الأربعاء 29 أيلول (سبتمبر) 2010

تساؤلات حول القذافي والغموض الذي يخيم على اهدافه، تحركاته، حارساته، خيمته.. وثروته

الأربعاء 29 أيلول (سبتمبر) 2010

لا يمكن للمرء ألا يتأثر عميقا بهذا المضيف الغريب. في البداية يتركونك تجف 3 ـ 4 أيام في الفندق.

في القاعة يجلس رجال أمن بنظارات شمسية غامقة، وعندما تجلس لتحتسي القهوة مع زميل، تجد الاذان تتشنف وكأنك تعتزم كشف أسرار دولة فيقربون رويدا رويدا كراسيهم منك كي يسمعوا على نحو أفضل.

لا يمكنك أن تخرج من الفندق إذ في كل لحظة كفيل أن يصل هاتف من الخيمة، وعندها ستكون مطالبا بأن تمتثل على الفور. أنت في واقع الامر حبيس، وتأمل فقط ان يخترع المطبخ في الفندق شيئا جديدا قابلا للاكل.

«كان لي حظ إذ لم انتظر سوى أربعة ايام وعندها جاؤوا : عصبة من أربعة زعران مسلحين اقتربوا مني وطلبوا الي أن ارافقهم. لم أكن أعرف اذا كانت هذه طريقتهم لجلبي الى «الاخ القائد» أم اني مدعو للتحقيق، الاعتقال أو الابعاد.

عشرون دقيقة متوترة جدا مرت عليّ الى ان رأيت الخيمة الضخمة. في داخلها جلس أحد الرجال الاكثر تأثيرا الذين رأيتهم في حياتي. فقد رفع رويدا رويدا نظارته الشمسية الغامقة، التي درج على أن يتباهى بها منذ كان ضابطا صغيرا وشابا وابتسم لي وكأننا تعلمنا معا في المدرسة أو كأنه يريد ان يبادر الى مداعبتي. فتلفظ بشيء، وسارع الاثنان من مساعديه لترتيب مجلس مريح لي وعندها بدأ بخطاب عن تاريخ ليبيا».

الصحافية الالمانية التي اجتازت تجربة المقابلة مع معمر القذافي قبل سنوات طويلة وصفت خيمته الرسمية كمبنى مزين بالآيات القرآنية ومزود بالهواتف، التلفزيون، المخدات السميكة والمريحة جدا. ولكن كل الوقت، كما روت، كان احساس بان شيئا ما يجري. المساعدون يأتون ويخرجون، الحراس يتحركون حول القذافي الذي انشغل حتى في اثناء الحديث معها في ادارة شؤون الدولة ايضا، وكل شيء في نوع من اللغة المتفق عليها بالاشارات بالرأس وباليدين، بالهمس بمثابة زينة للمسرحية الحقيقية.

هذه المقابلة جرت قبل 2003، عندما رفعت بريطانيا والولايات المتحدة عن ليبيا العقوبات التي فرضتاها عليها في أعقاب عملية طائرة (بان ام) فوق لوكربي في اسكتلندا في 1988، حين قتل فيها 270 شخصا. منذئذ مرت على العقيد القذافي الذي امتنع عن ترفيع نفسه الى رتبة جنرال بعد الانقلاب العسكري الذي أثاره في 1969 تقلبات عديدة. ليبيا كانت ابنة بيت في الدول الغربية، ولملابسه الفاخرة اضيفت عناصر عديدة منحت الهاما لمصممي الازياء في اوروبا، وشركات النفط الغربية عادت للتنقيب عن النفط في الرمال الصحراوية الليبية التي عمل القذافي على ازدهار قسم منها من خلال شبكة الري الاكبر في العالم.

كما أن خيمة القذافي بدأت تتنقل من ليبيا الى دول العالم. مواطنو باريس، روما، الدوحة، نيوجيرسي وروسيا شهدوا السكن المتنقل للقذافي، ويبدو أنه لم تكن لديه مشكلة في أن يدق اوتادها حتى في القدس او في شاطىء «تل أبيب»، بعد أن يوقع اتفاق سلام مع الفلسطينيين. في تفكير ثان، يمكن للقذافي حتى أن يأتي الى «اسرائيل» قبل اتفاق سلام، إذ كعادته منذ سنوات عديدة يستخف بقرارات الجامعة العربية ويقترح دون انقطاع حلولا ابداعية للنزاع. هكذا، مثلا، اصطلاح (اسراطين) «اسرائيل» وفلسطين هو اقتراحه لاسم الدولة ثنائية القومية التي لا مفر برأيه من اقامتها في الارض التي بين البحر والنهر.

إقامة الخيمة لا تستغرق زمنا طويلا. عندما جاء القذافي الى مؤتمر القمة العربية في قطر قبل سنة كان المهندس الهندي الذي اشرف على نصب الخيمة يحتاج الى أربعة أيام فقط لانهاء المهمة، بما في ذلك تركيب مصابيح كريستال، جدران من القماش طلبت خصيصا من ايطاليا، اثاث خشبي فاخر وأبسطة من اقصى الخيمة الى اقصاها.

الخيمة هي نسخة كاملة عن الخيمة الاصلية للقذافي، المنصوبة في ليبيا.

القذافي، الذي يتباهى بأصله البدوي. اذا كان لغرض رحلاته يحتاج الى أن يستثمر نحو 300 الف دولار فقط كي يقيم خيمته في احدى عواصم العالم، هكذا سيكون. هذا المبلغ، بالمناسبة، لا يغطي كلفة الحاشية الكبيرة للحاكم، والتي تضم الحارسات الشخصيات الاسطوريات لديه، السيارات الفاخرة التي يجلبها معه أو الجياد البربرية الفاخرة التي رافقته في زيارته الاخيرة الى ايطاليا.

فبعد كل شيء، ستيل هو الاسم الوسط للعقيد، والمال لتمويله لا ينقص جماهيريته الشعبية حيث معدل دخل العائلة نحو 300 دولار في الشهر. صحيح أنه قبل بضع سنوات وضع فكرة نقل مقدرات ليبيا مباشرة الى جيوب المواطنين، وبدلا من ترشيح المداخيل من النفط عبر الاجهزة البيروقراطية والبنكية للدفع المباشر لكل عائلة مردودات شهرية ـ الا انه في النهاية «خضع» لضغط مستشاريه. فقد شرح له هؤلاء بان الدفع المباشر من شأنه أن يؤدي الى تضخم مالي لا يمكن التحكم به والى تحطيم القاعدة الاقتصادية للدولة.

القذافي لم يتعلم الدرس فقط، بل وقرر أيضا ان ليبيا تحتاج الى مهنيين يمكنهم أن يديروا الاموال وان يتاجروا في البورصات العالمية. وعليه، فقد أمر بارسال عشرين شابا ليبيا لاستكمال دراستهم في التجارة العالمية، ادارة المحافظ الاستثمارية وتحليل المخاطرات المالية، كمرحلة اولى في احتلال العالم المالي. لهذا الغرض استأجر خدمات فردريك مرينو، رجل دار الاستثمار «ميرل لينش» السابق كي يعالج سواء تأهيل البنكيين المستقبليين أم ادارة الصناديق الليبية.

صعب حتى مستحيل ان نعرف ما هو حجم المال الخاص للقذافي وما هو حجم استثمارات ليبيا في الخارج. فالقذافي يستثمر احيانا بشكل التوائي جدا. حين شارك في مؤتمر الدول الثماني الصناعية الذي انعقد في ايطاليا قبل نحو سنة، قرر ان يستثمر 19 مليون دولار في بناء فندق في بلدة منسية، مرت عليها قافلته في الطريق الى المؤتمر وذلك لان «المشهد أعجبه»، كما شرح عضو في وفده. كما أعلن القذافي مؤخرا انه ينوي أن يستورد من الهند مصنعا لصقل الماس بعماله. وهو نفسه، من خلال صندوق الاستثمار الليبي الخاضع لسيطرته، شريك في شركة لانتاج الماس في الكونغو. في غزة يعتزم أن يبني 20 منزلا جديدا في اطار صفقة تبادل اتفق عليها مع رجل الاعمال النمساوي مارتين شلاف لتحرير «الاسرائيلي» رفرام حداد الذي كان معتقلا في ليبيا.

القذافي ابن الـ 68 احتفل هذا الشهر بـ 41 سنة على حكمه ـ الولاية الاطول لاي زعيم في «الشرق الاوسط». من بين أبنائه الثمانية، سبعة ابناء وابنة واحدة (واثنان متبنيان، واحدة قتلت في قصف امريكي على بيته في 1986)، اثنان فقط يعتبران ذوي احتمال لخلافته سيف الاسلام، الذي يدير الصفقات السياسية والوساطة بين ليبيا وغيرها من الدول، ومعتصم، الذي يعمل كمستشار للامن القومي.

ولكن القذافي لا يفكر بعد بالاعتزال، والمعارضة الليبية ليست قوية بما فيه الكفاية لتهديد حكمه. هذا ما يحرص عليه عملاؤه الذين قتلوا في الماضي رجال المعارضة حتى خارج الدولة. خيمة القذافي ستبقى بالتالي تتجول في العالم.

- **«هآرتس»



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 4 / 2165880

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165880 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010