الخميس 30 أيلول (سبتمبر) 2010

الديموغرافيا والمستوطنات

الخميس 30 أيلول (سبتمبر) 2010 par عدنان منصور

مع الانطلاقة الجديدة للمفاوضات «الإسرائيلية الفلسطينية»، ثمة مسائل رئيسة يركز عليها الطرفان. فالجانب «الإسرائيلي» يهمه بالدرجة الأولى مناقشة الترتيبات الأمنية، أما الجانب «الفلسطيني» فيركز على موضوع ترسيم الحدود للدولة الفلسطينية «المنتظرة»، الى جانب مسألة استراتيجية هي الأهم بالنسبة لـ «إسرائيل» تتعلّق بالاستيطان بكلّ أبعاده.

وإذا كان من السابق لأوانه الحكم على نتائج المفاوضات، فإنّ هناك مسألة جوهرية ثابتة تحتلّ حيّزاً مهمّاً في المباحثات التي تجري وستجري لاحقاً بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، هي المسألة الديموغرافية التي تعوّل عليها «إسرائيل» أهميّة بالغة لأنّها تمثّل الركيزة الرئيسة للأمن القومي «الإسرائيلي» وللاستمرارية اليهودية في السنوات المقبلة، إذ ترتبط مباشرة بسياسات الهجرة اليهودية الى فلسطين، والاستيطان وتهويد المناطق الفلسطينية التي لم تهوّد، وترحيل من بقي من العرب على أرض فلسطين بعد أن تأخذ «إسرائيل» صكاً من القيادة الفلسطينية تقرّ وتعترف فيه علناً بـ «يهودية الدولة الإسرائيلية»، وهذا ما تشترطه «إسرائيل» وتصرّ عليه.

فمسألة التعداد الديموغرافي اليهودي في فلسطين وتكثيف الهجرة اليهودية إلى «إسرائيل» من أجل تعزيز وجودها العسكري والاقتصادي والبشري وضمان التوازن النسبي المطلوب في حده الأدنى مع المحيط الفلسطيني والعربي، تظل الهاجس الأول والشغل الشاغل للقادة «الإسرائيليين»، نظراً للتحدّي الكبير الذي تواجهه الديموغرافيا اليهودية وتحرّك التعداد اليهودي في «إسرائيل» والعالم تحرّكاً متواضعاً وفي إطار محدود.

«إسرائيل»، إذاً، أمام مأزق ديموغرافي لا يمكن تجاهله، سيضع مستقبل الدولة اليهودية على المحك، وهي المحاطة بتعداد بشري فلسطيني وعربي يزداد يوماً بعد يوم. وإذا كانت «إسرائيل» تعوّل أهمية كبرى على استقدام يهود العالم اليها، فقد استنفدت منذ قيامها جزءاً كبيراً من يهود العالم بلغ ستّة ملايين يهودي من أصل أربعة عشر مليون يهودي موزّعين على القارات الخمس، قي وقت يعاني فيه التعداد اليهودي في العالم الجمود وأحياناً التراجع.

تشير الموسوعة اليهودية الى أن تعداد اليهود في «إسرائيل» والعالم قد بلغ أربعة عشر مليون يهودي عام 1970، وبعد اثنين وعشرين عاماً، أي حتى 1992، تراجع عددهم الى 13963300، ليعود في 2000 ليرتفع الى أربعة عشر مليون يهودي. وما زال هذا التعداد على حاله حتى 2010، ممّا يعني أنّ تعداد اليهود بقي خلال أربعين عاماً على ما كان عليه عام 1970. واستناداً إلى المكتب «الإسرائيلي» المركزي للإحصاءات، نشرت صحيفة «جيروزالم بوست» في 7/9/2010 تقريراً يشير الى أن عدد سكان «إسرائيل» حتى تاريخه بلغ 7645000 نسمة، مسجّلاً نمواً ثابتاً بمعدل 1.8% للسنة السابعة على التوالي، إذ يمثّل اليهود 75% والعرب 20.3% وغير اليهود، القادمون من الجمهوريات السوفياتية السابقة 4.2%.

وتشير الإحصاءات ذاتها الى أن 60% من العرب يعيشون في الشمال مقابل 20% من اليهود، وهذا ما يبيّن مدى إصرار «إسرائيل» على تفريغ الشمال «الإسرائيلي» من العرب الفلسطينيين، مع العلم أن 13% فقط من العرب يعيشون في الجنوب، وغالبيتهم من البدو. وتبين الإحصاءات أنه في 1948، عند قيام «إسرائيل»، بلغ عدد السكان 806000 ليرتفع إلى مليون عام 1946 والى مليونين عام 1956، وذلك بعد تدفّق الهجرات الى فلسطين، والى خمسة ملايين عام 1990، والى ستة ملايين عام 2000 نتيجة الهجرات المكثفة من روسيا. واليوم، تتوقّع «إسرائيل» وفقاً لخططها المرسومة أن ترفع عدد سكانها ليصبح عشرة ملايين نسمة عام 2030.

خلال العشرين سنة المقبلة، ستكون «إسرائيل» بحاجة ماسة الى مهاجرين جدد والى مزيد من الأرض لإسكان الموجات الجديدة وتوطينها، ما سيجعلها أكثر إصراراً وشراسة على التمسك بالأرض من أجل تنفيذ سياسة الاستيطان، مهما كانت الذرائع والوسائل وردود الفعل.

كيف يمكن «إسرائيل» التخلي عن الاستيطان والتنازل عن يهودية الدولة وهي التي تعمل منذ سنوات طويلة على جلب اليهود «المنسيين» في أماكن عديدة من العالم من أجل استقدامهم الى «إسرائيل». وخير مثال على ذلك ما جرى مع السبعين ألفاً من يهود الفلاشا الذين استقدموا من إثيوبيا الى «إسرائيل»، ومع جماعة مانيبور، وما ستفعله مستقبلاً للمجيء بأفراد قبيلة اللامبا الى «إسرائيل»، وغيرها من الجماعات المتناثرة هنا وهناك التي أصبغت عليها صفة اليهودية. فمع قرب نضوب خزان الهجرة اليهودية الى «إسرائيل»، ستلجأ الدولة العبرية مستقبلاً الى البحث عن أماكن عديدة قد تجد فيها أفراداً يزعمون أن أصولهم يهودية.

لقد وجدت «إسرائيل» بعض الجماعات التي تسكن منطقة مانيبور الواقعة على حدود الهند - ميانمار، يزعم أفرادها أن أصولهم تعود إلى سبط «منشه»، وهو أحد أسباط القبائل العبرية القديمة. ورغم أن الموسوعة اليهودية تؤكد أن هذه الجماعة يبلغ عدد أفرادها مئات عدّة، فإنّ بعض المصادر اليهودية تقدّر عددهم بالعشرات. وقد انصرفت هذه الجماعة لاحقاً عن اليهودية، لتكتسب وتمارس طرقاً وطقوساً بعيدة كل البعد عن تعاليم التوراة والتلمود. وعلى الرغم من الاختلافات الأساسية بين الطقوس اليهودية وطقوس جماعة مانيبور، فإنّ حاخامات «إسرائيل» تجاوزوا هذه الحقائق ليلبسوا هذه الجماعة الثوب اليهودي تحقيقاً لغاية سياسية ديموغرافية هدفها جلب هؤلاء الى «إسرائيل» وتعزيز الاستيطان فيها بعدما رفع المعنيون بالأمر عدد هؤلاء ليصل الى ستة آلاف شخص!

ولم تخفِ الجهات «الإسرائيلية» الحقيقة الدامغة وراء استقدام يهود مانيبور الى «إسرائيل» بعدما أرسلت وفداً من الحاخامات الى الهند للتعرف عن كثب على أوضاع هؤلاء ودفعهم للهجرة اليها. هذه الحقيقة كشفتها كوليت افيتال، مسؤولة لجنة الهجرة والاستيعاب في «الكنيست الإسرائيلي»، عندما قالت إن الغاية من جلب يهود مانيبور ليست إنقاذهم، بل توطينهم وإسكانهم في التجمعات الاستيطانية الواقعة وراء الخط الأخضر.

وفي جانب آخر، يدور الحديث اليوم عن يهود اللامبا (LEMBA) مجدداً بعدما أثاره قبل سنوات عدد من «الإسرائيليين». فالحاخام مايكل غرايتس تطرق أخيراً في جريدة «يديعوت أحرونوت» بتاريخ 7/3/2010 الى وجود قبيلة في زمبابوي تُعرف بقبيلة اللامبا يبلغ عدد أفرادها ثمانين ألف نسمة وتسكن وسط زمبابوي في شمال جنوب أفريقيا. ويذكر الحاخام غرايتس أن علماء بريطانيين أثبتوا من خلال فحص الـ DNA أن أفراد هذه القبيلة لهم جذور يهودية وأن عرقهم «عرق ساميّ»! كما يدعي الحاخام غرايتس أن أفراد قبيلة اللامبا يعودون لسبعة مهاجرين يهود غادروا الأرض المقدسة منذ ألفين وخمسمئة عام قبل هدم الهيكل الثاني، وقدموا عن طريق اليمن حيث استوطنوا أفريقيا (!!!).

مما لا شك فيه أن «إسرائيل» بحاجة ماسة للبحث عن مستوطنين جدد مهما تكن درجة انتماءاتهم الدينية اليهودية، لأنها ستأخذ على عاتقها في ما بعد «تطهير» ما علق داخل المهاجرين الجدد من «شوائب»، وإعادة «اليهودية» وطقوسها ومفاهيمها إليهم. فالأمر الأساسي بالنسبة لـ «إسرائيل» هو تجنب نضوب الخزان البشري اليهودي في العالم الذي يجد مصبه في «إسرائيل»، ومواجهة الهجرة المعاكسة والحد منها، في الوقت الذي تشهد فيه زيادة ديموغرافية فلسطينية متصاعدة سنة بعد سنة.

لقد كان بن غوريون يدرك جيداً أهمية الكثافة السكانية اليهودية. ولعلّه أوّل من نبّه الى ما يجب فعله من أجل زيادة أعداد اليهود في «إسرائيل»، حين قال «إن كل أم يهودية لا تنجب على الأقل أربعة أطفال في صحة جيدة، تتخلى عن واجبها تجاه الأمة (اليهودية)».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165427

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165427 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010