الاثنين 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

العودة بالقضيّة الفلسطينية إلى المربع الأول

الاثنين 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par منير شفيق

عاد كل من أوباما ونتنياهو بالقضية الفلسطينية، أو بما يسّمونه «الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني» إلى المربع الأول. وقد تجاوزا السياسة والقانون الدولي وميثاق هيئة الأمم المتحدة، وكل القرارات الصادرة من هيئة الأمم المتحدة بل تجاوزا حتى موازين القوى وما يُعرف بمنهج الإقرار بالأمر الواقع.

وذلك هو معنى مقولة «يهودية الدولة الإسرائيلية» أو اعتبار «الدولة الإسرائيلية»، وما تقوم عليه من أرض، هما، من حق «الشعب» اليهودي وحده فقط.

وإلاّ لماذا الإصرار على انتزاع اعتراف فلسطيني وعربي وإسلامي ودولي بيهودية «دولة إسرائيل»، وعدم الإكتفاء بتنظيمها الهويّة اليهودية، بلا حصرية، تُفقِد سكانها العرب من مسيحيين ومسلمين حقهم التاريخي في أرضهم ووطنهم، ليصبحوا في التعريف الجديد يقيمون على أرض ليست أرضهم. ومن ثم يصبح حقهم فيها حقّ المهاجر المقيم في وطن قوم آخرين وأرضهم.

رئيس حكومة الكيان الصهيوني نتنياهو ورئيس الدولة بيريز جعلا انتزاع الإعتراف بيهودية دولة الكيان الصهيوني شرطاً شارطاً للتسوية، وهدفهما المزدوج من ذلك هو تجريد من تبقى من الشعب الفلسطيني تحت دولة الكيان الصهيوني عام 1948 من حق الوجود فيها، وتحويله إلى مجرد إقامة ستخضع لاحقاً لقوانين الهجرة والإقامة والتجنيس إلى جانب حق العودة بالنسبة إلى اللاجئين الفلسطينيين من حيث أتى. فهؤلاء ليسوا شعباً وأفراداً طردوا من وطنهم وهجرّوا بالقوّة المسلحة تحت تهديد المجازر. وصودرت بيوتهم وأراضيهم. وحرموا من حق تقرير المصير. وهو حق يثبته القانون الدولي حصرياً لهم.

أما الرئيس الأميركي باراك أوباما فقد جعل من ذلك الهدف (انتزاع الإعتراف بيهودية الدولة) سياسة أميركية رسمية، وشرطاً لما يسمّيه «حل الدولتين». ولكنه زايد على ما تعلنه السياسة الرسمية لنتنياهو وبيريز حول يهودية الدولة بالقول، في برقيته التي أرسلها بمناسبة عيد «إعلان الإستقلال» لهذا العام 2010، «إن فلسطين التاريخية هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي».

وبهذا يكون أوباما قد زوّر تاريخ فلسطين، بصورة فاضحة، ليعود بالقضية الفلسطينية إلى مرجعها الأول : أي من له الحق في فلسطين؟ ومن ثم من يمثل المعتدي ومن يمثل صاحب الحق والقضية العادلة في هذا الصراع؟

إن اعتبار فلسطين التاريخية «الوطن التاريخي للشعب اليهودي» يلقي ضوءاً آخر، أو محتوى جديداً، لمعنى مقولة «يهودية الدولة» أي تجريد الفلسطيني والعربي والمسلم من أي حق في فلسطين.

وبالمناسبة، يجب أن ينقذ نفسه كل من أمل خيراً في أوباما، أو كال له مديحاً، أو ما يزال، أمام هذا الموقف المتصهين المشين الذي لم يسبقه عليه رئيس أميركي سابق، حتى جورج دبليو بوش، بل ندر من سبقه من منظري الصهيونية مَنْ تجرّأ على التاريخ بهذا المستوى من التزوير. فشتّان بين من أقاموا دعواهم على أساس «الوعد الإلهي» ومن أضاف قائلاً «إن فلسطين التاريخية هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي». فكيف يشطب بجرّة قلم تاريخ الشعوب (وفي مقدّمهم العرب) التي سكنت فلسطين قبل المسيحية ثم كيف يشطب بجرّة قلم أكثر من ألف وأربعماية عام من تاريخ فلسطين العربية الإسلامية أو تاريخ العرب المسلمين والمسيحيين معاً.

منذ بداية نشوء القضيّة الفلسطينية في ظل الإستعمار البريطاني ووعد بلفور والهجرات الإستيطانية اليهودية بحماية إدارة الإحتلال البريطاني وحراب جنوده سقطت من التداول حجّة «الوعد الإلهي» التوراتية. لأن اللجوء إليها يدخل في الحرب الدينية مع الإسلام والمسيحية (عدا المسيحية الصهيونية الأميركية). ولأن هذا الوعد باطل حتى من وجهة نظر توراتية بسبب العصيان، وباطل من وجهة نظر مسيحية إذ يسقط مع مجيء المسيح. وباطل من وجهة نظر إسلامية. وهو في كل الأحوال لا يدخل في معايير السياسة والقانون الدولي والمواثيق العالمية. ولا يصلح معياراً لتثبيت حقوق الشعوب في أوطانها.

ومن هنا انحصرت الحجج التي راحت تسوّغ هجرة اليهود إلى فلسطين ومن ثم قيام «دولة إسرائيل» في اعتبارات لا علاقة لها بما يسمّى «الوعد الإلهي»، ولا بالتاريخ لأن التاريخ، بصورة مطلقة، في مصلحة الشعب العربي الفلسطيني، ولا بالقانون الدولي الذي حصر حق تقرير المصير لشعوب المستعمرات بالشعب الذي كان قائماً في لحظة حدوث الإستعمار والسيطرة الإستعمارية على البلد المعني. وهو الذي طبّق عالمياً على كل الحالات عدا الحالة الفلسطينية التي انتهك فيها القانون الدولي انتهاكاً لا مثيل له.

فالقانون الدولي لا يجيز ولا يعترف بأيّة استحداثات يقوم بها الإستعمار تُغيّر من الطبيعة الديموغرافية السكانية والجغرافية للبلد المعني أي لا يعترف بالإستيطان وتهجير السكان وتغيير هويّة البلد وتاريخه وسماته العمرانية. فما حدث في فلسطين في الإنتداب الإستعماري البريطاني كان تغييراً، من خلال القوّة، في الطبيعة السكانية لفلسطين. وذلك عبر الهجرات الصهيونية وإقامتها للمستوطنات و«المستعمرات» وأخيراً تهجير ثلثي الشعب الفلسطيني وإقامة «دولة إسرائيل» على أنقاضه.

ميثاق هيئة الأمم المتحدة لا يجيز لأيّة هيئة من هيئاتها (مجلس الأمن أو الجمعية العمومية) أن تقسّم الدول أو تَحلّ محلّ شعبها في تقرير مصيرها. ولهذا جاء قرار تقسيم فلسطين مخالفاً لمبادئ ميثاق هيئة الأمم المتحدة كما جاء انتهاكاً للقانون الدولي.

من هنا انحصرت الحجج في تسويغ الهجرات الإستيطانية اليهودية غير الشرعية ثم قيام دولة الكيان الصهيوني، في ما حدث من إبادة لليهود من قبل النازية، أو في الرضوخ للأمر الواقع بعد أن فرضت الهجرة وأصبح هنالك مئات الألوف من اليهود المهاجرين في فلسطين. وغدا من الضروري إيجاد حل ما لهذه المشكلة: «التقسيم لدولتين»، بداية، وقد اعتبر مندوب الإتحاد السوفياتي (غروميكو) موافقته عليه إضطراريّة باعتباره «أحسن حلّ سيّء».

ولأمد طويل لم يستطع أحد أن يتحدث عن الحق أو الحقوق أو القانون الدولي وإنما عن حلّ لمشكلة وإقرار بأمر واقع وخضوع لموازين قوى محدّدة، أو التسليم بقرارات صاغتها الدول الكبرى، لم تتعرّض لحق أو تستند حتى لقانون دولي، أو لمبادئ أو مواثيق دولية. وإنما قامت على أساس صفقات ومساومات في ما بينها.

من هنا كان الحق وعدالة القضية دائماً في مصلحة الموقف الفلسطيني والعربي وكل من عارض إحلال شعب مكان شعب آخر، أو إقامة دولة الكيان الصهيوني، ناهيك عما ارتكبته من اغتصاب للأرض والبيوت وتهجير للسكان وجرائم حرب وإبادة.

الذين خرجوا من بين الفلسطينيين والعرب متخلين عن المربّع الأول المتعلق بالحق والعدالة والتاريخ والقانون الدولي ناهيك عن المرجعيات الأخرى. وراحوا يناقشون القضيّة على أساس موازين القوى والواقعية وما يسمّى زوراً بالشرعيات الدولية (إدارة الدول الكبرى). واعتبروا أن المقاومة والممانعة والمقاطعة والإستناد إلى الحقوق والثوابت والمبادئ وسائل لا تؤدّي إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرض ومصلحة للفلسطينيين، إنتقلوا إلى مربّع التسوية والمفاوضات والتأقلم مع سياسات الدول الكبرى («الشرعية الدولية»). ولكن النتائج جاءت كلها على الضدّ مما توقعوا. وقد أصبحوا الآن في مربّع التنازل عن القدس الكبرى أو غالبيتها الغالبة، وعن معظم الضفة الغربية، وعن حق العودة بل غدوا حتى أمام الإعتراف بيهودية الدولة وبالحق التاريخي للشعب اليهودي في فلسطين وليس مجرّد الإعتراف بحق الشعوب في الوجود وهكذا، كما كان الحال سابقاً.

على أن الإعتراف بيهودية الدولة، وبالمحتوى الذي يرمي إليه نتنياهو وبيريز وأوباما، ثم أضف البرقية العتيدة التي أرسلها أوباما حول اعتبار «فلسطين التاريخية وطن تاريخي للشعب اليهودي»، يفترضان بكل الفلسطينيين والعرب والمسلمين وأحرار العالم أن يعودوا إلى المربّع الأول أي مربّع ثوابت القضيّة الفلسطينية، ومن يملك الحق في فلسطين ومن يحمل لواء القضيّة العادلة في هذا الصراع - الحرب.

وبهذا يكون أوباما ونتنياهو أسديا خدمة، من حيث لم يريدا، للقضيّة الفلسطينية لتصحيح بوصلة الصراع وإسقاط نهج التسوية وما قاد إليه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 33 / 2165538

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2165538 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010