الثلاثاء 28 أيلول (سبتمبر) 2010

«إسرائيل» والغرب : المصير المشترك في جغرافيا هُلامية

الثلاثاء 28 أيلول (سبتمبر) 2010 par راكان المجالي

ليست «فارغة» تلك «الدلالة الجغرافية»، لمفهوم «الشرق الأوسط»، التي كانت سائدة حتى مطلع القرن العشرين، والتي حاول د. غسان سلامة تفاديها، في محاولة تحديده لمفهوم «الـشرق الأوسط» (مقال في جريدة «الحياة»، بعنوان : قراءة في مفهوم «الشرق الأوسط» في عصر العولمة : «الشرق الأوسط»... صراعات اللاعبين ولغة المصالح، 2009). فإبحار السفن «من مرفأ لندن، متّجهةً شرقاً، وحاجتـها إلى التوقّف، لتعبئة الوقود في الشـرق الأدنى (أي مالطا وقبرص)، وفي «الشرق الأوسط» (أي السويس وعدن)، ومن ثمّ الشرق الأقصى (أي بومباي وما بعدها)، يشكّل المعنى الجغرافي والتاريخي للمصالح الغربية، في ذلك الجزء مِن العالم. فعلى الرغم من فقدان مرفأ لندن لصـفته «كمحورٍ للعالم»، وكذلك عدم اضطرار الأساطيل الى مواصلة التوقّف عند «محطّات الفحم الحجري»، مٍن أجل عبور المحيطات، فإنّ المنطقة لم تخسر أهميتها الإستراتيجية العالمية. كما أنّها لم تكن «فارغة من أي محتوى ثقافي أو سياسي»، في تلك الفترة، بل كانت الخاصرة العثمانية الأكثر رخاوة، والتي تمكّن الغرب، مِن خلالها، مِن اجتياح جسد الدولة العثمانية الممتدّ، ومِن بعدها الشرق كلّه.

كما أنّ عبارات تعريف خطوط الطيران الدولي «للشرق الأوسط»، التي حاول د. سلامة خلطها مع مفاهيم «الإنشاء السياسي» للمنطقة، مثل : «إسرائيل وجوارها»، أو «مِن مراكش إلى بنغلادش»، أو «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، أو «الشراكة الأورومتوسطية»، أو «الشرق الأوسط الكبير»، لا تعني العشوائية في تحديد مفهوم سياسي وجغرافي موحّد للمنطقة، بِقدر ما تعني قلقاً وصراعاً عنيفاً ومكتوماً، بين القوى العالمية الأكثر اهتماما وتأثيراً في شؤونها.

فالغرب، الذي «يُخفي تغوّله عن نفسه، وعن غيره»، قدّم نفسه الى المنطقة، مندمجاً ومتوحّداً مع شكل الوجود «الإسرائيلي» الحديث فيها. وهو وجود «غولي ومُنفلت وعنيف» ومُركّب، ولم يتورّع عن ارتكاب أبشع أنواع القتل والإبادة، لتحقيق وتثبيت وجوده فيها، خلال نصف القرن الأخير على الأقلّ.

ما سبق يأخذ معانيه الجليّة، وربما الصادمة للبعض، في ما كتبه «خوسيه ماريا أزنار»، رئيس الحكومة الإسبانية السابق (1996 - 2004)، بصحيفة «التايمز اليوم» في حزيران/يونيو الماضي، بعنوان «ادعموا «إسرائيل» لأنها إذا انهارت انهار الغرب». فتصريحات الرجل، لم تتوقف عند الهدف والتوقيت السياسي المباشر لمعناها، بل تجاوزتهما الى ما هو أعمق، باعتبار أنّ ««إسرائـيل» هي جزء أساسي من الغرب، وما هو عليه (أي الغرب) بفضل جذوره اليهودية/المسيحية. فإذا تمّ نزع العنصر اليهودي من تلك الجذور، وفــقدان «إسرائيل»، فسنضيع نحن أيضاً، وسيكون مصيرنا متشابكاً، وبما لا ينفصم، سواء أحببنا ذلك أم لا»(!). فبحسب «أزنار»، فإن ««إسرائيل» هي خطّ دفاعنا الأول (أي الغرب)، في منطقة مضطربة، تواجه باستمرار خطر الانزلاق إلى الفوضى، ومنطقة حيوية لأمن الطاقة لدينا، بسبب الاعتماد المفرط على النفط الموجود في «الشرق الأوسط»، والمنطقة التي تشكل خط الجبهة في الحرب ضدّ التطرّف، فإن سقطت فسنسقط معها». كما أنّ تراجع الغرب عن دعم «إسرائيل»، وترْكها تواجه مصيرها وحدها، في هذه الظروف، دليلٌ صارخ على مدى تراجع الغرب وضعفه. ذلك أنّ، والكلام لـ «أزنار»، الدفاع عن حق «إسرائيل» في العيش بسلام، وضمن حدود آمنة، «يتطلّب درجة من الوضوح الأخلاقي والإستراتيجي، كثيراً ما تبدو وكأنها اختفت من أوروبا، كما أن الولايات المتحدة تظهر علامات مثيرة للقلق، حول السير في الاتجاه نفسه»!

ولم تتوقف تصريحات «أزنار» عنـد حدود الكلام، بل أسّس جمعية باسم «أصدقاء «إسرائيل»». وهي مبادرة افتتحت فرعاً لها في بريطانيا، وتهدف الى «وقف عملية تآكل حقوق «إسرائيل»»، باعـتبارها مسألة «مهمة وحيوية لـ «إسرائيل» ولجميع الدول الغربية، لأنه إذا سقطت (أي «إسرائيل») فسنسقط جميعاً معها». وقد ضمّت تلك المبادرة سياسيين أميركيين وأوروبيين وناشطات وعلماء لاهوت. كما تسعى الجمعية الى «التصدي لتنامي موجة الانتقادات، الرامية لتقويض حق «إسرائيل» في الوجود، والتصرف دفاعاً عن النفس» (!). ومن بين مؤسسي مبادرة أصدقاء «إسرائيل» إلى جانب «أزنار»، ممثل الولايات المتحدة الدائم السابق لدى الأمم المتحدة «جون بولتون»، والرئيس السابق لمجلس الشيوخ الإيطالي «مارسيلو بيرا»، والسياسية الإيطالية «فياما نايرنشتاين»، والمؤرخ البريطاني «أندرو روبرتس».

بهذا الانحياز الثقافي الغربي التأسيسي، يتقدّم الغرب الى العرب، على وجه التحديد، كـ «مركّب غربي «إسرائيلي» لامتناهٍ». وبه، تتحدّد «إسرائيل»، كانتهاك جوهري دائمٍ، لكلِّ فرص العرب التاريخية والمصيرية، ومِن دون أن يترك لهم ذلك خياراً سوى «الخنوع والتبعية»، أو «عنف ساحق» يبقيهم دوما في قاع الأمم المتخلّفة.

فمَنحُ ذلك الكيان الضئيل، بموارده وحجمه، قوةً تمكّنه، باستمرار، من إلحاق الهزيمة بالعرب مجتمعين، بما فيها (السلاح النووي)، ليس له معنى سوى «عدم الإقرار للعرب ككيان جمعي محتمل بغير حياة محضة»، يمكن محوها، إن اقتضت الضرورات.

وهو أيضاً انحيازٌ تؤكّده الدولة العبرية، بربطـها كيانها ومصيرياً بالغرب، تماماً كما يربط الغرب المتحضّر مصيره ومستقبله بها، وهو ما تُعزّزه جهود وتصريحات «أزنار» ورفاقه الأخيرة. بهذا يتحدّد المعنى الجوهري لاستمرار وجود «إسرائيل»، بما هي «تمديدٌ للشرط الاستعماري في المجال العربي». ما يعني تحويل المنطقة العربية الى «مجالٍ مباحٍ ومكشوفٍ لا كيان له»، ويحيا على الدوام حالات استثناء دائمة؛ بما يجعله دوماً «حقل صيدٍ مشاعاً»، فيمتنع بالتالي عن أن يتحقّق فيه «أمن عام أو عقل عام أو مجتمع بشري».

لهذا، ووفق منــطق الاستباحة الغربي، كان لا بُدّ مِن ابتكار اسم لقـلب هذا المجال المُستباح، بما لا يحمل أيّة دلالات ثقافية أو تاريخية. أي مجرد إطارٍ ‏جغرافي هُلامي، يتمركز حول أوروبا، ويتحدّد موقعه الجغرافي بالانتساب إليها، إنّه : «الشرق الأوسط».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2178632

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

49 من الزوار الآن

2178632 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 49


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40