الخميس 30 أيلول (سبتمبر) 2010

فضيحة غولدستون 2

الخميس 30 أيلول (سبتمبر) 2010 par مصطفى إبراهيم

جاء في تقرير القاضي ريتشارد غولدستون رئيس لجنة التحقيق في العدوان «الإسرائيلي» على قطاع غزة نهاية العام 2008، أن البعثة ذُهلت إزاء التعليق المكرر، على لسان ضحايا فلسطينيين، ومدافعين عن حقوق الإنسان، وأشخاص من اﻟﻤﺠتمع المدني تحدثت إليهم البعثة، ومسؤولين، بأﻧﻬم يأملون في أن تكون بعثة التحقيق هذه آخر بعثة من نوعها، لأن عملاً ما سينشأ عنها لإحقاق العدل.

وذُهلت البعثة كذلك من عدم الثقة والخشية التي عبر عنها الفلسطينيون بالقول إنه في كل مرة يصدر فيها تقرير ولا يُتبع بأي إجراء، فإن ذلك يزيد «إسرائيل» جرأة ويزيدها اقتناعاً بأﻧﻬا لا تُمس، «فعدم إعمال أساليب المحاسبة إنما يعزز الإفلات من العقاب، ويشوه مصداقية الأمم المتحدة واﻟﻤﺠتمع الدولي».

فطول أمد الإفلات من العقاب قد ظل العامل الرئيسي في استمرار العنف وفي تكرار حدوث الانتهاكات، فضلاً عن تقويض الثقة لدى الفلسطينيين والكثير من «الإسرائيليين» في إمكانية تحقيق العدل والتوصل إلى حل سلمي للنزاع.

من توصيات غولدستون أن مقاضاة الأشخاص المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي من شأنه أن يساهم في إﻧﻬاء هذا العنف، وفي حماية المدنيين، وفي استعادة السلم وصونه، وهذا ما أكد عليه غولدستون في توصيته تلك المتعلقة باعتراف مجلس الأمن أكثر من مرة بتأثير الوضع في «الشرق الأوسط»، بما في ذلك قضية فلسطين، على السلم والأمن الدوليين.

بعد كل ذلك منحت «السلطة الفلسطينية» دولة الاحتلال فرصة أخرى للإفلات من العقاب، ومنحت السلام المزعوم فرصة أيضاً على حساب الضحايا وحقوق الانسان عندما أوعزت للبعثة الفلسطينية في جنيف بتأجيل ترحيل التحقيق التي قامت به لجنة الخبراء المستقلين التي عينتها الأمم المتحدة لمتابعة عمل لجنة غولدستون لتقصي الحقائق، من جنيف الى الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

البعثة الفلسطينية قامت بتأجيل ترحيل التقرير لفسح المجال أمام المفاوضات التي توقفت بسبب رفض «إسرائيل» الاستمرار في تجميد الاستيطان، المفاوضات لم تحرز أي تقدم ومهددة في التوقف بكل لحظة لأنها تمت باملاءات وشروط «إسرائيلية» وأمريكية، وحكومة الاحتلال لن تقدم للفلسطينيين شيئاً لان أعضائها غير معنيين بالسلام.

البعثة الفلسطينية طلبت من البعثة الإسلامية والعربية عدم تقديم البيان الذي قدمه الموفد السوري أمام مجلس حقوق الانسان في جنيف، وتقدمت ببيان تم اعتماده، وعلى أساسه تم تأجيل الترحيل لعدم التشويش على المفاوضات.

قرار الترحيل جاء لأسباب سياسية مرتبطة باستمرار المفاوضات وعدم تشكيل ضغط على حكومة الاحتلال، ولم يكن انتصاراً للقانون وتحقيق العدالة، والخوف على معاقبة حركة «حماس»، كما ذكر رئيس البعثة الفلسطينية في جنيف، وبذلك تكون «السلطة» ساهمت في إفلات مجرمي الحرب من دولة الاحتلال من المحاسبة والعقاب، ودفن تقرير غولدستون وتوصياته المتعلقة بمحاسبة المجرمين وتقديم التعويضات للضحايا.

أهمية التقرير تنبع في أن يكون في الأمم المتحدة في نيويورك وليس في جنيف، وكان على «السلطة الفلسطينية» ان تضع التقرير بين يدي الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ما يمكنها من اتخاذ إجراءات إضافية في حدود سلطاﺗﻬا حرصاً على العدالة، و الضغط على المجتمع الدولي للتحقيق في الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وهذا يلقي الكرة أيضاً الى ملعب المجتمع الدولي لإجراء التحقيقات اللازمة، وليس التسويف والمماطلة والبحث عن مخارج لدولة الاحتلال من قبل «السلطة الفلسطينية».

فعندما يقرر مجلس حقوق الانسان بناء على طلب البعثة الفلسطينية تجديد تفويض لجنة الخبراء المستقلة، والطلب من دولة الاحتلال استكمال تحقيقاتها، فهذا يتناقض مع ما جاء في توصيات غولدستون حيث «وجدت البعثة عيوباً هيكلية كبرى تجعل هذا النظام، غير منسجم مع المعايير الدولية». فكيف تقوم البعثة الفلسطينية بالثقة مرة أخرى بالنظام «الإسرائيلي» للتحقيق والمقاضاة في الانتهاكات الخطير ة لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني، ولا سيما جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، والتحقيقات الداخلية العسكرية لا تمثل معياراً للاستقلالية والحياد؟

فدولة الاحتلال طالما رفضت بإصرار إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة، والمحاكمات وتوجيه الإدانات لأفراد الجيش أو المستوطنين لارتكاﺑﻬم أعمال عنف وجرائم ضد فلسطينيين، وعدم تحريك ساكن إزاء هذه الأعمال أو معالجتها على نحو غير مرضٍ، فضلاً عما يترتب عليها من نتائج تمييزية، فإن الإمكانات التي يتيحها الإطار الدستوري والقانوني الحالي في «إسرائيل» للفلسطينيين لطلب التعويض والجبر قليلة جداً، إن وجدت أصلاً.

فتأخير العدالة يحرم الضحايا من الحصول على تعويضات بناء على توصيات غولدستون التي أوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة إنشاء صندوق ضمان يُستخدم في دفع تعويضات ملائمة إلى الفلسطينيين الذين عانوا خسارة وأضراراً نتيجة للأفعال غير المشروعة الناتجة عن العدوان «الإسرائيلي» على قطاع غزة، وأن تدفع دولة الاحتلال المبالغ المطلوبة إلى هذا الصندوق.

«السلطة» لم تعمل على الضغط في تنفيذ توصيات غولدستون الذي طلب من الجمعية العامة الطلب من حكومة سويسرا عقد مؤتمر للأطراف المتعاقدة السامية في اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، بشأن اتخاذ تدابير لتعزيز الاتفاقية في الأرض الفلسطينية المحتلة ولضمان احترام هذه الاتفاقية، فلماذا لم تقم القيادة الفلسطينية بالضغط لعقد مؤتمر الأطراف المتعاقدة السامية؟

«السلطة الفلسطينية» ارتكبت خطيئة جديدة بعدم ترحيل التقرير للأمم المتحدة والضغط من أجل إنصاف الضحايا وعدم إبقاء التقرير داخل أروقة مجلس حقوق الانسان ونقله إلى فضاء قانوني أوسع من خلال إحالته الى مجلس الأمن والجمعية الجمعية العامة في نيويورك، ومحكمة الجنايات الدولية لمحاكمة قادة «إسرائيل» كمجرمي حرب، وعدم تقديم طوق نجاة لهم من خلال التأجيل المتكرر للتقرير.

وهي جلبت للفلسطينيين فضيحة ثانية كباقي الفضائح التي وصمت بها من أجل الاستمرار في المفاوضات للأبد، فالقيادة الفلسطينية أغفلت توصيات غولدستون المهمة، وبدلا من العمل على تحقيقها والعمل مع المجتمع الدولي وجميع المتضامنين في أنحاء العالم مع القضية الفلسطينية تتعمد دفن تقرير غولدستون لاعتبارات سياسية ومفاوضات متعثرة على حساب الحق الفلسطيني والعدالة، وإنصاف الضحايا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 49 / 2165405

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165405 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010