اوباما بوعد بلفوري جديد وبضمانات بلفورية جديدة حينما أعلن قبل نحو عام أن : «أرض فلسطين التاريخية هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي»...!

فالرئيس اوباما يطل علينا إذن ليقدم ما يشبه وعداً بلفورياً جديدا لـ «إسرائيل» يمنحها فيه اعترافاً متجدداً بان «فلسطين هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي»..أليس هذا الوعد هو ذاته وعد بلفور الذي منح «فلسطين - أرضاً بلا شعب لشعب بلا ارض- كوطن قومي لليهود» قبل نحو ثلاثة وتسعين عاماً...!.

ويضيف اوباما : «بعد دقائق من إعلان دافيد بن غوريون عن «استقلال «إسرائيل»»، وتحقيق الحلم بدولة للشعب اليهودي في وطنهم التاريخي، كانت الولايات المتحدة أول دولة تعترف بـ «إسرائيل»»...!

فيا للعجب ...!

بل إن اوباما الذي كان قد أعلن في وقت سابق عن إعجابه بـ ««إسرائيل» المعجزة»، عاد في رسالته ليبدي تقديره لما أسماه «الإنجازات غير العادية التي حققها الشعب «الإسرائيلي»»، وأية انجازات يا ترى...؟

سياسات التطهير العرقي والمجازر والمحارق والسطو المسلح على وطن وممتلكات وتاريخ وتراث الشعب العربي في فلسطين...!

فالواضح إذن في المشهد أن «إسرائيل» تعيش في ظل الرئيس اوباما - على خلاف الكثير من التقديرات - حالة دلال أمريكي لم يسبق لها مثيل إلا في عهد الرئيس بوش، بل إن اوباما وفقاً لمضامين الضمانات التي يقدمها لـ «إسرائيل» تباعاً إنما تتكامل مع ضمانات الرئيس بوش لشارون المشهورة، التي اعترف فيها بحقائق الأمر الواقع الاستيطانية على الأرض الفلسطينية...!

إنها أجندات أمريكية متأسرلة ووعود وتعهدات بلفورية - وحصاد «إسرائيلي» كامل، تستدعي من الفلسطينيين أولاً أن يستيقظوا من أوهام التسوية وأوهام الدور الأمريكي المنحاز بالكامل للدولة الصهيونية، وان يعودوا إلى «الوحدة الوطنية الفلسطينية» و«القيادة الجماعية من أقصى الإسلام مروراً بفتح الوسط وصولاً إلى أقصى اليسار» ...فهي المخرج من المأزق الفلسطيني المتفاقم وهي البديل الذي يوصل إلى شط الأمان الفلسطيني، والممر الإجباري أمام الفلسطينيين لتمكينهم من تصليب مواقفهم في مواجهة خرائط الطرق «الإسرائيلية» المتجددة الهادفة إلى شطب القضية الفلسطيني شطباً كاملاً وشاملاً وبالضمانات الأمريكية...؟!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2166076

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2166076 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010