السبت 2 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

لبنان في المخططات «الإسرائيلية»

السبت 2 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par نصر شمالي

يعيش لبنان اليوم جولة أخرى من جولات الصراع الداخلي الحادّ المزمن، الذي يراد له أن يبقى غامضاً وعبثياً ومستعصياً على الحلّ. وتدور هذه الجولة تحت عنوان المحكمة الدولية، والقرار الظنّي المنتظر بصدد جريمة اغتيال الرئيس الحريري، وتحت عنوان الخطر الإيراني والخطر السوري، وما إلى ذلك من عناوين مخادعة لا علاقة لها بجوهر الموضوع، كما كانت الحال دائماً.

غير أنّ هذه الجولة تأتي متناغمة مع الاستعدادات «الإسرائيلية»/الأمريكية للقيام بعمل عسكري ضدّ أكثر من بلد في المنطقة، وفي الجملة لبنان. وفي هذا الصدد نسمع البعض يقول كلّ شيء عن العوامل الداخلية المسبّبة، اللبنانية والإقليمية، بغضّ النظر عن صحّتها أو عدم صحّتها، بينما لا يشير ولو مجرّد إشارة إلى العوامل الخارجية، «الإسرائيلية» والأوروبية والأمريكية، بل إنّ بعض هذا البعض يبرّر رسمياً وعلناً تعاونه الميداني غير الرسمي مع «الإسرائيليين» في الحروب الماضية، كأنّما تمهيداً لتعاونه الميداني الرسمي معهم في الحرب القريبة القادمة.

وواقع الحال أنّ هذه الجولة من جولات الصراع الداخلي اللبناني تعكس، في أحد أهمّ وجوهها، مقدار ما هو عليه النفوذ الأوروبي/الأمريكي في لبنان اليوم، وهو النفوذ الذي بدأ منذ القرن التاسع عشر وبلغ أوجه في مطلع عشرينيات القرن العشرين، وتعكس أيضاً مقدار الاختراقات «الإسرائيلية» التي بدأت منذ تأسس الكيان «الإسرائيلي»، وبلغت أوجها في السبعينيات والثــمانينيات من القرن الماضي. أمّا النتيجة فتبدو مخيبة لآمال الأمريكيــين والأوروبيين و«الإسرائيليين»، حيث الإرادة الوطنية اللبنانية إجمالاً، بجميع مكوناتها وأطيافها، برزت خلال السنوات العشر الأخيرة متجاوزة بما لا يقاس جميع تقديراتهم وتوقعاتهم عن صلابتها وثباتها.

إنّ فهماً صحيحاً لما يجري في لبنان (ولما يجري في الأقطار العربية الأخرى طبعاً) يقتضي عودة إلى الاستراتيجيات الدولية الاستعمارية المؤسسة للكيانات العربية الممسوخة، غير أننا سنقتصر هنا على إشارات إلى بعض أخبار النشاط «الإسرائيلي» المبكّر ضدّ لبنان تحديداً، وهي إشارات تؤكّد ما ذهبنا إليه بصدد العناوين المخادعة لجولة الصراع الحالية. ففي اجتماع عقده القادة «الإسرائيليون» قبل أن يستكمل كيانهم المصطنع عامه السادس، بتاريخ 27/2/1954، نوقشت خطط «إسرائيلية» لتمزيق لبنان (إضافة إلى خطط لمهاجمة مصر وسورية). وقد حضر ذلك الاجتماع ديفيد بن غوريون، وموشي شاريت رئيس الوزراء، وإسحق لافون وزير الدفاع، وموشي دايان رئيس الأركان، وغيرهم.

يقول شاريت في يومياته : عرّج بن غوريون على موضوع آخر فقال انّ هذا هو وقت دفع لبنان لإعلان دولة مسيحية، فقلت انّ هذا هراء، لأنّ الموارنة منقسمون، وأنصار الانفصال بينهم ضعفاء، وإنّ لبنان مسيحياً يعني تخليهم عن صور وطرابلس والبقاع، وليست هناك قوة تستطيع تغيير لبنان عن أبعاده (الجغرافية) التي أوجدتها الحرب العالمية الأولى، فكان ردّ بن غوريون غضباً واهتياجاً، وراح يسرد المبرّر التاريخي لخلق لبنان مسيحي محصور ومقيّد، وقلت ان ليس هناك أيّ عامل مسيطر وجاهز لخلق مثل هذا الشكل، فانصبت عليّ موجة من الإهانات، حول تفكيري الضيق وافتقاري إلى الجرأة، وقالوا : حين يحدث ذلك (حين يمزّق لبنان) فسوف يتحقّق تغيير حاسم في «الشرق الأوسط»، وسوف يبدأ عهد جديد..الخ!

لنستحضر هنا تصريحات كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، التي أطلقتها في بيروت مع بدايات الحرب ضدّ لبنان في العام 2006، التي رأت فيها أنّ إلحاق الهزيمة بالمقاومة اللبنانية (وهو ما بدت متأكّدة من حدوثه) سوف يسفر عن تغيير حاسم في أوضاع «الشرق الأوسط». قالت رايس انّ «الشرق الأوسط الجديد» يولد من رحم الحرب ضدّ لبنان! لقد كانت تكرّر في عام 2006 ما قاله «الإسرائيليون» عام 1954، وما يبدو أنّه حلم لا يزال قائماً رغم الخيبة، وأنّ العمل من أجل تحقيقه مستمر حتى يومنا هذا!

وفي 16/5/1954، في اجتماع آخر، أثار بن غوريون مرة ثانية موضوع لبنان، وأصرّ على أنّ الوقت مؤات، بسبب التوترات المتجدّدة بين سورية والعراق، وبسبب المشاكل الداخلية في سورية. وقد عبّر دايان فوراً عن دعمه المتحمّس بقوله : «إنّ الشيء المهم الوحيد هو إيجاد ضابط، ولو برتبة رائد، وسوف نقوم إمّا بكسب ودّه أو بشرائه بالمال، لنجعله يوافق على إعلان نفسه منقذا ومخلّصا للموارنة، ثمّ يدخل الجيش «الإسرائيلي» إلى لبنان ويحتلّ المنطقة الضرورية، ويخلق نظاماً يتحالف مع «إسرائيل»، أمّا بالنسبة للمنطقة من الليطاني إلى الجنوب فسوف تضمّ كلّياً إلى «إسرائيل»».

بعد أيام من هذا الاجتماع، بتاريخ 28/5/1954، كتب شاريت في يومياته أنّها مغامرة مجنونة تلك التي يدعو إليها دايان، وأنه يجب أن يعهد إلى اللجنة (الوزارية) بمهمة البحث عن أساليب حكيمة، حذرة، هدفها تشجيع الدوائر المارونية التي ترفض الضغوط الإسلامية، والتي تقبل بالاعتماد علينا.

وبتاريخ 12/2/1955 سجّل شاريت في يومياته ما يلي : «نجيب صفير (أعرفه منذ عام 1920) زار السفير «الإسرائيلي» في روما إلياهو ساسون، ومن الواضح أنّه كان مبعوثاً من قبل الرئيس كميل شمعون. إنّ لبنان سيكون مستعدّاً لتوقيع معاهدة سلام منفرد إذا قبلنا بالشروط التالية : أولاً، ضمان الحدود اللبنانية. ثانياً، مساعدة لبنان إذا هوجم من قبل سورية. ثالثاً، شراء الفائض الزراعي اللبناني. وقد اقترح ساسون لقاء بينه وبين شمعون خلال زيارة شمعون لروما.

تقول ليفيا روكاش في دراستها ليوميات موشي شاريت انّ التعاون كان وثيقاً جدّاً في الخمسينيات بين جهاز (الخدمات الخاصة) «الإسرائيلي» وبين وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وأنّه من المؤكّد، لا من قبيل الصدفة، أنّ الولايات المتحدة، بعد تحديد معالم خطط تمزيق لبنان من قبل «الإسرائيليين»، زوّدت (بعض اللبنانيين) بالأسلحة في الخمسينيات، في إطار سياستها لاستخدام الأقليات الدينية والعرقية!

وهكذا نرى كيف أنّ الأمريكيين و«الإسرائيليين» عملوا على تمزيق لبنان واحتواء أشلائه منذ أكثر من نصف قرن، في زمن لم تكن توجد فيه بعد لا منظمات فلسطينية ولا أحزاب لبنانية مقاومة مثل «حزب الله»، وكيف نظروا إلى إسقاطه واحتوائه كمدخل لإقامة «الشرق الأوسط الأمريكي الصهيوني الجديد»!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2181909

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2181909 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40