الجمعة 1 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

القدس ليست بأيدينا

الجمعة 1 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

مرت عشر سنين منذ صعد الى الجبل رئيس المعارضة اريئيل شارون، ويبدو انه لم يتغير شيء. فباب المغاربة عالق في وضعه المؤقت ولا يجرؤ أحد على أن يحرك هناك لولبا. ساعات زيارة الجبل معدودة. يصعد يهود قليلون الى هناك تحت حراسة ثقيلة خاصة ليحظوا بنظرات عداء من مئات الفلسطينيين الذين يفعلون في الجبل ما يشاؤون. ان جزءا من الباحات في جبل الهيكل قد اصبح بالمناسبة ملاعب كرة قدم.

إن المبادرة المباركة (أو التحرش) لشارون قد دهورت في زمانه الوضع في الميدان وأسهمت في نشوب انتفاضة الاقصى التي كلفت الف قتيل «اسرائيلي» وفلسطيني. وما تزال علامات الخطر موجودة اليوم ايضا. نحن على شفا اخفاق سياسي مرة اخرى. في حي سلوان عند اسفل جبل الهيكل، أحداث شغب دامية يوميا على أثر موت شاب في الثانية والثلاثين والد لخمسة. ويوجد اليوم ايضا عنصر خارجي يحث الفلسطينيين من الخارج. كان ذات مرة حسن نصر الله الذي وعد بأن «اسرائيل» ضعيفة مثل خيوط العنكبوت. وهو اليوم احمدي نجاد الذي يعد بالقضاء على الكيان الصهيوني، و«حماس» التي تسخن جبهاته.

واليوم ايضا كما كانت الحال آنذاك بالضبط، فقد عين الرئيس بيل كلينتون لحينه السناتور جورج ميتشل رئيس لجنة دولية تبحث عن أحداث جبل الهيكل. قررت اللجنة أن توقيت زيارة شارون كان بائسا وإن لم يكن هو وحده الذي سبب الانتفاضة. وأوصى معرفتنا ميتشل آنذاك من جملة ما أوصى، بوقف اعمال العنف في الجانب الفلسطيني، «ووقف جميع النشاط الاستيطاني في المناطق تماما وفي ضمن ذلك البناء في المستوطنات القائمة»، وطلب ايضا «تجديد التفاوض السياسي على أساس الاتفاقات القائمة». مرت عشر سنين ويجول ميتشل في هذه الايام في البلاد محاولا أن يحل ازمة التجميد. من المعقول ان نفترض ان توصياته لم تتغير البتة.

نشر المستشرق اسرائيل شيرنتسلر من جامعة «تل ابيب»، الذي كان من رجال «الشاباك» حتى سنة 2004، مقالة هذا الاسبوع. زعم أن «اسرائيل» ربما كانت تستطيع منع تلك الانتفاضة، وعلى كل حال فقد خرجت اليها غير مستعدة. ولا توجد اليوم توقعات سياسية ذات شأن بحيث ان خيبة الأمل لم تولد مواجهة في الحال. وتوجد ايضا قيادة فلسطينية مختلفة لكن كل شيء قد يتدهور سريعا. يقترح شيرنتسلر اعداد الارض لانتفاضة ثالثة. «يمكن أن يتدهور كل شيء سريعا بسبب فعل شخص واحد»، يُحذر.

[**أصحاب البيت في القدس*]

صعد اريئيل شارون الى جبل الهيكل في الثامن والعشرين من ايلول (سبتمبر) 2000. ففي الساعة 7:55 دقيقة في الصباح، في يوم الخميس، وقف عند باب المغاربة مع ابنيه وروني سحيق (الابن المتبنى)، وعدة اعضاء «كنيست» من «الليكود» وجماعة صغيرة من علماء الآثار وخبراء القانون. كانت تلك الايام ايام التفاوض المتعثر بعد المؤتمر في كامب ديفيد، الذي اقترح فيه رئيس الحكومة آنذاك ايهود باراك على عرفات اتفاقا سياسيا اشتمل على تقسيم القدس والسيادة على جبل الهيكل بل تحقيقا ما لحق العودة. وفي تلك الايام ايضا اغلقت الشرطة ملف هدايا بنيامين نتنياهو، وأعلمت بذلك عودته الى السياسة ومنافسته القريبة في رئاسة «الليكود»، في مواجهة شارون نفسه. حمى عشرات من أناس حرس الحدود والشرطة شارون والجماعة التي جاءت الى الجبل من مئات الفلسطينيين، الذين رأوا هذا الفعل محاولة سيطرة «اسرائيلية» على المساجد. انتظر متولي ملف القدس في السلطة، فيصل الحسيني، مع مجموعة من اعضاء «الكنيست» العرب برئاسة عبد المالك دهامشة، شارون قرب باب الدخول في الجبل. «لا تفكير عندما يأتي اليهود لزيارة أقدس مكان عندهم»، أعلن شارون. «جئت الى هنا مع رسالة سلام، بكوني مؤمنا بحياة مشتركة بين اليهود والعرب». لكن النغمة التصالحية يبدو انها لم تقنع دهامشة الذي صاح بشارون «يا قاتل، أخرج من المسجد الاقصى المبارك».

سمع شارون تفسيرات من علماء الآثار الذين صحبوه. والتقى قبل ذلك بيوم المحامي الدكتور شموئيل باركوفيتش، وهو خبير بالاماكن المقدسة، والدكتورة ايلات مزار وهي عالمة آثار معروفة، وسمع منهما عن الاعمال التي تقوم بها الاوقاف في جبل الهيكل والتي تمحو كل ذكر للوجود اليهودي من عصري الهيكل الاول والثاني. «خُطط للجولة بحيث نصعد من باب المغاربة، ونمضي على طول الباحة حتى الجانب الثاني لباب الرحمة ونطل من هناك على أكوام القمامة التي طرحتها الاوقاف مع جميع الآثار اليهودية»، يروي عضو «الكنيست» روبي ريفلين، وهو اليوم رئيس الكنيست الذي انضم الى شارون آنذاك. «في الطريق كان يفترض أن ندخل المسجد الاقصى وقد بنى تحته أناس الاوقاف والحركة الاسلامية مسجدا جديدا هو اسطبل سليمان».

أبدى شارون ثقة بنفسه وسيطرة عليها يستحقان الذكر في وجه العاصفة العنيفة التي نشبت حوله. التصق سحيق بشارون لانه أشفق من ان الفلسطينيين قد رصدوا له كمينا وأقاموا قناصة حوله لاغتياله. فأراد أن يتلقى الرصاص بنفسه. «فعل الفلسطينيون في المدينة كل ما أرادوا في تلك المدة»، يتابع ريفلين حديثه، «فالطيراوي رئيس الاستخبارات العامة، والرجوب رئيس الأمن الوقائي، تجولا كأنهما صاحبا البيت. وقد عرفا ايضا متى يصل شارون وما هو مساره. ومع ذلك كله قرر أن يُعيد الى المدينة سلامتها. لا يوجد شجاع مثله في تاريخ الدولة». لكننا بسبب هذه الحادثة تلقينا الانتفاضة الثانية.

«أحمق من يقول هذا. فقد نشبت الانتفاضة على أثر الهرب من لبنان وخطبة نصر الله في النبطية عن خيوط العنكبوت. قال : «نجحت في طرد الجيش «الاسرائيلي» بمئتي مقاتل» وسأل الفلسطينيين : «أين أنتم؟». هذا ما حرك استراتيجية عرفات».

[**يؤيد تقسيم القدس*]

تقدم شارون ببطء مع رجال الحاشية نحو المسجد الاقصى. استلقى عشرات الفلسطينيين عند المدخل يريدون منع دخوله بأجسامهم. مزح عضو «الكنيست» جدعون عزرا، الذي اصبح بعد ذلك وزير الأمن الداخلي، شيئا ما. «هل تمنحنا الحصانة اذن الدخول؟»، سأل ريفلين بوجه قلق. قرر ريفلين انقاذ الوضع. «أردت أن أفحص بنفسي وتحدثت الى القائد العام للشرطة، يهودا فيلك»، يستعيد ذلك. «أوصى فيلك بأن نظل في الخارج». جئت الى شارون وقلت له ان القائد العام للشرطة اقترح ألا ندخل الى الداخل. قال : «لا توجد مشكلة سنمضي». في الطريق الى خارج الجبل لم ينس شارون أن يصرح بأن «جبل الهيكل بأيدينا».

إن احداث الشغب التي بدأت في جبل الهيكل، مع الزيارة في الحال، انتشرت الى جميع أنحاء المناطق. نشر مكتب عرفات اعلانا جاء فيه ان شارون بدأ حربا دينية في المدينة وأن الجمهور مدعو للدفاع عن مقدسات الاسلام. وفي اليوم التالي في التاسع والعشرين من ايلول (سبتمبر)، قُتل سبعة فلسطينيين في الجبل. وفي مصادمات مع قوات الامن قُتل عشرات آخرون. نشبت الانتفاضة الثانية. وأشعلت قضية الولد محمد الدرة الميدان أكثر، فانضم عرب «اسرائيل» الى الكفاح وأثاروا أحداث شغب تشرين الاول (أكتوبر) التي قُتل في اثنائها 13 متظاهرا. أغرقت موجة «ارهاب» مخيفة الدولة مدة اشهر. وفي شباط اصبح شارون رئيس الحكومة. وبعد سنتين خرج في عملية «السور الواقي». يعتقد «الاسرائيليون» حتى اليوم ان صعود شارون الى جبل الهيكل لم يُحدث الانتفاضة. ولم يتمسك رئيس الحكومة باراك ايضا في تلك الايام بهذا الاحتجاج لبيان الهبة الفلسطينية. اعتقد كثيرون ان الصعود الى جبل الهيكل لم يكن له داعٍ. لم يفهم الوزير مريدور لماذا كان يجب الصعود الى جبل الهيكل بفترة حساسة كهذه. «لم يصعد مناحيم بيغن قط الى جبل الهيكل»، تحدى مريدور. يقول روبي ريفلين ان استعداد باراك للمصالحة على جبل الهيكل شجع شارون على صعود الجبل ليثبت لمن تنتمي الاماكن المقدسة قبل ان يصبح الوقت متأخرا. هل يمكن أن تنشب انتفاضة اخرى اليوم ايضا؟ يعتقد ريفلين أن لا. وعنده تفسير آسر، يتعلق بتغير المواقف في الجانب «الاسرائيلي»، والذي يأسف له أسفا عميقا. «الجمهور مستعد اليوم لتقسيم القدس ولم يكن هذا موجودا ذات مرة. يوجد وهن كبير عندنا. يستوعب الفلسطينيون أن هذا هو الوضع ويدركون أنه لا سبب خاصا يدعو للخروج في انتفاضة جديدة»، يقول ريفلين.

[**أعلام «حماس» وتركيا*]

سعيد أبو سند، وهو في السبعين من قرية سلوان لا يقبل تفسير ريفلين المدروس. فهو يرى ان الانتفاضة الثالثة قد نشبت منذ زمن. في يوم الاربعاء من الاسبوع الماضي صادم سامر سرحان، صهر أبو سند، أحد الحراس اليهود في الميدان الصغير قرب حي البستان. زعم الحارس أن طريقه سُدت وانه كان في خطر على حياته ولهذا قرر اطلاق النار. تدل كاميرات الحراسة التي وثقت الحدث على واقع مختلف شيئا ما. قُتل سرحان باطلاق النار. لم يمحُ سكان القرية منذ ذلك الحين آثار الرصاص وبقع الدم. القرية مغطاة بلافتات تمدح الشهيد وبرسومات جدارية تصور خريطة «اسرائيل» تُسحق بقوة سلاح المنظمات الفلسطينية. ولا يعوزنا هناك ايضا أعلام «حماس» ومنظمة التحرير الفلسطينية وتركيا.

نجلس في خيمة تلقي العزاء للعائلة. يكشف أبو سند عن جسمه ويبدي آثار الرصاص المطاطي الذي اصابه كما يقول عندما اراد استدعاء سيارة اسعاف لزوجته هنية، التي اصيبت قبل ذلك باستنشاق الغاز. «تعال الى هنا اليوم في الليل وانظر ماذا يجري»، يبلغ بفخر. «يتجول الشبان ملثمين ويوجد هنا طوال النهار اطلاق نار وزجاجات حارقة. في يوم الجنازة مضى سبعة آلاف شخص الى الحرم الشريف مع جثة سامر. يستغرق ذلك على نحو عام 11 دقيقة واستغرق هذه المرة ساعات. استبدلوا أعلام «اسرائيل» بأعلامنا وأحرقوا سيارات جيب حرس الحدود. هرب رجال الشرطة. أمسكوا باليهود داخل السيارات وقالوا لهم «خذوا حقائبكم وانصرفوا». بعد ذلك أحرقوا السيارات. واندلعت حرب في جبل الهيكل ايضا».

يعلم أبو سند ايضا ما الذي سيفضي الى الاشتعال العام ويجعل الانتفاضة الثالثة أشد من سابقتيها. «في اللحظة التي تأتي فيها الى هنا الجرافات وتهدم بيتا واحدا سيحترق كل شيء»، يعد. يبدو له التفاوض السياسي، والمحادثات المباشرة وبعثة ميتشل المجددة مثل نكتة. «الجميع يكذبون على الجميع»، يقول عن تجربة. «كف الناس عن الايمان بالسلام»، يضيف فكري أبو ذياب، أحد النشطاء البارزين في القرية. «الجميع على ثقة بأنهم سيهدمون لهم بيوتهم آخر الأمر. والامريكيون والاوروبيون الذين يساعدوننا الآن يفعلون ذلك عن مصلحة فهم يريدون هدوءا حتى يُنهوا الأمر مع ايران وبعد ذلك سيتركوننا». كان أبو ذياب قريبا جدا من الأحداث على جبل الهيكل في ايام شارون.

«وطئنا شارون من ناحية دينية وداس كرامتنا»، يزعم. التحرش الميداني موجود في هذه اللحظة ايضا كما يقول وهو موجه من أعلى ويرمي الى تشجيع أعمال الشغب لوقف المسيرة السياسية مرة اخرى. يبدو أنه لا يوجد صدّيقون في القدس.

رأيت في يوم الاحد سيارة جيب لحرس الحدود تسد بلا أي سبب مدخلا ضيقا لروضة اطفال في مركز القرية. خاف الاولاد المذعورون من الخروج، واندفع عدد منهم الى الشارع الخطر فغضب الآباء وبدت الكارثة القادمة مضمونة. لم يكن عند رجال الشرطة الذين تلقوا الغضب والصرخات وطُلب اليهم أن يتحولوا عن المكان أي تفسير سوى «هذا ما أمرنا قائدنا بفعله».

كانت سلوان صورة مرآة الصراع كله. فهي حي عربي في شرقي القدس تقوم على اماكن مقدسة لليهود. يملك يهود نحو ثلث البيوت في القرية وربما أكثر. والتقسيم غير ممكن، فمن الصعب شيئا ما رسم حدود دولية بين ساحات البيوت. لا يريد العرب في القرية «السلطة الفلسطينية» : «لأننا نكره الديكتاتورية»، كما يقول أبو سند. ولا يريدون «الاسرائيليين» ايضا. إن نير بركات والبلدية هما الأشد كرها عندهم بسبب خطة «حديقة الملك» التي تشتمل على هدم بيوت. اذا أضفنا الى الوضع السياسي الوضع في القرية، التي تبدو مثل مزبلة كبيرة، يمكن أن نتفهم أبو ذياب الذي يقول : «لا فرق عند الناس هنا بين الحياة والموت».

في الخروج من سلوان يتلقى كل «اسرائيلي» مهما كان شتائم قوية من الشباب المحليين. قرب باب الخليل وقفت جماعة من الاولاد الذين يضعون القبعات الدينية وأنشدت آلاف السياح أناشيد حروب «اسرائيل» لأعدائها منذ ايام عمليق الى ايامنا. «الجميع يتلقون منا الضرب على رؤوسهم»، أنشد الأولاد. أجل، يوجد مستقبل مشترك وعلى نحو قوي.

- **«معاريف»



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2165349

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165349 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010